18 ديسمبر، 2024 10:53 م

الجعفري..بين فكي الشرق الاوسط

الجعفري..بين فكي الشرق الاوسط

اقرب الى صافرة الانطلاق منه الى التصريح, كان تعليق السيد ياسر أبو هلاله المدير العام لقناة الجزيرة ردا على تحطيم السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري لمايك قناة الجزيرة والذي عد فيه أن هذا السلوك لا يرد عليه إلا في إطار الوسوم الساخرة, فبالفعل كانت هذه الكلمات محفزا للعديد من الحملات الاعلامية التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي ساخرة من تصرف السيد الوزير في ما اسموه “غزوة الميكروفون” عادين انه رد فعل متشنج مرتبط بفشل الدبلوماسية المصرية في أخطر ملف يهدد حياة المصريين، وهو ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، وان وزير الخارجية لم يجد غير ميكروفون قناة “الجزيرة”، ليستعرض عضلاته عليه، ويطرحه أرضاً.في العديد من التعليقات التي تناولت الموضوع ضمن هذا الاطار وان كان بصيغ مختلفة..
وهنا قد يكون من العدل والانصاف الاقرار بنوع من الوجاهة لهذه الطروحات استتنادا الى عبثية هذا الفعل في ظل المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الدبلوماسية المصرية, ولكن نفس هذا العدل وذلك الانصاف قد يكونان في صف السيد الوزير اذا نظرنا الى دور هذه القناة المنهجي في التحريض على القيادة المصرية وتبنيها لخطاب تثويري تصعيدي للشارع المصري تجاه مؤسساته الرسمية , والاهم سجلها الطويل في التعاطي المجتزء والانتقائي المسيس للخبر بشكل اقرب للتصنيع منه للايراد وبما يتماشى تماما مع السياسة القطرية, والخليجية عموما, مما يجعل من تصرف السيد شكري ممارسة احتجاج مهذبة تجاه التطاول الاعلامي الدؤوب ضد البلاد الذي يمثل قمة هرم الدبلوماسية فيها.. 
هذه القناعات التي تزداد رسوخا يوما بعد يوم في اذهان الرأي العام العربي تجاه الاعلام الخليجي, يبدو انه لم تكن حاضرة لدى السيد ابراهيم الجعفري وزير الخارجية العراقي وهو يخص صحيفة الشرق الاوسط بلقاء “احتفالي” باعادة افتتاح السفارة السعودية في بغداد.. فطبيعة المناسبة واللياقات البروتوكولية المعتادة في مثل هذه المواقف, لم تمنع الجريدة من نشر -وبذكاء كما يقول طارق الحميد- صورة للجنرال الإيراني قاسم سليماني , مصاحبة للحوار “المثير للدهشة” كما يضيف الحميد مستصعبا, بل ومتعجبا من تقبل ” بيانات الإدانة الصادرة بحق التوغل التركي بالعراق” باعتبار اننا لا ” نعيش في ظروف مثالية من الاستقرار والسلم في هذه المنطقة” لذا فليكن الوجود التركي من ضمن المقبول في المنطقة لان ” جل ما حولنا غير منطقي” مفندا قول الجعفري إنه لو بذلت جهود لمواجهة الإرهاب “لما وصلنا إلى هذه المرحلة” زاعقا “معقولة”! أوليس «داعش» نبتة عراقية؟ أولم تسيطر «داعش» على ثلث العراق، ثم انتقلت لسوريا، وبعد أن أطلق نوري المالكي،وبشار الأسد، قياداتها من السجون؟ أولم يكن أبو بكر البغدادي سجينًا بالعراق؟”متهم العراقيين بـ” الانفصال عن الواقع”، في مقالته المنشورة بعد يوم واحد فقط من لقاء الجعفري..
ولأن الحميد لا ينطق عن الهوى, انما هو وحي يوحى اليه من مصادر القرار في البيت السعودي, وان مقالات الرأي في الشرق الاوسط تصرح عادةً بما لا تجرؤ السعودية على الهمس به علنا..فهذا يحتم علينا التوجه الى الدبلوماسية العراقية  بالكثير من الاسئلة عن الاساس الذي اعتمدته في بناء تصور امكانية ان يشكل افتتاح السفارة -بعد طول تمنع وتدلل – في بغداد اي فرق في السياسة السعودية تجاه العراق, خاصة ونحن نراقب السفير السعودي ثامر السبهان يدشن عمله بدعوة السعوديين المتورطين بالقتال إلى جانب الجماعات المتطرفة بالأراضي العراقية لتسليم أنفسهم، عارضا امكانية “استقبالهم وإخراجهم من مناطق الصراع ومن قبضة داعش”, وكأن المشكلة تتعلق بخلل في التأشيرات او فقدان وثائق السفر متجاهلا المسؤولية الجنائية المترتبة بذمتهم تجاه العراقيين. مما يشكل نموذجا صارخا لما يمكن ان تذهب بنا تلك الرغبة العصية على الفهم في استرضاء النظام الرسمي الخليجي استدرارا لتواجده على الارض التي تخضبت بالدماء الغزيرة نتيجة لسياساته المعادية للشعب العراقي.. ومدى الخطل الذي ينتج من انتظار موقفا مغايرا من قبل مثل هذه الانظمة التي أدمت اصابعها عضا بالنواجذ غيظا وتطيرا من تجربة العراقيين السياسية منذ بواكيرها الاولى..والغفلة عن عدم وضوح المآلات التي تريد سياسات المملكة ان تجرنا اليها من خلال ممارساتها الاعلامية والسياسية..وبعبارة ادق..ضبابية المطلوب من العراقيين لكي يكونوا مؤهلين لرضا القائمين على الحكم السعودي..
لقد ذهب العراق بعيدا في تقدمه تجاه دول الجوار العربي ..و آن له الآن أن يلتقط أنفاسه ويتلفت ذات اليمين وذات الشمال ليستوعب المسافات التي تفصله عن الأصدقاء والأعداء..و آن له أن يقيس علاقاته بميزان التعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة..وارض الحرمين رغم كونها تمثل قيمة عاطفية عليا للشعب العراقي ومرحب دائماً بأي خطوة تأتينا من قبلها نحونا ..ولكن يبدو ان هذه الخطوة لن تأتي الا تحت سياقات تفكيك العملية السياسية برمتها ..وهذا ما لا حاجة ولا رغبة للعراق به.. وقد كان من الاجدى بالسيد الجعفري الاقتداء برأس الدبلوماسية المصرية, ويزيح جهاز تسجيل الشرق الاوسط من طاولته,..ليريح ويستريح