23 ديسمبر، 2024 1:58 ص

يتعكز الطريق على أرصفة لاجئة تبحث عن وطن يؤوي المشردين، أما المتسولين لا زالوا يقبعون قرب حاوية النفايات بحثا عن لقمة شريفة في مجتمع المسئول فيه راقص في ملهى الفساد وطبال يصلى النافلة
يا لها من حياة!! سأله صاحبه أليس ما قلته هو عين الصواب ما رأيك؟
هههههههههههههه والله يا عشيري لقد أضحكتني حينما سألتني عن رأيي
اجيبك بالقول: لو كان لي رأي لما رأيتني معك، ولما اتخذت هذه الأرض وطنا، فها نحن نمد يد الغوث لبطوننا من حاوية النفايات هذه، أننا يا عشير ملة خرجت بنفاقها من رأس القمقم، بالت علينا الشياطين حتى تنجست هي لا نحن… إننا ملة كشفت نسوتهم غطاء رؤوسها وحيائها، صارت عورتها الوحيدة نحن ثم فاقتها وحاجتها… إننا نبكي انفسنا اكثر من نائحات الصواري التي رمت بالنبي يونس للحوت الذي إلتقمه إمتثالا لأمر به… إننا واقسم بعنا غيرتنا، ناموسنا، رجولتنا حتى شرفنا الى قوادين ابتاعوا مقدراتنا بأفلاس ونيكلز… حري بنا ان نقف على الجسر..
صاحبه: أي جسر؟؟
ذلك الجسر التي رأته إمرأة عجوز جارة لنا في منامها كنت قد ألتقيتها في مرة حين غصة عيش وسنين شدة مضت.. وجدتها امام دارها جالسة وهي تدخن سيجارة اللف اتتذكرها؟؟
صاحبه: ومن ينسى تبغها المخلوط بنشارة الخشب لكنها كانت أوقات أكثر من رائعة… عموما أكمل…
جلست الى قربها وقد اخذوا عائلتها بأكملها، سفروا الى دولة مجاورة كونهم من اصحاب التبعية… إلا هي لأنها تمتلك جنسية هذا الوطن… قلت مرحبا يا خالة
قالت: قل السلام عليكم يا ولد… سيأتي يوم تسمع بالسلام فلا تراه، سيكون مقتولا بإسم مصطنع اسلامي جديد
قلت لها: ما لي اراك مهمومة… اعلم ان قلبك قد اصاب حجراته الوجع والقهر لكنها إرادة الله
قالت: لا تقل إرادة الله بل قل إنها إرادة شيطان أنسي سيأتيه يوم يقضي حاجته وهناك من ينتظره كي يلقمه الخازوق حتى تصبح عنده عادة لا يرتاح إلا متى ما خوزقوا مخرجه… اسمع لقد رأيت رؤيا قبيل صلاة الفجر ولا ادري ما تفسيرها لعلك تعرف عن تعبير رؤياي
قلت يا خالة: ربما القليل من خلال قراءتي المختلفة
قالت: لعلك تريد ان تصبح مسئولا في الحكومة ههههههههههههه ( اسمع ولك ) البارحة رأيت ان هذا الجسر القريب من بيتي، عزمت ان اعبره لكي أصل الضفة الاخرى لشراء تبغ و ورق اللف السجائر، فرأيت عليه الكثير من الرجال لكنهم ليسوا رجال بل اشبه بالشياطين، رأيت على جباههم آثار السجود فاستغربت في نفسي!! وقلت: هل الشياطين تتعبد وتصلي لله؟ البعض منهم اشبه بالورِع و واحد منهم لا يصدر عنه صوت، يحيطون به البقية من الشياطين، يفسحون له المجال ليمشي ويرى حال الناس…
شدني حديثها بعد ان رأيتها قد ألهت نفسها لتلف سيجارة وتوقفت عن الكلام… فسألتها خالة وماذا بعد؟
تبسمت وقالت لي لا تستعجل على رزقك مثل الرجال في الحلم.. انتظر سيأتي دورك لتُختَم…. اسمع
