بسم الله الرحمن الرحيم
“قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” (الأنعام:33).
معنى كلمة {قَدْ}: تأتي بمعنى ربما ،..قد تمطر السماء , وكلمة الحزن: هو ألم في النفس بسبب معين … مثلا: فقد محبوب أو فقدان شيء مهم .. او ما يريده الإنسان ويخطط له , ولكن تأتي النتائج عكسية , واصل كلمة حزن معناه: تشقق الأرض عند العطش,… فأخذوا هذا المعنى من الارض وأطلقوها على الإنسان حين يتعرض لمصيبة , فقد حبيب او خسارة طارئة ..
يقول تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾وقوله ” لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾وقوله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).اذن الحزن حالة تصيب الانمسان وهي عكس الفرح..
** اما كلمة {يَجْحَدُونَ}:أي ينكرون ، والجحود: إنكار ما ثبت في القلب ،وثبتت معرفته .. والجحود حالة منتشرة في جميع المجتمعات .. ومعناها:…(( قد أحطنا علماً بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم، كقوله: { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}.
** لا شك أن رسول الله (ص) في نقاشاته ومحاوراته الفكرية مع المشركين مرة واخرى مع المعاندين المتصلبين من الاديان الاخرى ، كان يواجه منهم المعاندة واللجاجة والتصلب والتعنت، بل كانوا يرشقونه بتهمهم..
لذلك كان يشعر بالغم والحزن، فكان الله تعالى يواسي نبيه ويصبره على ذلك، لكي يواصل مسيرته بقلب أقوى والتبليغ لا يعطي ثماره الا بالصبر والتواصل ..
فقال : (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون ) ولكن حقيقة الانكار والجحود .أنهم لا ينكرونك أنت، بل ينكرون آيات الله، ولا يكذبونك بل يكذبون الله: فأنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. وهذا في كل مكان .. لتقريب المعنى.
** احيانا تحدث مشكلة يتعلق فيها اكثر من طرف ,من الناس فيقول احدهم لصاحبه هون عليك ما قاله فلان لا يعنيك , انما كان الكلام موجها لي .. مثال : اليوم بعض الكتاب يكتبون ضد جهة معينة , ويخلطون بين تصرفاتهم السياسية , وبين عقيدتهم الدينية والمذهبية .. يفهم من كلامه ان المقصود هو الطائف والمذهب .. اليك اعني واسمعي يا جارة . كمن يمدح الامام علي ويذم التشيع.. هو يريد ذم الامام .. او من يشتم العمامة انما يريد شتم المرجعية الدينية .. الله يبين ما نفوس هؤلاء فيقول : ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )…
*** مفسرون آخرون : يرون للآية تفسيرا آخر،لا بأس من معرفته : بأن معنى الآية هو: إن الذين يعارضونك , هم في الحقيقة مؤمنون بصدقك ولا يشكون في صحة دعوتك، (ولكن الخوف من تعرض مصالحهم للخطر) هو الذي يمنعهم من الرضوخ للحق، أو أن الذي يحول بينهم وبين التسليم هو الخوف على لقمتهم .
هذا الراي حتى لو كان غير حقيقي ولكنه مهم . حيث هناك شريحة كبيرة من المجتمع ينساقون وراء معاشهم حتى لو كان على حساب دينهم .. يقول الامام علي (ع) ( ومن الناس من ينقادون من بطونهم ) ويقول في خطبة أخرى .. ( بعدا لمن أدخلته بطنه النار) ويقول من كان همه بطنه فقيمته متا يخرج منها .
وقف يوما { يبين القدوة الذي يجب ان يتعلمها الناس} ,, فقال : (“ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به، ويستضيء بنور علمه؛ ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طُعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد”
*** ــــ> يتبين من كتب السيرة أن الجاهلين والمتكبرين .. هم أشد المعارضين للدعوة ” كانوا يعتقدون في أعماقهم بصدق الدعوة”، ومن ذلك ما روي أن رسول الله (ص) لقي أبا جهل فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: والله إني لأعلم أنه صادق، ولكنا متى كنا تبعا لعبد مناف!..
