18 ديسمبر، 2024 6:27 م

الجسد قربان الشهادة ؟!

الجسد قربان الشهادة ؟!

أن مفهوم الشهادة من المفاهيم الإسلامية التي أكدت عليها الكتب السماوية ، فهي تعني الحضور، والشهود، والقتل في سبيل الله. وقد وردت كلمة الشهادة في المصطلح القرآني بمعنى القتل في سبيل الله: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ}(البقرة/154)، وجاء في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ…}(التوبة/111).

فهذا الفداء والتضحية بالنفس في سبيل الله والدين، غاية فلاح المؤمن. ومن يضحي بنفسه في سبيل الدين ينال الفوز والخلود في الآخرة، وتكون شهادته مثالا وأسوة يحتذي بها الآخرون. كانت سمية أمُّ عمار أول شهيدة في الإسلام قُتلت برمح أبي جهل تحت طائلة التعذيب. واستشهد من بعدها مسلمون آخرون منهم من قتل تحت التعذيب ومنهم من قتل أثناء المعارك ضد المشركين، ومنهم من قتل دفاعا عن الحق عند مواجهة حكام الجور، وكانوا بأجمعهم أسوة يقتدي بهم الأحرار على مدى الأيام.

أما سبب تسمية مثل هذه الميتة بالشهادة فقد قيل: “لأن ملائكة الرحمة تشهده فهو شهيد بمعنى مشهود؛ وقيل: لأن الله وملائكته شهود له في الجنة؛ وقيل: لأنه ممن يشهد يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وآله على الأمم الخالية؛ وقيل لأنه لم يمت كأنه شاهد أي حاضر(مجمع البحرين، كلمة “شهد”)، استنادا إلى الآية الشريفة: {..أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(آل عمران/169).

أن لفيض الشهادة قيمة كبيرة حتى أن أولياء الدين طالما يسألون ربّهم أن يجعلها من نصيبهم. ونحن كثيرا ما نسأل الله في أدعيتنا أن يكتب لنا الشهادة. وقد وردت روايات كثيرة في فضل الشهادة ومكانة الشهيد. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “فوق ذي كل بِرّ بِرّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله، فليس فوقه بِرّ” (بحار الأنوار 97: 10).

وجاء في الأحاديث أن الشهادة أفضل الموت، وقطرة دم الشهيد من أفضل القطرات، والشهادة تمحو الذنوب، والشهيد في أمان من سؤال القبر، وضغطة القبر، وهو في الجنّة مع الحور العين، وللشهيد حق الشفاعة، والشهداء أول من يدخلون الجنة، والجميع يغبط الشهيد على مكانته (راجع الروايات المتعلقة بالشهادة وفضيلة الشهداء في المصادر التالية: بحار الأنوار 97، وسائل الشيعة 11، ميزان الحكمة 5، كنز المال 4).

اعتبر الشيخ المفيد الشهادة مقاما رفيعا، ومن يصبر ويقاوم في سبيل الله حتى يراق دمه يصبح يوم القيامة من أمناء الله ذوي المرتبة السامية (أوائل المقالات للشيخ المفيد: 114). ومن جملة خصائص الشهيد النظر إلى وجه الله؛ وهذا ما ينفي البعد القذر من وجوده ويرتفع به إلى مرحلة الخلود والقداسة في ظل الشهادة.

الشهادة في مدرسة الوحي مطلوبة ومحبوبة، وقُضى جميع الأئمة بين قتيل أو مسموم، وكان موتهم الشهادة. ومع أن نفوس الأئمة وأولياء الله وعبادة المخلصين عزيزة، لكن دين الله أعز وأغلى. وعلى هذا يجب التضحية بالنفس في سبيل الله، ليسود الحق وهذا هو “سبيل الله”.

توافرت ظروف في عهد سيد الشهداء جعلت من غير الممكن إيقاظ الأمة إلا بالتضحية والشهادة. ولم يكن من اليسير أن تنمو شجرة الدين إلا بدماء أعز الناس. وهذا ما جعل الإمام وأصحابه الشهداء يواجهون السيوف والرماح بوعي واندفاع لكي يبقى الإسلام بموتهم الدامي طريا يانعا. وظلت هذه السنة قائمة على مدى التاريخ، وأصبحت الشهادة درسا كبيرا وخالدا لكل الأجيال والعصور.

ومن يتمكن بلوغ هذه المرتبة بحيث يقطع جميع العلائق الدنيوية، تدفعه محبة الحياة الخالدة إلى اختيار الشهادة. ومن البديهي أن اجتياز هذه الموانع والوصول إلى مرحلة التحرر من جميع القيود الدنيوية يتطلب درجة عالية من الإيمان. ولهذا السبب