18 ديسمبر، 2024 6:38 م

الجهل و ليس الدين أفيون الشعوب

الجهل و ليس الدين أفيون الشعوب

كان جون ويكليف (1328-1384)، أستاذ لاهوت في جامعة أوكسفورد و المستشار لملك إنكلترا، يقول بأنه لا يجب على أي إنسان أن يتبع البابا أو حتى أحد القديسين إلا عندما يقتدي هؤلاء بالسيد المسيح. و ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة الإنكليزية الدارِجة من لغة الفولجاتا اللاتينية و بهذا استطاع أن يوصل كلام اللّـــه سبحانه و تعالى لرجل الشارع و الفقير و الجاهل الذين كانوا محرومين منه. و لكن المعارضين له وصفوا عمله بترجمة الكتاب المقدس بأنه “ألقى الدرر تحت أقدام الخنازير”، و من كلماته عن الكتاب المقدس “أنه لا شيء يجب الإيمان به ما لم يكن مؤسسا ً على هذا الكتاب، و لا يجب إضافة شيء لتعليمه”. بعد موته ما لبثت ترجمته للكتاب المقدس أن مُنِعَت في سنة 1408، و أدين بالهرطقة، وأحرقت كتبه بل وحتى عظامه أخرجت من القبر وأحرقت بأمر من البابا.
أما وليام تيندال (1494 – 1538)، رجل دين و كاتب و مترجم إنكليزي و خريج جامعتي أوكسفورد و كامبريدج، و بالرغم من وجود عدة ترجمات جزئية و أخرى كاملة بالإنكليزية القديمة للإنجيل منذ القرن السابع و ترجمات أخرى بالإنكليزية الوسطى و بالتحديد خلال القرن الرابع عشر، فكان أول من ترجم العهد الجديد كاملا ً للانكليزية المعاصرة له من النص اليوناني الأصلي، كما ترجم أسفار موسى الخمسة من النص العبري الأصلي. و هو أول من أستغل وسيلة الطباعة مما سمح بالتوزيع الواسع للإنجيل المترجم.
في عام 1519 قامت الكنيسة الكاثوليكية الإنكليزية بحرق إمرأة و ستة رجال بتهمة تعليم بعض الأطفال الصلاة الربانية و الوصايا العشر و قانون الإيمان باللغة الإنكليزية و ليس اللاتينية، و ذلك لأن الكنيسة الكاثوليكية قد أصدرت قرار بتحريم ترجمة الكتاب المقدس للغة الإنكليزية و جرمت كذلك من يتعامل بهذه الترجمة و يعاقب بالموت حرقا ً!
بعد 17 عاما ً من تلك الواقعة ألقت الكنيسة القبض على وليام تيندال و كان عمره 42 عاما ً واتهمته بهرطقة ترجمة الكتاب المقدس للإنكليزية والتشكيك في سلطة البابا والكنيسة، و قد تم حرقه بعد خنقه على عمود في سنة 1536 و كانت كلماته الأخيرة هي “يارب إفتح عيني ملك إنجلترا”. و بالحقيقة فإن جريمته الأساسية كانت ترجمة كلمة اللّـــه سبحانه و تعالى للغة التي يفهمها الشعب. و تيندال يلقب بأبو الكتاب المقدس الإنكليزي حيث أن الترجمة الإنكليزية القياسية المنقحة الصادرة في عام 1952 اقتبست حوالي 75 بالمئة من مفرداته!
قدم مارتن لوثر (1483 – 1546)، رجل دين و أستاذ لاهوت ألماني، ترجمة خاصة به للكتاب المقدس بلغته المحليّة الألمانية بدلا ً من اللغة اللاتينيّة التي كانت اللغة الوحيدة التي سمحت الكنيسة الرومانية باستخدامها لقراءة الكتاب المقدس مما ساهم بشكل كبير فى توصيل الإنجيل للناس بلغتهم الأصلية و هذا أثر بشكل كبير على الكنيسة و على الثقافة الألمانيّة عموما ً.
و بفضل هذه الجهود و نحوها تعرفت الشعوب الأوربية على جوهر دينها فجعلتها تتحرر من تبعيتها لخزعبلات رجال الدين، الذين كانوا يستخدمون هذه الخزعبلات لإستعباد الناس من أجل إشباع ملذاتهم الشخصية، و من ثم الإنطلاق في مناحي الحياة المشرقة.