22 ديسمبر، 2024 8:58 م

الجلاد مازال موجودا…. الدوافع هي التي اختلفت قليلا !

الجلاد مازال موجودا…. الدوافع هي التي اختلفت قليلا !

1- بحسب مصدر حكومي فان رئيس الوزراء ، الكاظمي، وجّه َبفتح تحقيق فوري فيما نُسب من اتهام الى السلطات المعنية بالتحقيق الجنائي في بابل اثر فضيحة ارغام احد المواطنين على الادلاء باعترافات تتضمن الاقرار بجريمة لم يرتكبها ، جراء التعذيب . وانه كان سيحال او احيل وفقا لمادة الاتهام ، وعقوبتها كانت ستكون الاعدام في ظل ” اعترافه ” بجريمة قتل عمد عن سابق تصور وتصميم مع احراق واخفاء الجثة ، دون ان تكون هناك جثة بالفعل ولا قتيل ودون ان يرتكب مثل هذا الفعل اصلا ، رغم ان السلطات المعنية قد وثقّت اعترافاته وكشف الدلالة الخاص بالجريمة التي بثت في برنامج تلفزيوني لعب فيه احد الاعلاميين ” دور قاضي تحقيق ” !

2- وبحسب المصدر ، ايضا ، فان الاتهام قد وجه الى المسؤول المعني بمكافحة الاجرام في المنطقة محل الاعتقال ، وتقرر، كذلك ، احالة المسؤولين المعنيين بالقضية ، بقدر تعلق الامر بمسؤولياتهم الوظيفية ، الى التحقيق .

3- ولكن وقبل فترة وجيزة من هذه الواقعة ، التي تسربت الى الاعلام ، كانت وقائع مقتل مواطن بصري بريء تحت التعذيب ، جراء مجرد اشتباه باسمه ، قد تسربت، هي الاخرى ، الى الاعلام ، بفعل تظاهر عائلته وذويه واصرارهم على كشف الواقعة ، وقد حدثت ضجة مشابهة ، لكنها مثل كل ” ضجة عراقية ” كانت وستكون سَورَة غضب ٍ قصيرة الاجل ، يسهل امتصاصها لتنطفيء حال انبثاق مصيبة اخرى من مصائب حياة العراقيين اليومية التي لا تنتهي ، دون ان يتوجه االاهتمام الجدي من قبل المواطنين والتركيز الاعلامي على فضح وادانة السلوك والنهج خشية تحوله الى ممارسة روتينية تطال حرية وامن وحياة الاخرين !

4- ان تسرب واقعتين ، صادمتين ، من هذا النوع ، وخلال فترة قصيرة ، قد يعني ان هناك العشرات من الوقائع المشابهة التي جرى ويجري التستر عليها او بسبب عدم تمكن ضحاياها او اقاربهم من الوصول الى الاعلام ، لعجز او خشية من الانتقام ، وهذا يقودنا الى السؤال المخيف فيما اذا كان ” التعذيب ” قد تحول ، مرة اخرى ، الى ممارسة منهجية واسلوب روتيني متّبع في استنطاق المتهمين ، كما تشير بعض التقارير الاممية التي تتعلق بحقوق الانسان ؟

5- لقد حرّم الدستور العراقي الدائم ، والصادر عام 2005 ” جميع انواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الانسانية ، بموجب المادة ” 37 ” منه ، واشار ان لا عبرة ” باي اعتراف ينتزع بالاكراه او التهديد او التعذيب ” ، بل ان القوانين العراقية النافذة و المعنية بالجريمة والعقاب ، قد حرّمت ذلك قبل صدور هذا الدستور ومنذ صدورها في ستينات وسبعينات القرن الماضي !

6- فالمواد 123 وحتى 127 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971كانت قد نصت على آلية واسلوب استجواب المتهم ومنعت استعمال اية وسيلة غير مشروعة معه للحصول على اقراره بما في ذلك ” اساءة المعاملة والتهديد او الاغراء او الوعد او الوعيد والتأثير النفسي ” اما قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969فقد نصّ في المادة 333 منه على عقوبة السجن او الحبس ل ” كل موظف او مكلف بخدمة عامة عذّب او امر بتعذيب متهم او شاهد او خبير لحمله على الاعتراف بجريمة ….” واوضح ، في نفس المادة ، على ان ” استعمال القوة او التهديد ” يعتبران بحكم التعذيب .

7- وكما هو واضح فان النصوص القانونية العراقية تدين وتمنع ” التعذيب ” وحتى سوء المعاملة ، بشكل لا لبس فيه رغم عدم كفايتها في هذا المجال ، لكن المشكلة تتعلق بالممارسة الفعلية للاجهزة الامنية والجهات التي تتولى التحقيق ، خصوصا وان التحقيق ، في اغلب الاحيان ، يوكل الى عناصر امن وشرطة ليسوا مختصين بالتحقيق القضائي او لا يملكون تأهيلا حقوقيا كافيا ، استنادا الى استثناءات قانونية وعملية اوكلت لهم مهام ” التحقيق الابتدائي ” والذي سيكون اساسا معتمدا ، في الغالب ، من قبل الجهات التحقيقية القضائية !

