18 ديسمبر، 2024 4:43 م

الجيوش الديكتاتورية العربية

الجيوش الديكتاتورية العربية

قرار الرئيس التونسي الجديد بجعل صلاحيات حل ( الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ) بيد شعبة تابعة إلى مجلس الوزراء ليست سوى آخر ضربة قاصمة للنظام الديموقراطي في ذلك البلد .
حيث أنه فضلاً عن كون هذا القرار فاقداً للشرعية الدستورية ، فتبريرات إصداره كانت ضعيفة ، حيث ادعى مصدره أنه ضروري لوقف التمويل الخارجي لتلك المؤسسات المدنية ومنع اختراق البلاد من الأجانب ، وللحد من نشاطات غسيل الأموال ودعم الإرهاب الإجرامية ، فيما أن هذه الجرائم يقع عبئ إثباتها على الجهاز القضائي الذي لديه صلاحية حل تلك الجمعيات والمنظمات بالفعل عند ثبوت ما يدينها .
والحقيقة أن قرار الحل الحكومي لتلك المؤسسات تتمة آليات تقويض النظام الشعبي الديموقراطي هناك ، بعد حل البرلمان ومجلس القضاء ، وبعد تشريد وحبس وجوه الأحزاب السياسية ، وهذه الكيانات هي أسس ذلك ، وبالتالي لم تعد تونس تعرف شيئاً غير الديكتاتورية .
لكن الملفت هو ليس الصمت الدولي عن هذا الانقلاب الاستبدادي العسكري هناك ، فهو صمت رافق الانقلاب الاستبدادي الذي قاده عبد الفتاح السيسي في مصر ، لكن ما يثير الانتباه والاشمئزاز في ذات الوقت مستوى الدعم الذي حظي به الرئيس المستبد قيس سعيد من قبل الغرب ، لا سيما فرنسا ، ومن قبل صندوق النقد الدولي ، ومن دول الخليج بقيادة المملكة السعودية .
إن الغرب ( أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا ) الذين حجبوا ثورة الشعب البحريني العريق ضد الديكتاتورية الطائفية الأعرابية ودعموا من قمعها ، وكذلك شاركوا في دعم الدول الديكتاتورية التي حاربت الشعب اليمني وفرضوا الحصار الاقتصادي الخانق على فقراء ذلك الشعب , وهو الشعب الذي تدعو شخصيات اكاديمية خليجية مثل ( د. عايد المناع ) الى ابادته على ( الطريقة الفيتنامية ) التي تعني حرق الأرض والبشر كما فعل الامريكان حينها , فيما يرى اعلامي فلسطيني يسلب حلفاء الخليجيين من الإسرائيليين ارضه ان الطيار الذي يقصف الشعب اليمني تزداد حسناته في الجنة ، ولم يدعموا سوى الفصائل الارهابية المتطرفة في سوريا لأسباب سياسية ، حتى جعل إعلام حلفائهم الخليجيين ( الملائكة ) مشاركة في القتال هناك ، ذلك الغرب ذاته هو من ساند – بصمت – الانقلاب العسكري الديكتاتوري في مصر على النتائج الديمقراطية لثورة الربيع العربي هناك ، وساند ميليشيات بقايا النظام العسكري الديكتاتوري في ليبيا التي تمثلت في قوات ( خليفة حفتر ) الموالية لإسرائيل ، والتي أجهضت الفصل الديمقراطي في ذلك البلد .
وكانت الوفود والأموال الخليجية دائماً وسيلة دعم وإنقاذ سريعة لكل الانقلابيين العرب ، لسد أي عجز اقتصادي أو أمني أثناء فترة الانقلاب . ثم سريعاً تعود تلك الأموال إلى الخليجيين – لا سيما الإماراتيين والسعوديين – على شكل اصول اقتصادية وطنية ضخمة يتنازل عنها الاستبداديون لصالح من يدعمهم .
فيما يقود الغربيون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الحروب في مختلف بقاع العالم باسم الديمقراطية ، التي اجهضها حلفاؤهم العسكر في كل بلدان الشرق الأوسط . وهم يسيرون بخطى ثابتة وقوى ناعمة وخشنة لإجهاضها في البلدان التي لم تخضع بعد للديكتاتورية بصورة مطلقة أو بصورة جزئية ، كما في إيران والعراق ولبنان .
وفي بلد مثل العراق يتحالف الغربيون حلفاً إستراتيجياً مع اجلى مثال للديكتاتورية في هذا البلد ، وهو مسعود بارزاني ، الذي يقود أسوأ حكم عنصري قبلي عائلي في المنطقة ، تسبب في هجرة آلاف العراقيين الأكراد وتشتتهم في الحدود الباردة للدول الأوروبية ، بعد أن فقدوا الأمن السياسي والحقوقي والاقتصادي . ولم يعد بالإمكان خروج مظاهرة شعبية مطلبية آمنة في مدن كردستان .
