في منتصف العام ١٩٩٦ بدأت المؤسسات الحكومية العراقية الشروع بتنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة بين العراق والأمانة العامة للأمم المتحدة تحت عنوان (النفط مقابل الغذاء والدواء)، سمح للعراق بموجب هذه المذكرة بتصدير كمية من إنتاجه النفطي لتغطية استيراد بعض من الحاجات الإنسانية الأساس للمواطن العراقي وتحت إشراف أممي خاص تبنته لجنة العقوبات الدولية المشكلة على وفق القرار الجائر، الذي يحمل الرقم (٦٦١)، و خصص أيضاً جزءاً من عائدات مبيعات النفط المسوّق، على وفق المذكرة، لتلبية حاجات المواطنين في منطقة الحكم الذاتي، التي تشمل محافظات أربيل والسليمانية ودهوك .
وضعت سياقات عمل تنفيذية لتأمين المشتريات على وفق المذكرة، منها قيام الجهة الطالبة للمواد بتنظيم أوامر شراء تعرض على لجنة العقوبات لغرض الموافقة عليها وتعقب هذا سلسلة متتالية من الخطوات تهتم بالجوانب المالية والتجارية لضمان إيصال هذه الطلبيات إلى الجهة المستفيدة .
في منتصف العام ٢٠٠١ طلب المعنيون في كهرباء منطقة الحكم الذاتي تجهيزهم بمكائن مولدات ديزل بقدرة (١٢٠ ميكاواط) لتنصب في مدن المنطقة بهدف إمداد المواطنين بالتيار الكهربائي، فتم استدراج الموافقة الخاصة بذلك ، فالمعروف أن تشغيل هذا النوع من المولدات ليست به حاجة إلى خبرات متقدمة بالإضافة إلى توافر عديد كبير من الملاكات الفنية العراقية من ذوي المقدرة على إجراء أعمال الصيانة المختلفة لها وكذلك مراقبة تشغيلها بكفاءة عالية، فوجئنا بطلب رسمي قدمته الشركة الأجنبية المجهزة لهذه المولدات عرض على هيئة الكهرباء تسهيل إصدار سمات دخول لعديد كبير (٧٠ شخصًا) ممن سمتهم (خبراء)، مهمتهم الإشراف على عمليات التشغيل وتدريب الفنيين العراقيين ،على ذلك، فقد خصص جزء من تخصيصات شراء هذه المولدات لتغطية نفقات قدوم هؤلاء (الخبراء السبعين ) الى العراق ومتطلباتهم.
في أجواء غرابة هذا الطلب واستهجانه تم رفضته هيئة الكهرباء (كنت حينها مديراً لها) لعدم الحاجة لاستقدامهم وتوافر المطلوب في مواردنا البشرية الوطنية، طلبت الشركة المجهزة، بعد إبلاغها برد الطلب، اللقاء مع المعنيين في مقر هيئة الكهرباء بهدف انتزاع الموافقة والحصول على كتاب موجه إلى الجهات المعنية لمنح سمات الدخول موضوعة البحث.. تمت مقابلة ممثلي الشركة، بحضور الدكتور سعدون الموسوي (ممثل وزارة الخارجية العراقية) ولم تفلح محاولاتهم في الاقناع، على وفق ما أدلوا به من مسوغات لطلبهم الغريب، فكانت ابتسامتي خير تعبير لحسم الأمر ولتمنع تسلل هذا العديد الكبير (من جنسيات مختلفة) من المسخرين للعمل المخابراتي المعادي.
هذه واحدة من ضمن محاولات كثيرة جرت لإدخال الجواسيس إلى مؤسساتنا الوطنية تحت عناوين مشروعة كما يعتقد الأعداء، فكانت نباهة العاملين في هذه المؤسسات معرقلة لخططهم الرخيصة ولم تجد، حينها، ما كان يتعرض له هؤلاء العاملين من مساومات وضغوط متعددة الوسائل، فهم يستحقون وقفة إجلال وتحية، فهم، الذين وضعوا سلامة العراق في حدقات عيونهم، ومنعوا اختراقها.