(الحراك الشعبي أو الانتفاضات الشعبية في موجتيه أو في موجيتيهما، الاولى والثانية، قادر أو قادران على احداث تغيير حقيقي في الوضع العربي الرديء والمتشظي ولو بعد حين)
يعيش العدد الكبير من الاوطان العربية اسوء مرحلة مرت في تاريخ هذه الاوطان في مراحل ما بعد التحرر من ربقة الاستعمار القديم؛ فقد اصبحت ميدان مفتوح لصراع القوى الدولية والاقليمية وهي اي هذه القوى تبحث عن مواطن لنفوذها في هذه الاوطان. وفي اتون هذا الصراع فقدت تلك الاوطان ارادتها المستقلة وسيادتها في ظل ديمقراطية هشة لاتمت الى الديمقراطية بصلة من اي نوع كان. بعد احداث (الربيع العربي) والذي هو الاخر ليس له اي علاقة بالربيع بل هو خريف اسود حل على الشعوب العربية في تلك الاوطان مع انه في لحظة البداية كان ربيعا عربيا فجره غضب الشعوب، من ظلم الحكام العرب وليس للارادة الاستعمارية الامريكية والغربية والاسرائيلية اي علاقة به لجهة الغضب الذي تفجر في وجه قسوة الطغاة الماسكون برقاب الشعوب ومصائرهم، على عكس ما روج في حينه ويروج حتى الان؛ من ان الارادة الامريكية وغيرها هي من فجرته. فقد انتفض الشعب العربي في تلك الاوطان من اجل الحرية والتطور والتنمية الحقة وفرص العيش الكريم، في دول اغلبها غنية بالثروات.. وفي ذات الوقت تعيش هذه الشعوب في فقر مدقع وينعدم امامها افق المستقبل. فالذي احرق جسده في أحدى مدن تونس وفي وضح النهار، احتجاجا على الظلم الذي تعرض له في مورد عيشه ليس له علاقة بالاجنده الامريكية او الغربية، وهذا الامر ينطبق على بقية الدول التى طالها وغَيَرها (الربيع العربي) في موجته الاولى والتى انهت حكم الدكتاتوريات العربية بطريقة كارثية وتدميرية، بتاثير التدخل الامريكي والغربي والعربي الخليجي اي الدول العربية المطلة على الخليج العربي، لاحقا، فقد زرعت الفوضى والتشظي في تلك الدول وهنا نقصد سوريا وليبيا باستثناء تونس التى نجح شعبها حين ابتعدت اصابع العبث الامريكي عنها، في التأسيس لديمقراطية وليده وناجحة بدرجة كبيرة. أما في مصر فقد تم أعادة انتاج نظام حسني مبارك مع بعض التغييرات التى يحتاجها هذا التحول، لأبرازه كتحول ديمقراطي.. مع انه يفتقر الى التأسيس الحقيقي لديمقراطية وليده..أما لماذا؟ لم تتدخل امريكا والغرب سلبا في الدولتين؛ الاولى ليس لها تاثير جدي وحاسم وفعال على أمن الكيان الصهيوني وليس في حوزتها من الثروات ما يغري حيتان المال في امريكا والغرب، أما الثانية فالامر معروف ولاحاجة للتذكير به..أما في ليبيا فهي تعيش في احلك ظرف مربها؛ فقد صارت ملعب للقوى الدولية والاقليمية( امريكا وفرنسا وروسيا وايطاليا ومصر والامارات وقطر وتركيا). سوريا التى تصارع الان صراعا مريرا من اجل المحافظة على وحدة اراضيها من التغول الامريكي والاسرائيلي والتركي وبعد ان حررت وبمساعدة روسيا وايران اكثر من 90%من اراضيها من الارهاب، مع ان الثمن كان باهضا على صعيد المستقبل وهو ما سوف يخلفه من جرح في السيادة، قد لايندمل لعقود قادمة وهنا نقصد طبيعة العلاقة مع روسيا التى ربما بشكل او باخر،يكون لها تاثير ما في كتابة الدستور وربما تكون هناك وراء الباب المغلق؛ توافقات بين روسيا وامريكا لاتسمعها المعارضة ووفد سوريا الا حين يتم تقديمها بعد برمجتها عبر الوسيط الدولي.. في السياق سيطر الامريكيون على حقول النفط في دير الزور ومحيطها، لأستخدامه في تمويل اقامة كيان كردي وباشراف قوات سوريا الديمقراطية التى لم تشارك في لجان كتابة الدستور، من هذا الباب يتدخل الامريكيون وبواسطة اداوتهم؛ يطرحون رؤيتهم للحل النهائي في سوريا. روسيا التى دخلت بقوة الى الشرق الاوسط وغيرت الكثير من ملامح العلاقات الدولية في دول المنطقة العربية وما يجاورها ومهدت الطريق لدول اخرى في الدخول الى حلبة صراع المصالح في المنطقة العربية وازاحت دول الاتحاد الاوربي من مواقع تاثيرها بحدود واضحة في القوت الحاضر وربما ازاحة كاملة في المستقبل؛ سوف تستقتل من اجل استدامة بقاءها العسكري وتاثيرها السياسي على صانع القرار في سوريا، واستخدامه كموقع او كقاعدة ارتكاز لها في التمدد تاثيرا ونفوذا في دول المنطقة العربية وجوارها في ظل التحول الامريكي النسبي، تراجعا نسبيا من ناحية ومن ناحية اخرى، غطرسة وجبروت واستخفاف واستهجان بالاخر ونعني بالاخر؛ الدول العربية في الخليج العربي.في الموجه الثانية والتى طالت السودان والجزائر والعراق ولبنان؛ في السودان نجحوا في تاسيس حكومة انتقالية…من السابق لأوانه، معرفة مدى نجاح السودان في التغلب على ما ينتظره من صعوبات وهي صعوبات جمة وكبيرة وتحتاج الى صبر وعقل منفتح له القدرة على استيعاب مطامح الشعوب السودانية وتلبية مطالبها في بناء سودان ديمقراطي وحر واتحادي يكون بوتقة تصلح كأطار لمواطنة حقيقية وفعالة، تنسجم مع التطور الذي يشهده العالم اي تلبية مطالب الاقليات في السودان في اطار سودان ديمقراطي موحد..أما في الجزائر يحاول العسكر اجراء انتخابات رئاسية في المقبل من الوقت بصرف النظر عن ما تطالب به الجماهير والتى تتظاهر منذ اشهر لأجبار حكومة جبهة التحرير الجزائرية التى يحميها العسكر، على احداث تغيير جذري وشامل في المشهد السياسي الجزائري. لكن الحكومة الجزائرية تصر على اجراء الانتخابات الجزائرية في ظل نظام الحكم الحالي وهنا يظهر لنا السؤال الملح: هل تنجح حكومة جبهة التحرير الجزائرية والعسكر في اجراء تلك الانتخابات ومدى وحجم المشاركة الشعبية فيها وهل تقبل القوى السياسية الشعبية بالقبول بتلك النتائج اذا اجرت وفق ما مخطط لها، الاجابة سوف يتكفل بها الوقت القادم والظرف السياسي الذي تجري فيه، الانتخابات الرئاسية..مع ان الشك والريبة يكتنفها لجهة النجاح..في لبنان المسألة اكثر تعقيدا ومخارج الحلول تكاد تكون منغلقة حتى هذه اللحظة. لبنان يعاني من ازمة مالية كبيرة وربما مستعصية على الحل من دون مساعدة مالية دولية وعلى وجه التحديد مساعدة مالية امريكية او مساعدة خليجية بأمر امريكي، لأن الانتفاضة الشعبية اللبنانية كان سببها التردي الاقتصادي بالدرجة الاولى وما الاسباب الاخرى ما هي الا اسباب ثانوية. لبنان غارق بالديون وبالكاد يتمكن من تسديد فاتورة فوائد تلك الديون التى تراكمت بفعل تقليص المساعدة الخليجية والامريكية معا، اضافة الى قلة الحوالات المالية من المغتربين اللبنانين.( الاردن يتعرض الى ذات اللعبة ومنذ زمن؟!…) الامريكيون والخليجيون قلصوا عونهم المالي الى لبنان حتى يدفعوا الاقتصاد اللبناني الى الانكفاء والتردي ليشكل في نهاية المطاف عامل ضغط فعال لأنتاج ظرف اقتصادي تتقلص فيه مساحة العمل والسياحة بدرجة كبيرة، وهذا بدروه قاد الى تفجير الانتفاضة الشعبية اللبنانية وهي انتفاضة لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان لجهة عبورها وتجاوزها الهتافات الطائفية، لكنها مع هذا تظل رهينة لواقع يرسمه لها دستور لبنان سيء الصيت والمنشأ..في اتون هذا الحراك الشعبي، يستمر الحوار بين المسؤولين اللبنانين والمنتفضين حبيس لأرادة العامل الدولي والاقليمي وخططه المتضاده والمتقابلة حتى يخرج من ازمته الحالية. في العراق المشكلة اكثر تعقيدا وخطورة على الوضع العراقي في الحاضر والمستقبل اذا لم يتم النزول من على عرش السلطة وتلبية مطالب الحراك الشعبي الذي دفع فاتورة باهضة من الدم لتحقيق تلك المطالب، وهي مطالب حقيقية وبحاجة لمعالجة سريعة وأنية من ناحية ومن الناحية الاخرى وهي الاهم اجراء لاحقا وبالتعهد المضمون..؛ تغيير شامل وجذري وناجع في المشهد السياسي ليكون قادرا وبادواة معرفة ومعلومة، على محاربة الفساد واحداث تنمية حقيقية وفي جميع مناحي الحياة، في الاقتصاد والصناعة والزراعة وبقية فروع الحياة، من الديمقراطية الحقيقية الى ازاحة الهوية الفرعيةمع المحافظة عليها ككيان مجتمعي تغني الهوية الوطنية الجامعة، لتحل الاخيرة محل تلك الهويات.. في الختام نقول ان على الحكام العرب معرفة او الوقوف على حقيقة ان العالم يتغير بسرعة مذهلة، لامكان فيه للجبروت في الحكم حتى لو تسلحوا بصواريخ نووية فرط صوتيه. الحل الوحيد امام دهاقنة المال والسلطة؛ هو النزول من على كراسي الطاووس والانسجام مع روح العصر ومتطلباته والتألف والتعايش معه والاندماج الكلي والعضوي مع إرادة الناس في التغيير المنتج للانوار والتنمية الحقيقية في الصعد كافة، ليصعدوا مع الشعب الى سطح الاحداث في العالم ليبصروا حجم الانوار الساطعة التى تجتاح العالم في الوقت الحاضر..