(أي أن قبول دعوته سيضطرنا إلى أتباع قبيلته)..فسر موضوع الاسلام تفسيرا عشائريا … وهناك قصص كثيرة .. ورد في كتب السيرة أن أبا جهل جاء في ليلة متخفيا يستمع لقراءة النبي (ص)، كما جاء في الوقت نفسه أبو سفيان والأخنس بن شريق، ولا يشعر أحد منهم بالآخر فاستمعوا إلى الصباح، فلما فضحهم الصبح تفرقوا، فاجتمعوا في الطريق، فقال كل منهم للآخر ما جاء به، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، لما يخافون من علم شبان قريش بهم لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظاناَ أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق مرة ثانية تلاوموا، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت اللية الثالثة جاؤوا أيضا، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودا لمثلها، ثم تفرقوا فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: اخبرني – يا أبا حنظلة – عن رأيك فيما سمعت من محمد؟
قال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها، وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء، ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.كذلك ,ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد المناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا (أي أعطوا الناس ما يركبونه) فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه، فقام عنه الأخنس وتركه… ماذا تبين هذه القصة .. اقول انها تتكرر في كل زمان لان الجحود في قلب كل متكبر وجاهل.
**روي أنه التقى أخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام فقال له: يا أبا الحكم، اخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب، فإنه ليس ها هنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا، فقال أبو جهل: ويحك والله إن محمدا لصادق وما كذب قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟! ..
يتبين من هذه الروايات وأمثالها أن كثيرا من أعداء رسول الله (ص) الألداء قاتلوه حسدا وغيظا .. وكانوا في باطنهم يعترفون بصدقه ، إلا أن التنافس القبلي وغيره لم يسمح لهم بإعلان ما يعتقدون،ولم تكن لديهم الشجاعة للاعتراف بجحودهم. هذا اعتقاد باطني , يعلمه الله ولكن يظهر على تصرفات وأقوال البعض .
** مثال الجحد في القران الكريم .. نفي فرعون وقومه آيات موسى، قال تعالى: «فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا» أي: جحدوا بها، وهم يعلمون أنها من عند الله تعالى. .. هناك حالة تشبه الجحد تسمى الانكار ,, ما الفرق بين الجحد والانكار ..
** : الفرق بين النفي، والجَحْد: الموضوع يتعلق هنا بين الصدق والكذب .. اذا كان النافي صادقا، سمي كلامه نفيا،فلان متهم ونفا التهمة .. فان كان صادقا.. فهو نفا التهمة .. قالوا له نطلبك مبلغا استفته منا .. ونفاه وهو صادق فهو نافي .. واذا كان كاذب فهو جاحد. اذن المعيار بين النفي والجحد هو الصدق والكذب , ولا يسمى جاحْد اذا صدق فهو نفا .. اما اذا كان كاذباً، سمي جحْدا،«وكانوا بآياتنا يجحدون».
*** هناك ظاهرة في القران لا بد ان نقف عندها .. يقول تعالى :«يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها» هنا جعل الإنكار للنعمة، لان النعمة قد تكون خافية.( كثير من الناس يعتبر النعمة بالمال فقط) إذن اذا كانت النعمة خافية يسميها القران انكار ..
ويجوز ان يقال: الجحد هو إنكار الشيء مع العلم به،هنا المشكلة كبيرة وبينها قوله تعالى:«وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا» فجعل الجَحْد مع (اليقين والإنكار سواء مع العلم، وغير العلم)… قصة الحوار الذي جرى بين الأمام علي(ع) والزبير بن العوام , في معركة الجمل . قال: أتذكر حين كنت تمشي مع رسول الله(ص) وقلت في علي زهو وخيلاء .. قال لك كلا بل فيه عزة .. وستقاتله يوما وأنت له ظالم. فقال له . لقد ذكرتني ما انسانياه الدهر …
ـــ** بين العلمانية والمسلمين : العرب المسلمون وغير المسلمين يعيشون في حلقة صراع أزلي ..بسبب العقد النفسية بشكل لا توصف من النفاق والتناقض, لذلك ،الأمر ليس قضية مبادئ كما يدَّعون كذبا. بل قضية مصالح -اقرب لك المثل ..
حينما تكون العلمانية في صالح المسلمين في دول أوربا .. وتعطي حقوق المسلمين كأقلية في أوربا .. تكون ليس هناك أجمل ولا أروع من قيمها الإنسانية والمدنية .. أما إذا كانت العلمانية في المجتمع الإسلامي , وحاول ذلك النظام ان يعطي للأقليات الدينية الأخرى في البلدان الإسلامية حقوقاً متساوية مع المسلمين , كالاعتراف بهم والمشاركة في الحكم في الأنظمة الإسلامية تنقلب الدنيا ويرفعون شعار”تباً للعلمانية” لذلك غالباً ما ينعتونها بأنها العدو الأول للإسلام والمسلمين.