العجوز: الغريب يا ولدي ان كل الذين على الجسر رجال ولا يوجد بينهم إمرأة سواي، على الجانبين مصطفين، وجهوههم نحو جهة النهر ( الشط ) متراصفين متلاصقين، والاغرب من هذا أن جميعهم قد نزعوا بناطيلهم، كشفوا مؤخراتهم وهم منحنين، كان المنظر كارثي بالنسبة لي.. حاولت ان اغطي وجهي خجلا، إستحييت نفسي لكني لم اجد أيا منهم خجل من نفسه بل ان كبيرهم وهو ذو رأس مصفح، له شارب بعيد عن شفته العليا كانه خطه بزفت.. يلبس عوينات كبيرة، حاجباه كثان وبين لحظة وأخرى يلعب بمنخاره كأنها عادة او لا ادري كيف أفسرها؟ ثيابه حسنة وعلى جانبيه بعض من الرجال يكنسون طريقه بعيونهم وألسنتهم… أما ما جعلني مشدودة هو الخاتم الذي بأصبعه… كبير الى درجة غريبة، به حجر عجيب الشكل، بارز حسبتني عرفته، اقتربت اكثر وظننت انهم سيبعدوني او يطردوني.. لكنهم لم يكترثوا لوجودي… علمت بعدها بأني غير مرئية لهم… المهم…
اي خالة أريد المهم قلت لها وقد إزداد فضولي، فنحن كنا نعيش زمن اغبر وحكومة اسود من قطعة حجر الفحم… لم يفشل ظن من قال اننا ارض السواد… فالخضرة في وطني تحولت الى بحيرات من الدم حتى اسود، اما القبور الجماعية فحدث ولا حرج، واما السواد فصار ثياب نرتديها، وأما البشر فمنهم مقطوع الأذن والبعض اللسان والكثير الكثير في عتمة وظلمة السجون… اكملي … يا خالة
العجوز:ههههههههه سأكمل يا ولدي ولكن لا تتأمل الخير فنحن أمة سلط عليها من انفسها، كوننا من الظالمين والامام علي عليه السلام قال: لقد ملئتوا قلبي قيحا، واكيد قالها الى من هم من التابعين له… أليس كذلك؟؟
والله يا خالة لا ادري اكملي ارجوك؟؟
المهم بعدما اصطفت الناس من جهتي الجسر، بدأ من على اليمين كمبادرة خير، كونها جهة اليمين كما هو سائد، ابرز الخاتم وكأنه جمرة من نار… ياتي الى الرجل منهم فيختمه في مؤخرته بعدها يُعطى ورقة ثم يسمحوا له بلبس بنطالة بعدها يذهب وهو يحك مؤخرته…
ماذا مكتوب على البطاقة؟؟ ألم ترين ما هو مكتوب
ههههههههههه كان بودي ولكني لا اعرف القراءة ولا الكتابة، لكنها تشبه تلك التي يعطونها في يوم الاستفتاء يا خالة.. ثم راح يمشي ويختم كل مؤخرات الرجال ومنهم اصحاب حظوة وجاهة كما هو مبين من وجوههم ولباسهم، أهل نخوة ومرجلة وحمية، يعني ابناء عشائرالى جانب قضاة، اطباء، مثقفين، قادة جيش، قادة شرطة، من الاخير رجال اشكال ألوان بعضهم غير عرب… وبعد ان انتهى من الجانبين ذهبت الناس.. توجه الى منتصف الجسر، كان هناك رجل غير معلوم الصفات وجهه لم يكن واضحا لي، كأن عليه ضبابية لكني عرفت انه ليس من حال لساننا… وقف الرجل واعطى الخاتم إليه ثم فك حزام بنطالة والمجموعة التي معه مثله، انحنوا بمؤخراتهم له فقام وختمها بدوره ثم اخفى الخاتم في جيبه بعدها اختفى كالشياطين… ومنذ ان صحوت الى الآن وانا ابحث عمن يفسره لي…
قلت لها انا افسره… سيأتي يوم يا خالة يتغير فيه النظام وتأتي ملة من ملتنا، لا يرفقون بنا، سيشبعوننا ضيم وعذاب، سنتخم جوعا وعوز، تختم مؤخراتنا ونحن نصيح هيهات… منا هيهات… لكن لا جدوى ولا حياة لمن تنادي فقد سبق السيف… صرنا يا خالة ملة منبوذة، كفرونا نتيجة افعالنا، أطلقوا علينا مسمى الرافضة ونحن كشعب لا حول لنا ولا قوة، لقد نلنا ما تمنينا، سنشبع من الثوابات والقرابين… سنحتفي ونتأبن ولكن برياء ونفاق…
حالنا يا عشيري هو هذا قد تبين انه هو تفسير حلم تلك المرأة العجوز، فنحن الذي خُتِم على مؤخراتنا كرجال عرب، تابعين الى ملل اليهود والصليبيين والى اصحاب الخواتم… هيا التقط ما تشتهيه نفسك من الحاوية وصدقني سيكون ما تجده اللحظة هو افضل مما ستلتقطه في المساء، فنحن مشردين في وطن لاجئ..