23 ديسمبر، 2024 3:48 ص

“الجوكر” وعصابة الفراغ الدستوري

“الجوكر” وعصابة الفراغ الدستوري

أكثر ما يدعو للغرابة في كوميديا القوى السياسية التي دخلت “غرفة الانعاش”، هو الفصل الخاص باختيار البديل عن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، فأن جميع المشاركين بالأدوار في هذا الفصل متمرسون بفن “الغباء” السياسي وعدم اجادة التعامل مع الأزمات التي قد تنهي واحدة من الأخطاء دورهم في هذا الفصل رغم استخدام جميع أدواتهم لتشويه صورة الطرف الآخر الذي يمثل تراكمات 16 عاما من المعاناة والاستماع للخطب العصماء وقصص النضال التي تقع اغلبها في هامش مؤلفات الف ليلة وليلة.

لكن تحالف البناء الذي يتمسك بدور البطولة في هذا الفصل، يرى انه الاحق بالبحث عن البديل المناسب الذي يلبي رغباته وليس طموح الشعب، ورغم جميع رسائل الرفض التي ارسلها المحتجون من ساحات الاعتصام وبرقيات المرجعية الدينية وتوصياتها بإبعاد تشكيل الحكومة عن الجدل، خرج علينا تحالف البناء بعد اجتماع استمر لساعات قد تصل لأصابع اليد الواحدة ليبلغنا اصراره على المرشح الوحيد، وريث سلالة حكومات الفساد قصي السهيل، متحدثا عن أوراق بديلة سيلجأ لها وقت الحاجة لاقناع من وصفهم بالشركاء، لكن اسرار الاجتماع تتحدث بان البدلاء الذين تم رفض كشف هويتهم المتحدث باسم تحالف الفتح احمد الأسدي، أوراقهم قد احرقها المتظاهرون سابقا وفي مقدمتهم اسعد العيداني محافظ البصرة الذي ينافس للوصول إلى كرسي رئاسة الوزراء في وقت تغرق البصرة بمياه الأمطار، وعميد جامعة بغداد عماد حسين مرزة الحسيني، الذي أظهرت سيرته الذاتية قربه من قصي السهيل وانتماءه السابق لحزب البعث، والورقة الأخيرة عبد الحسين عبطان، الخاسرة في جميع المنافسات.

في حين لم يسرد لنا المتحدث باسم تحالف الفتح الاتفاق البديل في حال فشل جميع تلك المقترحات والذي توصلت له أطراف البناء، التي وجدت بإعادة عادل عبد المهدي لمدة عام واحد لينجز خلاله جميع إجراءات الانتخابات المبكرة وفق المقاسات التي يفصلها قادة سفينة تحالف البناء التي قفز منها تحالف القوى بعد ادراكه ان تيار المتظاهرين قد يغرقها بأقرب فرصة، ليكون حديث القاضي وائل عبد اللطيف الذي ابلغنا بان استقالة عبد المهدي باطلة لأنه قدمها لمجلس النواب وليس لرئيس الجمهورية، بداية للاستعداد لهذا المقترح، لكن هؤلاء القادة تجاهلوا بان هذا المقترح خطورته في ساحات الاحتجاج اكبر من التمسك بقصي السهيل، لان المتظاهرين وببساطة سيرفضون العودة لنقطة الصفر بعد جميع التضحيات والدماء التي قدموها، للوصول إلى مرحلة ما بعد عبد المهدي وتحقيق بقية المطالب، بعيدا عن أزمة “الفراغ الدستوري” وما حصل بسبب موقف “العصابة السياسية” الرافضة لاختيار رئيس وزراء مستقل، ليكون بمثابة عقاب جماعي عنوانه لا يبتعد كثيرا عن قيادة البلد للمجهول في سبيل تحقيق طموحاتهم.

في المقابل تعمل تلك القوى بجميع أدواتها الإعلامية وغيرها على الاستمرار بتوجيه اتهامات للمتظاهرين بعيدة عن الواقع كتهمة الجوكر التي يرددونها في جميع تصريحاتهم وخطاباتهم، متناسين بان شخصية الجوكر المريضة تمثلها اصحاب الكواتم الذين يطاردون الناشطين والمطالبين بالحقوق ليسلبونهم حق العيش، والملثمون الذين يواجهون المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، والقناص المجهول الذي هشمت رصاصاته رؤوس العشرات من “عباد الله”، فالجوكر القاتل… يا سادة لا يمكن ان يهتف بالسلمية أو يرفع شعارًا يطالب بالحرية لبلاده، لكنه يتجول بمواكب حكومية ليفرض سياسة الحزب الواحد وشعارات “الدولة أنا وأنا الدولة” التي أوجدها ملك فرنسا لويس الرابع عشر قبل اكثر من ثلاثة قرون.

الخلاصة.. إن ما تفعله القوى السياسية من خلال تعاملها بمبدأ الخسارة والربح مع المتظاهرين، نهايته لن تكون بصالحهم وان جميع خطواتهم للتمسك بمرشح غير مستقل، ستمنح المحتجين المزيد من الأهداف في مرمى الخصم الذين سيعلن هزيمته في النهاية، بعد تراجع سياسة فرض الأمر الواقع التي تعودنا عليها خلال السنوات الماضية حينما كنا بين خيارين لا ثالث لهما، بين القبول بالقوى السياسية أو الذهاب للفوضى وانعدام الأمن، لكنها تحطمت بهتافات السلمية وأصبح خيار “نريد وطن” هو الوحيد،، اخيرا… السؤال الذي لابد منه،، متى يقتنع تحالف البناء بالهزيمة؟..