23 ديسمبر، 2024 10:56 ص

الجولان ومسرحية التحرير وترامب!

الجولان ومسرحية التحرير وترامب!

https://yaqein.net/articles/190285
وعلى المدونة الشخصية على الرابط
في مشهد مسرحيّ هزيل، اجتمع بعض مسؤولي النظام السوريّ وضبّاط الجيش، ورفعوا علم النظام داخل طبق كبير، أو “منسف” يحتوي على تراب من أرض الجولان، وصاروا يصفقّون لبعضهم البعض وكأنّهم حرّروا الجولان!
هذا التصرّف الغريب الذي يؤكّد استخفاف النظام بالجولان وأهلها، يأتي بعد أن وقّع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في الخامس والعشرين من آذار/ مارس 2019 الإعلان الرئاسيّ الخاصّ باعتراف” واشنطن بسيادة إسرائيل على الجولان السوريّ المحتلّ”، وتأكيده بأنّ ” أيّ اتفاق سلام في المستقبل يجب أن يحفظ حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها من أيّ تهديدات، سواء من سوريا، أو إيران، وأنّ التحالف بين واشنطن وتل أبيب غير قابل للتفكيك”.
من جانبه، أكّد رئيس الوزراء الصهيونيّ بنيامين نتنياهو أنّ ترامب” نفّذ كلّ تعهّداته، سواء بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والآن بسيادة إسرائيل على الجولان، وأنّ تلّ أبيب سيطرت على هضبة الجولان لضمان أمنها، وصدّ أيّ هجمات من سوريا”!
ولا أدري أيّ هجمات تلك التي شنتها قوّات النظام على الصهاينة في الجولان؟
الاعتراف الأمريكيّ بضمّ الجولان للكيان الصهيونيّ لم يعترف به أيّ بلد من بلدان العالم، وكأنّ أمريكا تقود هذا الكوكب لوحدها، وتتصرّف فيه على حسب مصالحها، أو سياساتها الدينيّة والإستراتيجيّة.
والجولان كما معلوم أرض عربيّة سوريّة احتلّها الصهاينة في الخامس من يونيو/حزيران 1967، ومن يومها والصهاينة يتحكّمون بهذه الأرض العربيّة ويعبثون بها، ويهجرون أهلها، وهم يعلمون جيداً أنّها ليست ملكاً لهم!
حكومة النظام السوريّ كعادتها في مثل هذه المواقف اكتفت بالرفض والتنديد، وقالت:” إنّ القرار يأتي تجسيداً للتحالف العضويّ بين الولايات المتّحدة وإسرائيل، ويمثّل أعلى درجات الازدراء للشرعيّة الدوليّة وصفعة مهينة للمجتمع الدوليّ، ويفقد الأمم المتّحدة مكانتها ومصداقيّتها من خلال الانتهاك الأمريكيّ السافر لقراراتها بخصوص الجولان السوريّ المحتلّ، وخاصّة القرار (497) لعام 1981، الذي يؤكّد الوضع القانونيّ للجولان السوريّ كأرض محتلّة، ويرفض قرار الضمّ لكيان الاحتلال الإسرائيليّ ويعتبره باطلاً ولا أثر قانونيّاً له”.
ومن يقرأ البيان يتصوّر أنّ نظام دمشق يحترم القوانين الإنسانيّة الدوليّة!
وقبل أسبوعين أكّد (حسام الدين آلا) مندوب النظام السوريّ الدائم لدى الأمم المتّحدة خلال ندوة بعنوان ( الجولان السوريّ المحتلّ.. 52 عاماً من الاحتلال الإسرائيليّ)، أنّ” ما نجم عن الاحتلال الإسرائيليّ من تهجير سكانه السوريّين البالغ عددهم اليوم أكثر من نصف مليون مواطن لا يزالون بانتظار العودة إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي دمّرها الاحتلال البغيض فيما لا يزال هناك أكثر من عشرين ألف مواطن سوريّ صامدين في أرضهم ومتمسّكين بانتمائهم وبهويّتهم العربيّة في القرى المحتلّة، وأنّ سلطات الاحتلال دمّرت ما يزيد على (500) مدينة وقرية لإقامة (41) مستوطنة على أنقاضها وهذه تعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدوليّ”.
ولا ندري كيف سيتصرف النظام وهو الذي وقّع على اتفاقيّة فكّ الاشتباك مع الصهاينة في 31 مايو 1974؟
الانتهاكات الصهيونيّة في الجولان أكّدها إريك غولدستين نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة هيومن رايتس ووتش، والذي كشف بأنّه” – ومع تواصل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل- يحتاج السكّان السوريّون في الجولان إلى حماية مستمرة بموجب قوانين الاحتلال، بما فيها حظر بناء المستوطنات واستخراج الموارد الطبيعيّة لصالح المحتلّ”.
أعتقد أنّ قضية الجولان المحتلّ يمكن النظر لها من عدّة زوايا، ومنها:
وجوب العمل بشكل عمليّ جادّ لحصول عمليّة التحرير، وعدم الاكتفاء بالخطابات غير المنتجة، كما هو ديدن النظام منذ توقيع الاتفاقيّة عام 1974، وحتّى اليوم، والذي لم يحرّك ساكناً، بل ربّما تُعدّ الحدود السوريّة من أكثر الحدود المجاورة أمناً بالنسبة للصهاينة، والتجربة الطويلة أثبتت أنّ النظام لم يهدّد الصهاينة، ولم يُبرز عضلاته عليهم، ومقاومته للاحتلال هي “مقاومة” خطابيّة لا أثر لها على أرض الواقع!
من يريد تحرير الجولان عليه حماية شعبه – أداة التحرير- لا أن يقتل الأبرياء الذين طالبوا بحقوقهم، لأنّ من يريد قتال الأعداء عليه أن يرتّب بيته، ويصون أرواح المواطنين المدنيّين قبل العسكريّين.
من يقول بتحرير الجولان عليه أن يرتّب أوراقه مع دول الجوار ليحصل على دعمهم لا أن يتدخّل في الشؤون اللبنانيّة والعراقيّة وغيرهما.
لو أنّ النظام استخدم قوّاته وأسلحته ضد الصهاينة بالقدر الذي استخدمه في قتل الشعب السوريّ لحرّر حتّى فلسطين من البحر إلى النهر، وليس فقط الجولان، لكنّ مثل هؤلاء شجاعتهم الشكليّة يُظهرونها على شعوبهم، وهم في خانة الضعفاء أمام العدوّ!
الجولان احتلّت بالقوّة ولا يمكن أن تستردّ إلا بالقوّة، ومن يستردّها سينال احترام الشعب السوريّ، وحينها يحقّ له أن يُنصّب نفسه حاكماً على بلاد الشام.
الجولان كانت – وستبقى- أرضاً عربيّة سوريّة، سواء تجاهلها النظام، أم لم يتجاهلها، وسيكون للسوريّين الأخيار الكلمة الفصل مع العدوّ، وهذا ما ستؤكّده الأيّام.