والمثير للاهتمام تلك السيطرة الخارجية على معظم الجيوش العربية منذ زمان الاحتلال البريطاني والفرنسي للمنطقة ، حيث قادت تلك الجيوش عدة انقلابات دموية ، كانت نتائجها في صالح الغرب على العموم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وساهمت جميعها في سقوط حقب الديمقراطية الجزئية أو النسبية في العهود الملكية ، واسقطت معها منظومة القيم الأخلاقية والدينية والعرفية والوطنية لتلك الشعوب ، ومنعت من ظهور روح استقلال علمي واقتصادي يمكن الاعتماد عليه .
واليوم هي تلك القوى العسكرية ذاتها من تئد الديموقراطيات الشعبية الوليدة ، بانقلابات ناعمة أو خشنة ، مدروسة ومفصلة على مقاس كل شعب وكل بيئة ، وتحت شعارات متشابهة .
وكان هدف هذه الانقلابات جميعاً واحد في معظم بلدان الربيع العربي ، متمثلاً في مظاهر ( جماعة الإخوان ) العالمية في كل بلد ، حيث أن تلك الوجوه الإخوانية هي من حققت ثمار نتائج الانتخابات الديمقراطية والخيار الشعبي في البلدان الإسلامية السنية . وهو ما يكشف رغبة الشعوب في توفر خاصيتين في القوى السياسية المناسبة لثقافتها ، الإسلام ، الفكر . فكان المصداق الأنسب في البلدان الإسلامية السنية هي جماعة الإخوان . وهو خيار مرفوض غربيا ، لأنه رغم خضوعه لبعض القيم السنية من مداراة الحكام ، وخشيته من القوى المادية الغربية ، إلا أنه سيحافظ على شيء من الاستقلال الوطني لا يناسب المشاريع الغربية الجديدة .
فتلك المشاريع التي اعتمدت في المنطقة على القوى البدوية الأعرابية في الخليج والشام ، تدرك أن الإسلام السلفي الوهابي ، والإسلام البعيد عن السياسة ، هو ما يناسب وجودها وخدمة أهدافها . لذلك لم يتم منح الأحزاب الإسلامية الإخوانية فرصة سياسية وإدارية تعادل ٥٪ من الفرصة التي تم منحها للأحزاب العربية العلمانية والعسكرية في الحكم . وقد تم استغلال سذاجة وقلة خبرة تلك الأحزاب في إسقاطها ووأد مشاريعها ، التي هي في كل الأحوال ستكون أفضل من مجمل مشاريع من سبقهم في الحكم .
وتم جعل فترة حكم الأحزاب الإخوانية مرحلة انتقالية بين فترة حكم الأحزاب العلمانية العسكرية الاشتراكية ، التي كانت مرحلة تمييع للثقافة الإسلامية السابقة للشعوب العربية ومن ضرورات خلط الأوراق في تلك المرحلة ، وبين مرحلة الرؤساء العلمانيين العسكريين الرأسماليين الذين هم على استعداد لوأد المشاريع الوطنية وبيعها رأساً للمستثمر الغربي . وقد تم خداع الجماعات الإخوانية بوجود بوابة أمان خلفية ، هي لم تكن سوى جهاز مراقبة وتحكم بمسار تلك الجماعات لئلا تخرج عن الطريق المرسوم لوأد فكرها العملي ، تمثّل في دولة ( قطر ) ، اللي هي في الوقت الذي تظهر دعمها لفكر تلك الجماعات كانت الطريق الأمريكي لسلفنة ووهبنة القبائل الأفغانية البشتونية من أجل المشروع الأمريكي ، وكانت هي ذاتها قاعدة العسكريين الامريكان ، وهو ما لا يناسب الفكر الإسلامي الإخواني النظري . فيما كانت تركيا تلعب ذات الدور القطري ، لكن بمساحة حركة اكبر منحتها الجيوسياسة العالمية للأتراك لاستخدام تلك الجماعات في الضغط السياسي والاقتصادي على القوى الدولية من أجل انتفاع العنصر التركي .
لذلك يجب على المؤسسات الأكاديمية والمدنية دراسة واقع تأسيس وتكوين الجيوش العربية منذ نشأتها الحديثة في القرن العشرين ، وسر هذه السيطرة الغربية عليها إلى اليوم ، وما سبب عداء هذه الجيوش للديمقراطية والخيارات الشعبية . وهي في الغالب جيوش اعتمدت على خليط من الوجوه الوطنية المعروفة ، التي تم خداعها والانقلاب عليها لاحقاً كما حدث مع محمد نجيب في مصر ، أو مجموعات من العنصريين العرب ، أو على مجاميع من المنبوذين اجتماعياً من أهل الخمارات والملاهي ، أو على جماعات بدوية أعرابية كانت ضرورية للانقلاب على العثمانيين ومناسبة للحكم الطائفي .
وعلى البلدان التي لازالت على مسار مناسب من الديمقراطية فرض قوانين صارمة على الجيوش ، ومنع قادتها أو ضباطها من اي تواصل مع السفارات الأجنبية الغربية المساندة للديكتاتورية .