تباعد المسافة بين الرقي المدني والقيم الأخلاقية يولد تدني للقيمة الآدمية
النظام الرأسمالي منظومة متكاملة
الحداثة أتت كرد فعل تصاعدي على الثيوقراطية الدينية والثبوتية، لكنها وقعت في الثيوقراطية والثبوتية العلمانية، وغادرت التقديس إلى التيه بحدود القيم، فبعد ثورة التنمية والثورة على حكم الهوى من رجال الدين باسم الدين وامتصاص الناس انعكس الأمر إلى البعد عن اليقينيات والثوابت فبات كل شيء قيد النقاش فلا حقيقة إلا ما ترى وهي في هذه الحالة الالة والمنتج ولوازم الاستقرار التي تتيح للمدنية بالتطور، فهنالك رعاية للأعراض الجانبية للرأسمالية بان تأخذ الدولة الدور القيمي في مساعدة المحتاجين بدل التكافل المجتمعي، أو تقوم منظمات المجتمع المدني بهذا، لكن كل هذا ترقيع لا يقوم عن قيم عند الناس أو كفئ بل هو سد الثغرات.
الحداثة بالنسبة لمجتمعنا نظام مدني تطور تقني وتكنولوجي، لكن تصور الناس للحداثة هو أماني وأوهام لا تمثل الحداثة، فهم ما بين ناكر لقيم مجتمعه فيصطدم مع ثقافة قومه أو انطباعاتها، وما بين انطباعات عن شرح المصطلحات الحداثية مع المفاهيم الإسلامية وهذا خطأ كبير متخلف حقيقة الأمر وقعنا به جميعا بادئ الأمر وآن زمن تصحيحه.
هنالك من يتخيل أن بالإمكان نقل تجربة رأسمالية باتجاه التحول نحو اقتصاد السوق وهذا سوء فهم للتطبيق فالنظام متكامل يعالج ما استطاع من سلبياته، لكن نقل قطعة منه خارج النظام تعني كوارث اقتصادية.
ارتفاع مدى الضغط النبضي
الحداثة عرجاء، وعدت أن سعادة الأنسان بهذا التطور المدني وما ينتجه وفق توصيف عالم التاريخ البرفسور وائل حلاق منذ انطلاقها بما يسمى عصر التنوير لكنها تتداعى الآن إلى منزلق يسيء إلى تكريم الإنسان وقيمته، استعاضت عن ثيوقراطية الدين الذي بلا شريعة واعتبرت رجالاته أن كلامها مقدسا بثيوقراطية العلمانية بآلهة متعددة، منها إله العلمانية نفسها عند أوربا والتي تطعم بعصبية تستدعيها غريزة التدين، أو بإله الرأسمالية الذي اتخذ من كل الآليات، كالديمقراطية واللبرالية وحقوق الإنسان أدوات لتيسير ألوهية الدولة والقبول بكيانها ونظامها كما في أمريكا، حتى أن هنالك مفاضلة لمن يريد التوطين هل تؤمن بالنظام، الآليات تتعامل مع القيم منطقيا فترفض المستحدثات في جنوح القيم ثم تقبلها، مثلا من الناحية الاجتماعية، العلاقات بلا زواج، أو زواج المثليين، في البداية قومت بشدة ثم قبلت عندما أصبحت بقانون، نرى أن هذا القانون هو مفتاح الحلول، أن يبقى كل شيء منضبط بالدولة، وكأنها تشبه ولاية التغلب والمتغلب هو الدولة، هي من تمتلك السلاح، هي من اذا قتلت فقتلها شرعي، هي من تسن القوانين ويصوت عليها في مجالس ديمقراطية، والديمقراطية كما حقوق الإنسان واللبرالية كلها آليات لحماية أصحاب المصالح وراس المال وعموم الحراك المدني الذي لم ينجح في أحداث القيمة الإنسانية الحقيقية، وبالتالي مع الزمن يتباعد ضغط المدنية علوا مع انخفاض في ضغط القيم فنجد تعاظم في الضغط النبضي ما بين الاثنين فبالتالي تمتلئ رئة التنفس الإنساني(التوازن) فتختنق الأدمية والبشرية.
الدولة ـــــــــــــكما يصفها حلاق ــــــــــــــــ دولة مستعمرة وهذا حقيقة وصف يطابق نشأتها وحاجتها إلى أسواق ومواد خام، فهي لا أخلاقية أيضا لأنها كانت تنقل المدنية بمظاهرها الاستهلاكية وقشورها ليبقى المستهلك متخلفا ـــــــــ كما ينوه د. رفيق حبيب ـــــــــــــــ ناهيك عن تصميم النظم لتقاد بطريق طاردة للكفاءات، فعندما احتلت الولايات المتحدة العراق كانت الناس بعقليتها القديمة ونظرتها للحداثة بإيجابيه فتوقعت أن يجري تقدما مدنيا ومشاركات وارتقاء ، لكن ما حصل كان كما يرى من خيبة امل وقلاقل، هم كمحتل معنى البناء مختلف عندهم، لكن الناس أملت فتخلت فازدادت تخلفا وخراب في البنيان.
يريدون أن يصدروا الحداثة إلى مجتمعات أخرى كالإسلامية، بطرق شتى إعلامية وثقافية، والبنك الدولي أو الحرب إن وجد تصور لخطر ما محتمل، وقد أبدعت المجتمعات المهزومة في تبني السلبيات وهجران القيم بلا فهم، أو قاومت بتقليدية فتضرر الجميع.
أين المشكلة:
القيم الإسلامية التي تحتاجها الحداثة والتطور المدني لضبط إيقاع المجتمع، كحاجة مجتمعنا إلى التطور المدني تماما؛ بيد انهما لم تتحاورا، فخوف الدولة الاله من تاريخ بني على الانطباع والكراهية للإسلام لا يحتمل إلا يضيع فرصة إحداث التوازن النبضي المؤدي إلى انهيار مأساوي.
الإسلام وقيمه ليس له وجود في الواقع، وواقعهم مشوه مغلوط انطباعات عن كل شيء بلا عمق، لهذا فبين الاثنين حاجز يمنع الإصلاح، مشكلة الحداثة مع الدين الإسلامي إسقاط لتاريخ غربي بقيم بعيدة عن الإسلام الحضاري، لكن المسلمين ابتعدوا أيضا عن فهم الإسلام كمنظومة أخلاقية بمنظومة تنمية التخلف، والمنقول هو تاريخ تخدير وسلبيات ومشاكل بصيغة وصف لا يبني دولة ولا يبني إنسانا، فالمصلحة التي تؤلف الناس بالمحبة والائتلاف في سبيل رضا الله غابت، وشوه بعضه لتكون المصلحة في الاختلاف والكراهية، فالحاجة بنهضة حقيقة الإسلام مهمة ومفيدة للعالم ككل ليبني علاقاته على التكامل وليس الاستغلال والكراهية التي تنحدر بالآدمية.