22 نوفمبر، 2024 11:54 م
Search
Close this search box.

الجنديّه …!!

الجنديّه …!!

اولاً :  لا يعني  ” العنوان ” هنا , بما يعنيه في لَهَجاتٍ محليّةٍ عربية بأنه – فتاة – مقابل  ” شرطية ” , ولا علاقة له ايضا  بكلمة ” مجنّدة ” المستخدمة رسمياً في الإشارةِ  الى الفتيات المنتميات او المنتسبات الى الجيش .. وبعد ذلك , لابد أنّ العنوان قد اتّضحَ معناه بشكلٍ او بآخرٍ , او ربما بعدة معانٍ متقاربة , ف ” الجنديّة ” يعني تفسيرها في البلدان العربية بأنها : ” الخدمة العسكرية ” , كما يعني ” الحياة العسكرية ” للجنود , لكنّ المعنى الأساسي والأهم هو ” القِيَم العسكرية ” في الجيش

 ثانيا : وَسْطَ انتشار الأنباء في الشارع العراقي وفي الأماكن العامة , والتي اشتملت حتى على مقاهي ” الكوفي شوب ” و حافلات النقل العامة والخاصة , حولَ هروب اعداد من الجنود وافراد الشرطة من المعارك الدائرة في قاطع عمليات الفلوجة – الرمادي , ومصدر هذه الأخبار هو الجنود الهاربون انفسهم الذين جعلوا هذه الأخبار تنتشر هنا وهناك بالطريقةِ التي انتشرت فيها …. وفي الواقع فهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها في العراق , فقد سبقَ أن هربَ بعض الجنود من الإلتحاق بوحداتهم العسكرية اثناء الحرب – العراقية الايرانية , وحرب عام 1991 في الكويت ايضا . وفي هذا الصدد فلا امتلكُ معلوماتٍ دقيقة عن حالاتٍ مماثلة حدثت في دولٍ عربية شهِدتْ في السابق معاركاً ودخَلَت حروب

 ثالثا : موضوعُ الهروب والتهرّب من الحرب , جَرَّ ذاكرتي وسَحَبَها ” بقفزةٍ سريعة ” الى نحوِ ربعِ قَرنٍ منَ الزمن , الى كتابٍ عنوانهُ ” قيادة العاصفة ” وهو عنوانٌ مشتق من التسمية الامريكية المعروفة ب ” عاصفة الصحراء ” ,وهي ايضا التسمية المقابِلة ” لأمّ المعارك ” عراقياً آنذاك , الكتاب كان قد صدرّ في عام 1991 عن دار نشر ” هاربر كولنز ” ومؤلّفهُ الجنرال السير ” بيتر دي لا بيليير ” قائد القوات البريطانية في تلك الحرب  > يتّضح من اسم الجنرال انه ينحدر من سلالةٍ ذي جذورٍ فرنسية الأصل  < . إنّ إحدى النقاط الملفتة للنظر في هذا الكتاب , والتي تتعلق بمضوع المقال , حيثُ يسرد المؤلف أنّه واثناء تجميع القوة البريطانية في لندن , والمراد ارسالها الى الاراضي السعودية للأشتراك في الحرب , فقد جرى تبليغهم بأوامرٍ وتعليماتٍ صارمة بأنْ عليهم احترام تقاليد المجتمع السعودي , من حيث كونه مجتمع ديني ومتحفّظ ولا يتقبّل اي من حالات الأنفتاح الأجتماعي السائدة في الغرب وحتى في بعض الدول العربية الأخرى , وتحديدا مسألة تعاطي الخمور , إنَّ النقطة المحددة والأكثر سخونة في هذا الشأن والتي تمّ إبلاغها للجنود نصَّتْ  > انه في حالة الكشف عن ايٍّ منهم وبحوزته ايّ كمية مفترضة من الخمرة  <  , فأنَّ العقوبة الأشد وقعاً في قانون العقوبات العسكري البريطاني ستُتَّخَذْ بحقّه , ولكن ماهي هذه العقوبة .؟ إنها ليست السجن , ولا قطعاً للراتب .! , إنها : التي يجري بموجبها إعادة الجندي المخالف الى بريطانيا .!! اي منعه من المشاركة في الحرب .! وذلك يُعَدْ في العُرف العسكري والأجتماعي البريطاني نوعاً من العار .! . وهنا تتّضح جسامة الفرق بين التقاليد السائدة عندنا وبين تقاليد الجيش البريطاني ولا ريب أنَّ لا أحداً يرغب في الدخول الى لهيب المعارك والحروب , ولكنها حينَ تقع , فأنها تفرض التزاماتٍ عسكرية واخلاقية واجتماعية لها ما لها من أبعاد , ولعلّ إحدى هذه الأَبعاد المميزة هي حين يرى الجندي البريطاني أنَّ تلك الحرب المرسَل اليها عام 1991 , لا يُشكلُ العراق فيها آنذاك ايّ خطرٍ على  الأمن القومي البريطاني , والمسافة بين العراق وبريطانيا هي بالطبع الآلاف من الكيلومترات والوقائع تشير أنَّ البريطانيين هم المعتدين وهم المحتلين كما فعلوها في عام 2003 , لكنه لمْ تظهر اي من حالات التذمّر لدى الجنود البريطانيين الذين شاركوا بكلا الحربين , وهذه هي   في الحقيقة قِيم ” الجندية ” في الجيوش .. ينبغي ان يُفهم هنا أنَّ هذه المقالة هي تجريدية و  ليست بذي علاقة بالجانب السياسي والبُعد السياسي لأيٍّ من الأطراف التي شاركت في كلا الحربين على العراق , لكنّ الهدفَ منها هو إظهار آفاق منظومة المفاهيم والرؤى السائدة في جيوش الغرب ومقارنتها بما يسود عندنا , إنها مسألةُ افكارٍ ولا تتعلّقُ بقادةٍ او اشخاص , سواءً عسكريين او مدنيين , بل انه في الجانب الآخر , فقد كان العديد من الجنود والضباط البريطانيين من مرتكبي الجرائم الوحشية خلال احتلالهم للعراق وقتلوا وعذّبوا واغتصبوا , لكنّ ذلك لمْ  يكن ضمن السياسة العسكرية للجيش البريطاني , وهذا ليس بالطبع دفاعا عنهم , انما الأمانة الصحفية تستدعي ذِكرَ الحقائق
    إنَّ كتاب ” قيادة العاصفة ” الذي تطرّقنا الى احدى النقاط المستنبطه منه , وهو كتابٌ لمْ يكن متداولاً في العراق حتى بعد الإحتلال , وقد تسرَّبتْ نسخٌ مستنسخه منه بكمياتٍ ضئيلة في فترة التسعينيات , ويمكن برأيي – على الأقل – قراءته بطرقٍ متباينة حسب رؤية القارئ ونظرته للأحداث , وقد لفتَ نظري أنَّ اهالي وعوائل الجنود البريطانيين , واثناء فترة تحشّد الجيوش في الاراضي السعودية – قبل الشروع بالهجوم على العراق – كانوا منهمكين بأرسال الهدايا وعلب الحلوى الى ابنائهم من الجنود هناك – عِبرَ بريدٍ عسكري فتحته القيادة البريطانية لهم قبل التحضيرات للهجوم , وما لبثت تلك العوائل أن صارت ترسل تلك الهدايا من دونِ اسماءٍ محددة , فالمهم لديها ان تصل الى مقاتلين بريطانيين .! وذلك لاشكّ شعورٌ تفاعليٌّ وطنيٌ واجتماعيّ , ولمْ يقف بالضد من قيادة دولته المعتدية , وايضاً هنالك مواضيعٌ أخريات فيما بين سطورِ هذا الكتاب تتعلّق بإنعكاساتِ سوسيولوجيا وسيكولوجيا الحرب , لكننا لسنا بصددِ اجراءِ دعايةٍ لكتابٍ صدرَ منذ نحوِ ربعِ قرن , واكتفينا بالحديثِ هنا عن أبعادِ احدى نِقاطِه الثانوية , و ” ليتَ ولعلَّ وعسى ” أن تغدو مفيدةً ولو للبعض … !!
[email protected]

أحدث المقالات