8- ان الحقيقة التي لا يمكن اغفالها ، هي ان اجيالا عديدة من منتسبي الاجهزة الامنية قد ترّبت وتأهلت على هذا الفارق الكبير بل والتناقض المطلق بين ماتمنعه النصوص القانونية وبين الممارسة الفعلية . فخلال اربعة عقود تقريبا ، من عمر النظام السابق ، كانت هذه القوانين نفسها ، واعني قانون الاصول وقانون العقوبات ، تحتوي ذات النصوص التي اوردناها بشان تحريم التعذيب ، لكن التعذيب الوحشي كان ممارسة منهجية وروتينية في استجواب والتحقيق مع المتهمين بل وغير المتهمين طوال تلك العقود !،

9- الادهى من ذلك والأمرّ ، وهو من صور الفصام والتناقض بين القول والفعل او النص القانوني الجميل والممارسة الفعلية المجرمة، ما نصّت عليه المادة (1) من قانون العقوبات ، مثلا ، من ان لا جريمة ولا عقاب الاّ بنص قانوني وحظرت ايقاع التدابير الاحترازية ، لكن معظم العراقيين يعرفون ان هذا النص لم يكن يعني شيئا للنظام السابق واجهزته وان عشرات الالوف من المواطنين عذبوا واعدموا بصور وحشية ، ىون اي نص قانوني !

10- اذن فسياق العمل الموروث وتقاليده الراسخة بالنسبة لهذه المؤسسات ومنتسبيها لا تجد في افتراق القول عن الفعل او النص القانوني عن الممارسة الفعلية اية غضاضة وحيث ان اساليب واعراف العمل وسياقاته لا تتشكل بين يوم وليلة فكذلك لا يمكن التخلص منها بمجرد اعلان الغضب والاستنكار ، او اصدار الاوامر باحالة هذا المسؤول اوهذه المجموعة من المنتسبين او تلك الى التحقيق ، وانما تحتاج الى جانب التحريم والمنع بموجب النصوص القانونية الى تفعيل آليات عمل جادة وواقعية و يتم التدريب عليها لتصبح مناهج ملزمة في التعامل مع المواطن سواء كان متهما او لا وتفعيل دور الرقابة والمتابعة اليومية والاهتمام بفتح المنافذ الجادة والمأمونة لشكاوى المواطنين بهذا الشأن وكذلك الانفتاح على منظمات حقوق الانسان وعلى الاعلام الحريص والمسؤول وليس اعلام الاستعراض والمحاباة الفاسد ( كما حصل في حالة المواطن الضحية في هذه الواقعة ) ، والاهم من كل ذلك هو اناطة مهمة التحقيق بالجهات القضائية حصرا والاستعاضة عن منتسبي الاجهزة الامنية بالمكاتب القضائية ، وفي كل مراحل التحقيق ،وغير ذلك من الاليات المستمدة من خبرتنا وخبرات الدول الاخرى في هذا الشان .

11- ثمة امر آخر ، جدير بالانتباه والتنويه ، فاذا كان التعذيب ووحشية المعاملة في التحقيق عملا منهجيا بالنسبة للاجهزة الامنية في نظام صدام وانه طال عشرات الالوف من الابرياء لانه مثل جوهر علاقة ذلك النظام بالمواطن وحقوقه ، والتي كانت هي الدافع خلف ايغال بعض المنتسبين بالممارسات والتجاوزات الخاطئة والاجرامية التي تنتهك القوانين وحقوق وحريات المواطنين آنذاك ، بغية الحصول على رضا المافوق او الترقية ، فان الدوافع اليوم لامثال هؤلاء تتعلق بالفساد المستشري وامكانية الابتزاز والاثراء غير المشروع على حساب حرية وكرامة وحقوق المواطنين وعلى حساب القوانين ونصوصها الصريحة والواضحة . ويتحدث الكثيرون ، ممن هم على تماس مع هذا الواقع ، عن الفارق في المعاملة والضمانات والتسهيلات بين من يملكون الدعم المالي او الجاه او القرب من مراكز القوة والسلطان من المتهمين والمعتقلين حتى وان كانوا مجرمين متلبسين او ارهابيين معروفين او اصحاب سوابق وبين اقرانهم من الفقراء ممن لا يملكون حولا ولا طولا فتضيع حقوقهم ويكونون عرضة للانتهاكات والتجاوزات ، حتى ولو كانوا ابرياء !