الجهاد بين الالتزام الولائي والتخطيط العقلائي

الجهاد بين الالتزام الولائي والتخطيط العقلائي

وكم من حق ضاع بسبب سوء اسلوب استرجاعه فالنقاش على اصل القضية لا يقبل الجدل والشك ، فالجود والكرم خصلة من خصال العرب كانوا يتباهون فيها لكن باصولها، فقد صادف ان اعرابيا في الصحراء جاع وعطش فتوجه نحو خيمة تجلس امامها صبية في السادسة من عمرها فقال لها هل لديكم طعام فانا جائع فقالت له ليس لدينا ، فتعجب من هكذا جواب فقال لها طيب شربة ماء قالت ايضا ليس لدينا ، فقال لها عجبا اليس ابوك صاحب الكرم والجود فكيف تردين الضيف ؟ قالت لولا كرمه وجوده لما كنا في هذه الحالة !!!! هنا بسبب عدم التخطيط والافراط جاءت النتيجة فقر العائلة

حرب العراق للاحتلال الانكليزي سنة 1914 ابتنت على ان الانكليز كفار وجاءوا ليدنسوا ارض العراق وتمزيق القران ومنع الصلاة ، فمسالة ان احتلال العراق مسالة لا تقبل الجدل ويجب الوقوف ضدها امر مفروغ منه لكن ماهي الوسيلة الناجحة والناجعة لتحقيق ذلك باقل الخسائر المادية وان اضطر الى البشرية .

خلال هذه السنوات بدات تظهر وثائق وحقائق تغير المفاهيم التاريخية التي كانت عالقة باذهاننا بل بعضها كانت تدرس في مدارسنا وهاهي الحقيقة اظهرت بخلاف ذلك او انها مبتورة .

مسالة جهاد الشيعة ضد الانكليز والوقوف مع العثمانيين مسالة بحاجة الى عمق بحثي تاريخي وثيق ، نعم علماؤنا غايتهم حفظ الاسلام والمسلمين وهذه الغاية دفعوا ثمنها باهضا ولم تتحقق سوى الكتابات الانشائية في كتب التاريخ لترطيب المشاعر ، انهم ابطال انهم مجاهدون قدموا تضحيات الغالي والنفيس من اجل الاسلام لم تاخذهم المناصب والرواتب دخلوا بكل قوة بالرغم من مواقف العثمانيين ضد الشيعة وان التاريخ سيسجل مواقفهم ، كل هذا صحيح لكن هل قُرئ الواقع من كل حيثياته ؟

بداية الجهاد له مقومات فكرية ومادية ، فالغاية لا اشكال فيها ولمن ان لم تتوفر متطلباتها هنا يجب الدراسة والتخطيط ، ففي التاريخ رواية تؤكد ان الامام جعفر الصادق هيئت له كل مستلزمات القوة والخلافة الا انه رفضها لعلمه بحيثيات القوة ومآلات الوضع الاجتماعي .

بعض اعلامنا ومراجعنا هبوا للجهاد واصدروا فتاواهم ولكنهم لم يدرسوا ارض المعركة وما حولها بدقة ، مثلا ان البصرة والشعيبة والمحمرة سقطت بيد الانكليز في 23 تشرين الثاني 1914 وحفظوا وحصنوا مداخلها هذا اولا ، ثانيا ان مشايخ الكويت مبارك الصباح والمحمرة شيخ خزعل كانوا مع الانكليز ومن الجانب الاخر الشريف حسين وال سعود ايضا كانوا مع الانكليز، حتى ان السيد كاظم اليزدي ارسل رسالة لشيخ المحمرة يستحثه الوقوف مع المجاهدين فرفض ذلك .

ثالثا ان الدولة العثمانية اصبحت بيد الاتحاد والترقي وهذا الحزب يؤمن بتتريك العرب وتحطيم الوحدة الاسلامية وبناء تركيا الحديثة ، وهذه الحكومة يقاتل معها المجاهدون الشيعة !

