18 ديسمبر، 2024 8:02 م

الحدث واسطرة الخطاب لسردي في رواية وشم ناصع البياض

الحدث واسطرة الخطاب لسردي في رواية وشم ناصع البياض

الحدث واسطرة الخطاب لسردي في رواية وشم ناصع البياض لعلي لفته سعيد
(رحت أردد بصوت عال .. الله أكبر كما يرددها جدي … حافرا اخاديده ليكون وشما أبيض )
تتخذ رواية وشم ناصع البياض للروائي علي لفته سعيد والصادرة عن دار الفؤاد للنشر لسنة2018 ، في خصيصة تميز متنها السردي ، وذلك عبر توظيفها ثنائية جدلية تاريخية تمزج الرمزي بالواقعي مستعينة بمرجعية الموروث المروي والمكتوب بشقيه الديني والحكائي وهو ما اسهم في جعل فضائها السردي فضاءا ينفتح على العديد من الدلالات التاؤيلة والخطابية التي تتحرك وفق جدلية العلاقة مابين الرمزي المتخيل / الشخوص/ الزمان / المكان ، والواقعي / الاحداث / الثيم .
أننا لا نستطيع فك شفرة هذا النمط من البناء الحكائي ألا من خلال تتبع حركة تطور الاحداث وما تحاول نسجه من أثار معنوية وفكرية تساهم في صناعة مضمونها الدلالي كخطاب ، حيث اتخذ نمط سير الاحداث شكلا دائريا مغلقا في تطور الاحداث والشخصيات داخل المكان السردي وفق طريقته ، في الظهور وفي الاختفاء وفي حركة الزمن ليل/ نهار وهونمط ظل يحكم العلاقة مابين الماضي والحاضر هيمن على جميع التصورات والسلوكيات البشرية ، وفق هذا المعطى الدلالي الواضح والمضامين الشكلية، نجد ان شخوص الرواية او ابطالها السبعة ،الجد والاحفاد ، والتي تعمد الكاتب في تركهم بلا اسماء صريحة والاكتفاء باسماء مكناة ، ضمن ترتيب ينسجم والفعل التراتبي التقليدي من الكبير الى الصغير لخلق نوع من الايحاء النفسي والاحالة الثقافية لدى القارء( تناص) ليضعنا امام بنية سردية تستعير من الحكايات الشعبية والدينية والاسطورية جملة من الخصائص تضعها لتشكل نظامها القيمي والمرجعي ، كانت اهم ركيزة في ذلك هى لغة خطابها السردي الغني بالإشارات الحكائية والاستعارية الاسطورية ، فمن خلال هذا الاجراء يمكننا يمكن تحديد نوعية البنى التي تحكم كامل الخطاطة السردية والتي اطلقنا عليها اعادة اسطرة الخطاب، والأسطرة هنا ليست لبناء عالم خيالي لا رابط بينه وبين ما موجود في العالم الاعتيادي ، وانما هو خطاب يقوم بنقل الحدث الواقعي داخل حدود المتخيل الاجتماعي ، وهذا ما يعكس قصدية المؤلف الذي سعى منذ البداية الى جعل حقيقة الحكاية اكبر من حقيقة الواقع من خلال مزج ما هو واقعي بما هو متخيل و تفكيك ما هو ثقافي ديني بما هو فني ادبي لكشف معيارية الثابت الهش اصلا بمعيارية المتحول الفاعل المتجدد وفق قانون الاسطرة وهو التجلي والخفاء وهو ما انعكس على اقسام الرواية السبعة ايضا ( النهار +صباح اول + نهار سابع +يوم تائه +ظهيرة بعيدة + خارطة وشم +وشم غائب ) أعيدها ، لأرتب المعنى مما تساقط تلك محنتنا الاولى )ص4 ،
فدوران مجمل احداث القصة عن سبعة احفاد يبحثون عن جدهم الذي اختفى وفق ظروف سحرية غيبية تاركا لهم وصاياه التي كانت تمثل لهم تعاليما مقدسة فيها من الحكم والاقوال التي لو اتبعوها لكشفوا سر الحقيقة الخالدة ظل فعلا اسطوريا لا متناهيا على الرغم من وجود احداث حقيقية كالحرب والقصف وما تبعها من تحولات ، لكن وفق ذلك تقدم الرواية لنا عالما اشبه ما يكون بالاسطرة (اشخاص يظهرون ويختفون ) لذا ينتخبون كبير السن والصحفي المثقف ليقودهم في عملية البحث كونه الاكثر حكمة وخبرة وتطبيقا لتعاليم الجد ، تنتهي القصة بعودة الجد من نافذة الحلم او الرؤية التي شاهدها الصغير في منامه حيث اعطاه جده ورقة فيها تعاليم جديدة تزاوج ما بين الواقع والمتخيل .
فالرواية لا تتحدث من خلال تقديمها لشخصياتها ومن خلال صياغة احداثها عن شخصية معينة لها من السمك والعمق ما يجعل منها كيانا متفردا ، على النقيض من ذلك ، انها تنسج صورة انسانية كلية تحتضن كل الصفات لذا تحيلنا هذه الشخصيات( كبير السن + صاحب الجرح +الصحفي المثقف+ الشيخ +المهذار +ذو الوجه المبتسم +الصغير ) على النموذج وليس النسخة اعادة انتاج الاصل التجريدي (حكاية اهل الكهف ) وليس الفرع (أتعبهم الكلام ،واحترقت حلوقهم بخان السكائر حتى أنحدر بهم الصمت .. لم تكن غرفة يسكنون إليها فقط .كانت عبارة عن جداريات متصلة .. متراصة كلما نظروا إاليها جاءتهم أبتسامة انيقة لتضيء لهم تاريخا من الزهو ) ص10 .
فتشيد اللغة السردية وفق خطابا رؤيويا (اسطره) ا تخذ شكلا سرديا ( مرسلا =رسالة = وسيط = متلقي ). وهو شكل خطاب تبشيري غني بالتناصات الفيزيقية والدينية لا تنوير كما الاسلوب الثقافي وهو ما اسهم في اعادة سؤال جوهري مهم : هل كل ما كان مجرد احلام وهلوسات لا معنى لها في ظل متغيرات الواقع وتحدياته ؟ لتاتي الاجابة بلسان الاكبر (اسمعوا إن غياب الجد لا يعني أن تكونوا كمن غاب عنه العقل ، عليكم أن تسالوا أنفسكم ) ص34 .