23 ديسمبر، 2024 3:10 م

الجذور التاريخية لاعتقال ذوي المطلوبين للسلطة

الجذور التاريخية لاعتقال ذوي المطلوبين للسلطة

من أخبث الطرق التي استخدمها النظام الدكتاتوري المقبور ،إلقاء القبض على ذوي المُناضِل المطلوب للسلطة،وهو لايرضى بتركهم يُصارعون جلاوزة السلطة في الزنزانات والمعتقلات الرهيبة .
فالقاء القبض على (الأم) او (الزوجة) وايداعهما السجن كرهائن ،وسيلة ضغط رهيبة طالما توسل بها الأوغاد لاجبار الفارين من قبضتهم لتسليم أنفسهم .
ان الانسان الشريف حين يقف أمام خيارين :
إمّا ان يسلّم نفسه للسلطة وإمّا ان يغض النظر عن تهديده بعرضِه …
لابُدَّ ان يختار الأول حفاظا على شرفه وانقاذاً لمن يعز عليه ان يلقى العنت والعذاب …
وهكذا كانت العادة المتبعة من قبل الاجهزة القمعية إبّان العهد الدكتاتوري الأسود .
ولكن السؤال الآن :
هل كانت تلك الطريقة مبتكرةً من قبل العفالقة ، و(قائدهم الضرورة) أم أنها كانت معروفة منذ عهود طويلة ؟
والجواب :
ان هذه الطريقة النكراء ، والمخالفة لكل القواعد الشرعية والقانونية والحضارية والاجتماعية والانسانية ، كانت معروفة ومعمولاً بها أيام الحكم الأموي البغيض .
ومعنى ذلك ان العفالقة استندوا الى ما ارتكبه أسلافهم (الأمويون) الحاقدون على البشرية ، وعلى رموزها …..
ونكتفي هنا بايراد مثالين تاريخيين :
الأول :
القاء القبض على زوجة المختار بن أبي عبيده الثقفي ، حين هرب من سجن (ابن زياد) وزجها في السجن …. ارغاما له على تسليم نفسه اليهم .
ولكّن قومها اجتمعوا عند (ابن زياد) فتشفعوا فيها فأطلق سراحها .
الثاني :
ما وقع مع (آمنة) زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي ، فانه لمّا هرب زوجُها من ظُلم زياد بن أبيه ، كتب معاوية الى زياد :
يأمره بالقبض على زوجته ، وان يرسلها الى الشام ،
فلما دخلت الشام أمر (معاوية) بادخالها السجن ،
وبقيتْ فيه حتى قبضوا على زوجها بالموصل ،
وطعنوه تسع طعنات ،
ثم قطعوا رأسه ،
وحملوه الى معاوية في الشام .
ان قطع الرؤوس ، وحملها من بلد الى بلد يدل على عمق الحس الجاهلي عند الامويين ، ومقدار تنكرهم للقيم الانسانية فضلاً عن القيم الدينية .
وحين حمل راس عمرو بن الحمق الخزاعي – رضوان الله عليه – الى معاوية في الشام ، أمر ان يذهب به احد جلاوزته الى زوجته في السجن ، ويضعه في حجرها ،
وقال له :
احفظ ما تقول ..!!
انها حقاً احدى الفظاعات الكبرى ، وما أبشع النفس الشريرة التي لايهمها الاّ التشفي والانتقام من الخصوم ، ولا تحسب للمرأة الرقيقة الإحساس ، والرهيفة في مشاعرها، أي حساب ..!!
وماذا عسى ان تكون عليه هذه المرأة المظلومة ، التي سيقت الى السجن دون ذنب أو جريرة وبقيت تترقب بفارغ الصبر عَوْدَة زوجها اليها أو عودتها اليه ..؟
لقد فوجئت بالجلواز يُلقى برأس زوجها في حجرها فداخلها من الأسى والرعب والشجن ما جعلها تعمد الى الرأس المقطوع وتحتضنه وتضمه الى صدرها وتقول :
” غيبتموه عني طويلا ،
وأهديتموه اليّ قتيلا ،
فأهلاً وسهلاً بها من هدّية ،
غير قاليةٍ ولا مقليّة “
ثم قالت للجلواز :
أبلغ معاوية عني ما أقول ، وقل له :
” أيتْم الله ولدك ،
وَأوحش منك أهلك ،
ولا غفر لك ذنبك ،
وعجّل لك الويل من نِقَمه ،
وطلب منك بَدمِهِ ،
فلقد جئتَ شيئاً فَرِياً ،
وقتلتَ باراً تقيّاً “
انها عبرّت بدعاء ملؤه الشعور بالظلامة عن هول ما آلت اليه حالتها ، وعن حجم الجريمة النكراء التي مورست بحق زوجها، وأكدت انه البار التقيّ الذي قُتل ظُلْماً وعدوانا .
وحين نَقَلَ الجلوازُ كلامها الى معاوية، استدعاها وشتمها مُضيفَاً الى جريمته الكبرى جريمة جديدة ..!!
وهكذا عبّد الأمويون الطريق لمن جاء بعدهم من الطغاة ، لالقاء الآمنين الابرياء في غياهب السجون ، لالذنب ارتكبوه، ولا لجرم مارسوه ، بل من أجل الضغط على المطلوبين من معارضيهم السياسيين لتسليم أنفسهم ومن ثم تصفيتهم دون هوادة .
وبالفعل ، فان العديد من الاجهزة القمعية حتى في الألفية الثالثة ، مازالت تعتمد هذه الطريقة، ميراثاً من أسلافها، الخارجين على كل القيم والموازين.
[email protected]
www.almnbeir.com