رابعا لم يكن في حسابات المانيا الاعتماد على تركيا في حربها ضد الحلفاء لكن انور باشا والاتحاديين بشكل عام مندفعون لزج قدرات الدولة العثمانية مع المانيا وهذا التوجه خطة مرسومة ضد الوحدة الاسلامية !!

خامسا رغبت المانيا بزج العثمانيين معها في الحرب للاستفادة من فتاوى الجهاد الاسلامي من خلال اثارة العالم الاسلامي

هنا نسال المجاهدين الذين وقفوا مع من وقف مع المانيا هل المانيا تختلف عن انكلترا بالمعتقد ؟ اليس هذا مأخذ من مآخذ على تلك الفترة العصيبة

 الدولة العثمانية التي هي دولة كبرى الم يكن في حساباتها دراسة المنطقة وقوة العدو وتسليحه مع تحصين الجبهة الداخلية وتوفير الامدادات للمقاتلين ، انقل لكم هذا الحدث الذي يدل على غباء العثمانيين او تعمدهم الغباء

 

“يذكر المؤرخون بأن المعركة التي دارت في يومها الثالث والأخير، بالسلاح الأبيض، كادت أن تحسم لصالح المجاهدين، والجيش العثماني، فقد قرر الإنكليز الانسحاب، فطلب قائد الجيش الجنرال ( مليس) أن تأتي سرية النقل بسرعة، لنقل الجرحى قبل انسحاب قواته، غير أن الأتراك ظنوا إن سرية النقل، هي إمدادات جديدة للقوات البريطانية، فقرروا الانسحاب بسرعة، وانتهت معركة الشعيبة لصالح الإنكليز” .

اما الاحداث والارقام والخسائر فانها مؤلمة ففي الوقت الذي سقطت البصرة وما حواليها كان السيد اليزدي يخطب في حرم امير المؤمنين عليه السلام يوم 6 كانون الاول 1915 للتطوع ، هنا ارقام القوات العثمانية والمجاهدين حسب وثائق عثمانية رسمية (7600) مقاتلا عثمانيا (18000) مجاهدا شيعيا (2) مدفع ، (1500) كرديا ، بالاضافة الى عشرات الالاف من المتطوعين الشيعة كاحتياط لعدم توفر اسلحة . بل يذكر اغا بزرك الطهراني في نقباء البشر انه قيل له عددهم (90000) مجاهدا شيعيا ، بينما يقول حسن الاسدي وهو من المعاصرين ان عددهم (30) الف مجاهد شيعي وعشرة الاف فارس

القوات الانكليزية كانت ( 14400) انكليزي ، ( 40 ) مدفع ، وانتصر الانكليز وكانت خسائر المجاهدين بالالاف منهم الشيخ باقر حيدر وعيسى مال الله والسيد احمد نجل اليزدي شهداء ما عدا الجرحى ، بينما خسائر الانكليز ( 1297) بين قتيل وجريح

يذكر الشبيبي في مذكراته انه في الوقت الذي كان المجاهدون الشيعة يقاتلون مع العثمانيين كان حسين رؤوف بيك يهاجم القرى في مناطق الفرات الاوسط ويقتل الناس ومن ضمنهم طلبة العلوم الدينية الذين كانوا يدعون للجهاد ، وقد قتلوا الشيخ جعفر ابن الشيخ محمد تقي وسلبوا منه ( 700) ليرة ذهب جمعها تبرعات للمجاهدين .

هنالك شيوخ عشائر وشيوخ دين لم يقفوا مع العثمانيين يقولون عنهم خونة وهم يدعون اننا درسنا الواقع فعلمنا انهم سيخسرون وبالفعل عندما خسر العثمانيون قامت بعض المناطق بسلب ونهب الممتلكات العثمانية وحتى قتل جنودهم وفرار حكامهم .

نوايا ومقاصد المجاهدين لا غبار عليها ولكن كما يقول حسن شبر(تاريخ التحرك الاسلامي في العراق 1900-1957)  دعوة الجهاد فشلت في ولايات الدولة العثمانية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات