18 ديسمبر، 2024 7:19 م

الجراح خالد ناجي نصير الفقراء وقصة حياة

الجراح خالد ناجي نصير الفقراء وقصة حياة

في أمسية عائلية، جمعتني بأسرتي بفضل إنقطاع الكهرباء، وتوقف النت، فكانت فرصة لتبادل الرؤى وطرح الأفكار، فبرغم أن البيت يجمعنا، غير أن الإنستغرام، والفيس، والتك تك، يفرقنا، فكل واحد منا يعيش عالمه، ولطالما رن جرس البيت مرات، ولم ينتبه اليه أحد، ما اضطر الطارق الى الإنصراف بإحترام!!
تشعبت الأحاديث على ضوء المصباح الشاحن الذي أخذ بالأفول، فاستعنا بلايتات الموبايل لتسليط الضوء على المتحدث كل بدوره، ولعل احدكم يتساءل: الكهرباء انطفت عرفنا، زين شنو ما مشتركين بمولدة؟
والجواب ان منطقتي مشتركة بكهرباء إستثمارية، لكن يصيبها مايصيب الكهرباء الوطنية من عطلات.
ومن مجمل الحديث تطرقنا عن التغيرات التي مر بها العالم، والتطورات التي حصلت، وكان لابد من أن اقدم لهم بعض المواقف الحية، فحكيت لهم عن جدهم في موقف لم اشهده، لكنه نقل اليّ، حين أصيب والدي في بداية حياته الزوجية، بالزائدة الدودية ” المصران الأعور”، فنقل الى مستشفى الدكتور الجراح خالد ناجي، فقررإدخاله غرفة العمليات فوراً، فصعد العويل والبكاء بين الأسرة، فيما كان جدي يضرب على رأسه ويقول :” ابنيتي صغيرة وستترمل”، ما يعطي صورة مفزعة عن العملية التي اصبحت اليوم مثل الختان.
ونجحت العملية، وسجد من سجد لله شكراً على نجاة أبي، في حين ذبح جدي خروفاً تحت رجل الدكتور خالد ناجي.
ولمن لايعرف الدكتور خالد ناجي، نقول : هو من أشهر الجراحين العراقيين، ولديه بحوث علمية عديدة مسجلة في الكليات الطبية البريطانية، وقد تكفلت المجلات العلمية الرصينة بنشرها، لما تضمنته من عمليات نادرة أجراها من الرأس حتى أخمص القدم.
ولما اوردت هذه المعلومة على اولادي، علق ابني : يعني من الدعامية الى الدعامية!!
كان الدكتور خالد، وشقيقه الدكتور إسماعيل، يحملان الطب رسالة، وليس تجارة رأس مالها المريض، لذا فتحا عيادة شعبية في خمسينات القرن الماضي لمعالجة الفقراء، كما خصصا يوماً في عيادتهما لفحص المرضى بالمجان، حتى عرفا بنصيري الفقراء.
ومما حكاه لي يوماً، عن سيدة دخلت مشفاه، وهي تشكوعسر الوضع، ولما احس أن الحالة بحاجة الى عملية قيصرية، وكانت من العمليات فوق الكبرى.
لم يكن برفقتها احد من أهلها، او اقاربها، كما تعذر عليه أن يحصل على رقم تليفون لأحدهم لينقلها الى مستشفى الولادة، فالحالة كانت صعبة جداً، وفي تدهور مستمر، لذا لم يكن أمامه سوى أن ينقلها بسيارته الى ذلك المستشفى، وانطلق مسرعاً لإنقاذها وإنقاذ الجنين، بيد أن القدر كان أسرع منه، فماتت عند سكة القطار الذي كان ينتظر مروره ليستأنف الطريق، وهنا قرر أن يغير المسار، فالتف بسيارته عائداً الى مشفاه، وادخلها صالة العمليات ليخرج الجنين من احشاء أمه المتوفاة، وكانت أنثى.
لم تنته القصة الى هنا، فوسط غياب المعلومات عن الأم، وانقطاع الصلة بالطفلة التي ابصرت النور مقطوعة الشجرة، قرر طبيب الفقراء أن يتكفل بتربيتها، وكان اول خطوة اتخذها ان أطلق عليها اسم ” حياة” لتعيش في كنفه حتى شبت وكبرت وتزوجت.