18 ديسمبر، 2024 7:11 م

الحراك ُ الطلابي يُؤرِقُ سُلطة الخضراء

الحراك ُ الطلابي يُؤرِقُ سُلطة الخضراء

شهدت الأيام القليلة الماضية مزيداً من العمل الإرهابي المضاعف الذي يبذله جلاوزة سلطة الإحتلال ( السادسة ) المتمثلة بمليشياتها العابثة بأمن وسلامة ابناء شعبنا الكريم عامة وطلاب الكليات والمعاهد منهم خاصة ، تجسد ذلك في عملية إختطاف سبعة من الناشطين والإحتفاظ بهم لثلاثة ايام تعرضوا فيها الى الترهيب والإهانة ، في محاولةٍ رخيصة ٍ بائسة لتكميم الأفواه وحبس الأصوات .

ويبدو جلياً تنامي الشعور الوطني والقومي في افكار وعقول طلبة العراق الأماجد ، كنتيجةٍ حتميّة لما تعرض له بلدهم على مدى الأربعة عشرة سنة المنصرمة ، تمثلت في مَسخِ القيّم الوطنية وتشويهها والطعن في عروبة العراق والدعوة الصريحة لمصادرتها ومحوّها من هويته الوطنية ، ناهيكم عن سعي حكومات الإحتلال ومنذ مايسمى بمجلس الحكم الإنتقالي وتناوب سلطات علاوي والجعفري والمالكي ، وانتهاءً بحكومة العبادي ، وسعيهم الحثيث الى الإنحراف بهوية الدولة العراقية التي نشأت عليها منذ تأسيسها عام 1921 كنظام نموذجي للدولة الحديثة الجامعة لكافة الوان الطيف العراقي على أساس ٍ حضاري مواكب للعصر الراهن ويؤمن بحق المواطنة كانتماءٍ مركزي لدولة ٍ تنصهر فيها كافة الأعراق والمعتقدات الدينية والمذهبية .

عمدت حكومات الإحتلال الى تحطيم تلك الصورة الجميلة وإطارها الجامع لتحل محلها دولة الطوائف والإثنيات الهزيلة المتناحرة ، دولة الفساد الإداري والمالي التي جعلت سرقة المال العام ثقافة عامة ممنهجة ، وتفسخت فيها القيّم والإخلاق وشيوع الأمراض المجتمعية الشاذة المنحرفة ، تنفيذاً لتوجيهات واوامر مرشد طهران ( الولي الفقيه ) .

ولاشك ان درجة الوعي والفهم والإدراك الموضوعي في الوسط الطلابي العراقي بلغ اليوم ذروته ، وان الروح الوطنية والقومية العابرة للطوائف والمذاهب ، شكلت صخرة راسخة في ارض الرافديّن ، ستتحطم عليها المخططات العدوانية والأجندات الفارسية الصفوية التي تنفذها سلطة العملاء .

ونتيجة لذلك تراهم يندفعون افواجاً وجماعات متلاحمين فيما بينهم ليثبتوا لأولئك المارقين بان العراقيين شعبٌ واحد ذو نسيج مُتحد ، يستعصي على الأعداء تفتيته .

وإذا ما اردنا تسليط الضوء على النشاط الوطني الفاعل لطلبة وشباب العراق والذي بات يُشكل مصدر قلقٍ وإزعاج لرئيس واعضاء حكومة الإحتلال ، فإننا سنحتاج الى صفحاتٍ عديدةٍ لسردها إبتداءً من تشكيلهم فرق لحماية مناطقهم السكنية وعدد من الدوائر الخدمية والمراكز الصحية مروراً بمحطات تنظيم الإعتصامات والوقفات الإحتجاجية والمشاركة الفاعلة في المظاهرات الجماهيرية الواسعة سواء في ساحات الإعتصام لمحافظات القطر التي تعرضت لأبشعِ صور القمعِ والترهيب الحكومي في جرائم يندى لها جبين الإنسانية وانتهاءً بالمطالبة اليوم بنظامِ حكمٍ مدني يفصل الدين عن الدولة وعدم السماح لمراجع الفرس بالتدخل في صنع القرار الحكومي وفرض رؤاها المتخلفة على مؤسسات ووزارات الدولة .

في ادناه اهم النشاطات والفعاليات الوطنية التي تبناها طلبة العراق النشامى : ــ

1 . قيام طلاب جامعة سامراء بمقاطعة سلام الزوبعي نائب رئيس الوزراء الأسبق في حكومة نوري المالكي ، بتأريخ 20 /1 / 2013 والذي جاء ليَنقُل لهم وجهة نظر ( المالكي ) حيال مطالب المعتصمين ، وتسببت تلك المقاطعة بإحراجٍ كبير للزوبعي والمالكي امام الرأي العام العراقي والدولي ، لاسيما وان وقائع تلك الجلسة وتداعياتها كانت تُنقل على الهواء لعدد كبير من القنوات التلفزيونية .

