استفاق من نومه القلق ملأه كوابيس مبهمة ، مخيفة. كعادة كل الصباحات الكئيبة منذ تركه الوطن، واستقراره في ارض الغربة، ما ان ازاح ستار النافذه ، حتى استقبله الجو الرمادي الملبد بالغيوم، ومطر خفيف ينقرعلى زجاج نافذته المتسخة من الخارج، لينقل الى روحة عبث الطبيعة الحزين….
التلفاز اللعين بات يعشق كل ماهو مؤلم ومرعب، ماعادت هناك اخبار مفرحة، اينما تدير الحاكوم تلتقي بالوجه الاسود للبشرية . أهو عصر العولمة؟ أهو العالم المتحضر حقا؟.. والا كيف تحصد الارواح، وتطلق الصواريخ كيفما تشاء، وتقطع الروؤس ، تسبى النساء،وتباع في سوق النخاسة، وخرائط جديدة تتوج بدماء الابرياء.
اليوم ككل الايام : اشلاء قتلى، دماء على الارض ترسم عار السلاطين ، صراخ اطفال،عويل نساء ، دموع سبابا بعمر الزهور …. وايضا ، وجه الطبيعة القبيح في بكاء السماء، وهيجان بحر ماعاد يفرق بين السمك والبشر، تتلاطم امواجه السوداء لتلتهم نساء واطفال يبحثون عن عوالم اخرى ، عوالم فيها بشر؟
اخذ فنجان قهوته بين يديه ، مصغيا الى سمفونية الحزن المتزاوجة بين اعماق روحه القابعة بالوجع، ومدارات الجريمة في شرع الله .
رشف من قهوته المرة، وزفر من دخان سيكارته المتطاير عبر فضاءات روحه بحلقات شبيهة بافواه نواقيس كاتدرائية عتيقة تلعن زمن الحاضر….اثار انتباهه مظروف ابيض مطرز بوردة حمراء، تركه من يوم امس على المنضدة بعد ان اخرجه من صندوق البريد…فتحه، تأمله… فيه دعوة لحضورحفل زفاف…!
تراءى له طيف بهار وهي تصرخ ، وهي تبكي وتتحول من يد الى يد، من لحية الى لحية ..لازال القلب مثخنا بالجراح، والروح تائهة تبحث عن اله مجهول… بعيون مبللة بالدمع مزق الظرف واجهش في بكاء مرير….
امه التي قتلها العطش في قيظ أب وهي تهرب الى رشفة ماء…جدائل اخته المتروكة على ناصية طريق بلا نهاية … بكى وبكى حبه المسبي، وهو يتنقل من يد الى يد، ومن لحية الى لحية..؟!