رصاصة واحدة كانت تكفي لقتل الأديب، الفنان، والأكاديمي علاء مشذوب قرب بيته في مدينة كربلاء.. بل سكين متوسط الحجم كان كافياً لتحقيق غاية القتل، لكنّ القتلة، منفّذين ومحرّضين، كانت لديهم رسالة أخرى بقتل مشذوب بهذا العدد الكبير من الرصاصات .
إنه الغِلّ المضاعف ثلاث عشرة ألف مرّة حيال المثقفين الوطنيين ودورهم التنويري في المجتمع، وهو التهديد المضاعف ثلاث عشرة ألف مرة لكلّ مثقف وطني تنويري يتجاوز، أو يوشك أن يتجاوز الخطوط الحمر التي يريد الظلاميون تكريسها.. هم فشلوا مرات عدة في إيصال رسالة الترويع التي مرّروها بقتل زميلات وزملاء لنا واعتقالهم وتعذيبهم، فاختاروا أن يقتلوا علاء مشذوب بثلاث عشرة رصاصة ظنّاً منهم أن الترويع سيبلغ مداه هذه المرة وأن رسالتهم ستكون مدوّية أكثر من ذي قبل، فيتحقّق مبتغاهم بإسكات المثقفين.
هذه الرصاصات الثلاث عشرة تصرّح بأنّ صبرهم قد نفد ولم تعد لديهم قدرة على التحمّل، وممّا يساعدهم في ذلك ويشجّعهم عليه أنّ الدولة، المسؤولة عن الأمن، لا تهتمّ بأمن المثقفين، فكلّ اكتراثها موجّه لضمان أمن وحياة حراميّة المال العام من مسؤولي الدوائر الحكومية والأحزاب الحاكمة، وكلّ اهتمامها مكرّس أيضاً لإيجاد نظام أمني أعوج ، منحرف، يضفي القدسية على لبس العباءة للنساء، مثلاً، ويحرّم عرض دمى البلاستك ( مانيكانات) في دكاكين الملابس النسائية، فيما يتساهل مع عمليات تناول المخدرات والاتجار بها وبالجنس وبالأدوية والأغذية الفاسدة، فضلاً عن القتل على نحو سافر على طريقة قتل د. مشذوب وسواه.
منذ حين برّرت سلطات محافظة كربلاء إجراءاتها التعسفية ضد الحريات العامة بالقول إنها مهتمة بصون قدسية المدينة.. لكنّ قدسية المدينة تتحقق أولاً وقبل كل شيء بصون قدسية الأرواح البريئة ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا “. مقتل علاء مشذوب تعدٍّ سافر على قدسية كربلاء والراقدين تحت ترابها، فلتُرنا حكومة كربلاء، وكذا حكومة بغداد، شطارتهما في الدفاع عن هذه القدسية بملاحقة القتلة ومحرّضيهم وتقديمهم الى القضاء.
ما من أحد مسؤول عن مقتل د. مشذوب وسائر ضحايا الإرهاب السياسي والفكري غير دولة الإسلام السياسي الفاسدة التي تظهر كلّ يوم علامة على نكوصها في إنشاء دولة، فما عندها أكثر من شبه دولة محكومة بقانون الترويع والفساد .
موقف المثقفين العراقيين، المهددين جميعاً الآن بمصير يشبه مصير د. مشذوب، يتعيّن أن يتجاوز مجرّد الكلام. لابدّ من حركات احتجاجية في المنتديات والمؤسسات الثقافية، وفي الشارع أيضاً.. ثروة البلاد الفكرية مهدّدة بالفناء مثل ثروتها النفطية التي ينهبها الفاسدون .. الحاكمون..