2 . استشهاد عدد من الطلبة المشاركين مع اساتذتهم في إعتصام الحويجة ، في المجزرة التي ارتكبتها جلاوزة المالكي في 23 نيسان 2013 والمعروفة ب ” مجزرة الحويجة ” والتي مازالت قضيتها في أدراج المحاكم الدولية بانتظار الحسم .

3 . في صباح يوم الثلاثاء 24/ 11 / 2015 عبر طلاب معهد الفنون الجميلة عن احتجاجهم على قرار توحيد جنس الطلاب والكوادر التدريسية في وقفةٍ احتجاجية امام مبنى المعهد أدت الى تعطيل الدوام الرسمي وحدوث اشتباكات مع قوات الأمن .

4 . تظاهر نحو مئتي طالب امام بوابة وزارة التعليم العالي بتأريخ 7/12/2015 ، منددين بقرار الوزارة المفاجيء والقاضي بعدم اعترافها بشهادات الجامعات الأوكرانية ، على الرغمِ من حصول الموافقات الرسمية المسبقة وفق ضوابط الوزارة وإدارة البعثات قبل بدئهم الدراسة في اوكرانيا .

5 . اعتصم العشرات من طلاب كلية الإعلام / جامعة بغداد في يوم الأربعاء 9 / 12 / 2015 داخل الحرم الجامعي ، احتجاجاً على نشوب حريق داخل مساكن الطلبة والذي تسبب بخسائر مادية كبيرة وحصول 30 حالة إختناق بحسب مصادر الشرطة والصحة ، وتطور الإعتصام ليتحول الى مظاهراتٍ كبيرة إمتدت الى كليات اخرى ، ندد فيها المتظاهرون بتردي الخدمات في الأقسام الداخلية وافتقارها الى ابسط مقومات السكن

والأمان ، مما استدعى تدخل ازلام الحكومة لتفريقهم خوفاً من امتدادها الى محافظات اخرى .

6 . بتأريخ 22/1/2016 نفذ طلبة قسم هندسة البرمجيات اضراباً مفتوحاً في كلية الإمام الصادق / بغداد ، تسبب بتعطيل الدوام على خلفية قرار يُوقف إعتماد قسمهم ، كقسمٍ هندسي ، لحين صدور قرار آخر يُحدد تصنيفه .

7 . وفي 25 شباط 2016 شهدت جامعة السماوة حشداً كبيراً لمئات الطلاب ومن مختلف كلياتها ومعاهدها إحتجاجاً على زيارة حسين الشهرستاني وزير التعليم العالي السابق ، والذي جوبه بهتافاتهم المنددة والمعبرة عن رفضهم لتلك الزيارة ، حين هتفوا : إرجع إرجع يافاشل ، إرجع إرجع يا قاتل ، إرجع إرجع يا عميل ، علاوة على رشقه بقناني الماء والأحذية والحجارة ، الأمر الذي إضطره للهروب والمغادرة عائداً الى مقرهِ في المنطقة الخضراء .

ولاشك ان تلك الواقعة تُعد سابقة في تأريخ الجامعات العراقية .

اشعلت هذه الحادثة شرارة في الوسط الطلابي الذي تداعى لحراكٍ كبير عمَ اغلب جامعات القطر ، لتنطلق بعدها مظاهرات موحدة سُميَّت ب (( ثورة القمصان البيض )) ، إنتفض فيها على التوالي طلبة جامعات البصرة ، ذي قار ، ميسان ، بابل ، واسط ، الكوفة ، لتنتقل الى جامعات العاصمة ومعاهدها وعلى رأسها جامعتيّ بغداد والمستنصرية .

8 . في 25 شباط 2017 تظاهر المئات من طلبة جامعة واسط ، منددين بزيارة حيدر العبادي لجامعتهم ، ورددوا هتافات : هي هي كلكم حراميه ، ياعبادي شيل ايدك هذا الشعب مايريدك ، وحصل ارباك امني في الحرم الجامعي بعد قذفه بالأحذية والقناني البلاستيكيه ، مما استدعى تدخل عناصر الأمن اللذين اعتقلوا بدورهم 52 طالباً مازالوا مهددين بالفصل او الطرد من الجامعة .

