19 ديسمبر، 2024 11:57 م

الجيش لا يقدر على إسقاط النظام

الجيش لا يقدر على إسقاط النظام

اثبت مآلات ما يسمى بـ«الربيع العربي» في تونس ومصر وليبيا وسوريا أنّ ما جرى ويجري في تلك البلدان لم يكن ثورة شعبية صرفة، فالتغيير ما كان لينجح لولا ضوء أخضر من العسكر، فهروب زين العابدين بن علي ما كان ليتم لولا مروحيات عسكرية طافت فوق القصر الجمهوري في تونس. وحين استفسر الرئيس التونسي من رئيس اركان الجيش عن الأمر، أجابه أنه لا عِلم له، ففهم ابن علي الرسالة وأيقن أن الجيش (التونسي) بصدد القيام بعمل ضده، لذا ركب طائرته وغادر البلد على وجه السرعة.

وكذلك الحراك الشعبي المصري (25 كانون الثاني 2011)، فما كان له أن ينجح لولا قرار الجيش المصري بالتزام الحياد ورفضه الإنصياع لأوامر رئاسية باستخدام القوة ضد المتظاهرين. وما كان يمكن للحركة التصحيحية (30 حزيران 2013) أن تتكلل بالنجاح لولا الجيش المصري الذي أخذَ زمام المبادرة وأزاح الرئيس الإخواني الفاشل محمود مرسي.

وحين رفض (قادة كبار في) الجيش ازاحة الرئيس اليمني علي عبد صالح على الطريقة التونسية والمصرية، كان لهم ما ارادوا فأحيل صالح على التقاعد مع حصانة قضائية تحميه من أية ملاحقة مستقبلية.

وتكرر الأمر في سوريا حين رفض الجيش النظامي السوري إسقاط الرئيس بشار الاسد ووقف بوجه المعارضة السورية المسلحة التي تحظى بدعم اقليمي ودولي لا محدود. فالجيش السوري هو الذي يحمي نظام الحكم وليس الاقلية العلوية، فهكذا ادعاء سطحي وساذج، فرغم أن الحكومة السورية فقدت السيطرة على اكثر من خمسين بالمائة من اراضيها منذ مدة طويلة، إلا أن الجيش النظامي السوري حافظ على تماسكه ولم تحصل به أية إنشقاقات جدّية تؤثر على ادائه ومعنوياته.

نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية عن مُجَنّدٍ سوري قوله «أكبر جريمة ارتكبها البعض بحق الجيش، هي في تصويره على أنه جيش نظام أو كتائب (الرئيس السوري بشار) الأسد، كما يسميه المتشددون، بينما واقع الحال أن جنود الجيش العربي السوري، هم أبناء سوريا من موالاة ومعارضة، هم الذين تركوا كل الانتماءات السابقة، ووضعوا نصب أعينهم معركة الحفاظ على أمان السوريين». [المصدر: صحيفة الاخبار اللبنانية العدد 2070، في 2 آب 2013]
اما الحالة الليبية فهي تشبه الى حد بعيد الحالة العراقية. حيث ادى التندخل العسكري الاجنبي فيهما الى إنتاج دولة فاشلة تديرها حكومة عاجزة عن التصدي للمهام الملقاة على عاتقها. والسبب الاساسي وراء ذلك هو إنهيار المؤسستين العسكرية والأمنية وتفككهما وتحلللهما الى مليشيات ذات ولاءات مذهبية وإثنية.

في العراق ما زلنا نسمع الى اليوم عن ضباط وآمرين وقادة ووحدات عسكرية بكاملها يرفضون تنفيذ اوامر قادة كبار او وزير الدفاع او القائد العام. وهذا شيء لا يمكن أن يحصل إلاّ في الدول الفاشلة.

رغم الخلافات السياسية الكبيرة بين اطراف الطبقة الحاكمة في العراق، إلا إنهم تراضوا عبر اتفاق غير معلن او مكتوب على تحويل مؤسستي الجيش والشرطة الى مؤسستين مفككتين وفاشلتين لا يثق بهما المواطن العراقي، حالهما حال الطبقة الحاكمة المنقسمة افقيا وعموديا. ولو حصل وتمكن فصيل من الجيش في إحداث أي تغيير في البلد، فسيكون تغييراً فئويا لن يحظى بقبول الشعب العراقي.

لكننا في العراق الآن لسنا دولة مدنية آمنة كي ندعي أن حياد الجيش أمر محمود، فالمجاميع المسلحة تفعل ما تشاء وأينما ووقتما تشاء. وهي أذكى وأقوى وافضل اداء من قوات الجيش والشرطة. ولم يحصل في تاريخ البشرية أن تمكنت اية أمة من الحفاظ على ديمقراطيتها وهي تتعرض لهكذا تهديد جدي يستهدف بقاءها موحدة.

خلافاً للحالة المصرية؛ مُنِحَتْ الطبقة الحاكمة في العراق تخويلاً مفتوحاً (كارت بلانش) لقيادة البلد على طريقة «المحاولة والخطأ – Trial and Error». ورغم إيغالها في الفشل، إلا أنّ التخويل مازال قائماً.

أحدث المقالات

أحدث المقالات