9 .الأثنين 10 نيسان 2017 احتج العشرات من طلبة كلية القانون على زيارة المعمم قيس الخزعلي رئيس ميليشيا العصائب ، منددين به وبمن إستضافه من الكادر التدريسي ، ومنعوه من القاء محاضرة يُنظر فيها للحشد الشعبي ، واغلبنا شاهد هتافاتهم : ايران بره بره بغداد تبقى حُره ، كان لتلك المظاهرة صدى كبير إستفز الخزعلي الأمر الذي دفع حمايته باطلاق النار في الهواء لترهيب المتظاهرين ، ثم اعتقلوا عدد منهم واخيراً صدر قرار بفصل اربعة من بينهم لسنة دراسية كاملة .

10 . في ساعة متأخرة من ليل الأحد الماضي 7/5/2017 اقدمت عناصر ميليشاوية مدعومة حكومياً ، على اختطاف سبعة من الناشطين واحتجازهم لثلاثة ايام ، بغية

ترهيبهم وزرع الرعب في صفوف الطلبة الآخرين ، تعرضوا خلالها الى الإهانة والترويع ثم اطلق سراحم مساء الأربعاء ، نتيجة الضغوط الطلابية والشعبية .

يَعْزُو عدد من اعضاء الحكومة واجهزة اعلامها الى ان احد مُحركات الطلاب هو الفراغ الفكري والسياسي لديهم ، في محاولةٍ مفضوحة لتقزيم الجهد الوطني العظيم لأولئك الشباب من جانب ، وللتغطية على فسادهم المالي وقراراتهم الإرتجالية غير المدروسة التي وَلَّدَت تراكمات من الإهمال وسوء الإدارة والتخبط الواضح في قيادة الدولة كجانبٍ آخر .

على الصعيد ذاته ، يحاول اليوم الحزب الشيوعي العراقي وهو طرف مشارك في العملية السياسية ” صنيعة الأجنبي ” للظهورِ امام الجماهير العراقية بمظهرٍ وطني يتبنى الدفاع عنهم ، وتقمُصِ الدور القيادي المُحرك للطلبة والشباب ، متناسياً ، انهُ دخل العملية السياسية على اساس طائفي ممثلاً بسكرتيره السابق حميد مجيد موسى ، والذي جرى إعتمادهُ وفق نظام المحاصصة على اساس (( تركماني شيعي )) وبذلك نسَفَ ماتبقى له من شعبية على الساحة الداخلية ، حتى اصبحت الجماهير العراقية ولغاية وقتٍ قريب تطلقُ على الشيوعي العراقي ب (( حزب حميد مجيد )) ، ولستُ هنا بصدد التعريض او التسقيط بحزبٍ سقطَ منذ وقوفهِ الى جانب إيران في حربها العدوانية الدامية ضد العراق لثمانِ سنوات ، والأعجبُ والأغربُ منهُ ، ان قيادته تُشارك في جميع المناسبات الدينية المذهبية وتراهم يتبارون في لبس السواد في عاشوراء ويرتادون الحسينيات كمشاركين اساسيين في اللطمِ والتطبير وغيرها من الممارسات ، وربما اغلبنا شاهد في الأسابيع الأخيرة الماضية مواكب العزاء بوفاة الإمام الكاظم ، كيف كانوا يرفعون لافتات خُطُ عليها :

(( الحزب الشيوعي العراقي يُعزي المرجعية الرشيدة باستشهاد الإمام موسى الكاظم )) ، واخرى (( الحزب الشيوعي العراقي يُعزي صاحب العصر والزمان باستشهاد الإمام الكاظم )) ، وغيرها الكثير مما نُشاهدهُ في الأفلام والفديوات المُسربة عن تلك المشاركات التي تتناقض مبدئياً مع نظرياتهم المزعومة عن الفلسفة (( المادية )) وإيمانهم بمقولة ” كارل ماركس ” (( الدين أفيون الشعوب )) ، حيث تتعارض مع مايرفعون من شعارات مُخادِعة كاذبة ، وتلكَ بعينها يرفضها الطلبة الغيارى الداعين في حراكهم الى عودة العراق لسابقِ عهدهِ كدولة مدنية مُتحضرة .

وفي واقع الأمر لم اجد تفسيراً لإدعائهم بالوقوف خلف النشاطات الوطنية المشرفة للطلبة العراقيين سوى ركوب الموّجة والصعود على اكتاف الأبرياء في التحشيد للإنتخابات القادمة .

اخيراً سيبقى طلبة العراق وشبابه ، عراقييون وطنييون وعربٌ اصلاء احرار ينتمون للعراق وللأمة نسباً وجذراً وتأريخاً ، يُحركهم ضميرهم النابض بالإيمان والإخلاص في حُب الوطن ارضاً وشعباً وتراثاً ، ولا مُحرك سواه .

وسيظلُ حراكهم يقضُ مضاجع سلطة العملاء في المنطقة الخضراء .

حفظ الله العراق والأمة .