النقطة الثانية :” جميع تعاليم وثقافات العلمانيين ياخذونها من علماء اوربا, فيتقولب عقولهم بما قرئوه من علماء علمانيين . هناك عدد قليل جدا ممن قرأ في الاسس الحقيقية للثقافة الاسلامية , فيحاول الاغلبين منهم ان تكون في المجتمعات الشرقية الاسلامية نفس القوانين الاجتماعية والأسرية السائدة في أوربا , ان تكون هنا , ولذلك وقف الإسلاميون أمام هذه الأفكار باعتبار إنها ( تهدم العفة والشرف والأعراض) كونا الأوربيون لا يعيرون أهمية لهذه المفردات . وأقول جميع من يدعو لهذه الحرية والانفتاح هو في فرارة نفسه متشدد في الحشمة والالتزام الإسلامي في بيته , ولكن يريد تطبيق هذه الحرية على الناس .دون بيته,هذه المشكلة لا تنتهي.
ــــــ القران يحدد الشكر والكفران من خلال الاعتراف بما انزل الله على نبيه محمد (ص) والثاني ان يلتزم بما يمكنه الالتزام بحدود الله . وهذه أحسن حالات الشكر.
ولهذا يقول العلماء: أركان الشكر ثلاثة لا يصح الشكر إلا بها:
الركن الأول: التحدث بها ظاهرا، كقوله تعالى: ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )
الركن الثاني: الاعتراف بها باطنا، يعني: تعترف في قرارة نفسك أنها من الله سبحانه وتعالى، فيكون قلبك موافقا للسانك من الاعتراف بأنها من الله .
الركن الثالث: صرفها في طاعة الله سبحانه وتعالى، بمعنى: أن تستعين بها على طاعة الله، فإن استعنت بها على معصية الله فإنك لا تكون شاكرا لها .بل كفر النعم.
… هناك حديث منسوب للنبي(ص) (كل ذي نعمة محسود ).. بينما هنا الاية تلزمني ان اتحدث بالنعمة التي في حوزتي .. كيف حدث الاختلاف ..؟
قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ما هو تصريف الحديث ..كيف اتكتم خوفا من الحسد .. إذا حصلت للإنسان نعمة مادية او معنوية فان هذا يوجب عليه أمورا عديدة
أولا .” شكر النعمة باللسان وبالفعل.. ومن الأفعال سجدة الشكر وصلاة الشكر.
ثانيا : (استعمالها في طاعة المنعم ) لنيل رضاه بما افترض من حقوق .. كالحقوق المالية وحق الزوجين والوالدين والمعلم كما ذكرها الإمام السجاد (ع) في رسالة الحقوق. بل هناك مشاريع فيها مصلحة عامة . كبناء مسجد او مستشفى وغيره.
ثالثا :.بذلها للناس وعدم التقصير في سد احتياجاتهم ,عن رسول الله (ص) قال: (إن لله عباداً أختصهم بالنعم يقرّها فيهم” ما بذلوها للناس” فإذا منعوها حوّلها منهم إلى غيرهم) ** عن أمير المؤمنين (عل) قال:(من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس أليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها عرّضها للزوال والفناء},
(ومنها) ما ذكرته الآية الشريفة من وجوب التحدث بالنعمة، يبدو الأمر لا يختص بالأمور المالية دون غيرها .. (ص) كما هو واضح في آيات القران الكريم، وقد يبدو الأمر غريباً إذا تعلق بالأمور المادية إذ من غير المألوف أن يتحدث الانسان في مجالسه بما عنده من اموال وبنين وعقارات ونفوذ اجتماعي وغيره ، اما في العبادات قد يدخل في باب الرياء ان يتحدث الإنسان عن الطاعات التي قام بها من صلاة وصوم وصدقة ونحو ذلك، إذن كيف نفهم هذا الأمر بالتحديث بالنعمة.
ولكن لا بد من التحدث بمعنى لنعمة ان لا يكون بعنوان إنجازاً شخصياً للاستعلاء والتفاخر وإنما بما هي منسوبة الى الله تعالى لبيان فضله وكرمه لتحبيبه الى الناس وتذكيرهم ، لذلك أضافت الآية النعمة الى الرب (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
**التحدث بالنعمة لا يقتصر على الحديث اللساني وإنما يتمثل بإظهار النعمة أمام الآخرين روي عن رسول الله (ص) قوله : (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) وعن الإمام الصادق (ع) قال : (إذا أنعم الله على عبده بنعمة فظهرت عليه سُميّ حبيب الله محدثاً بنعمة الله، وإذا أنعم الله على عبد بنعمة فلم تظهر عليه سمّي بغيض الله مكذباً بنعمة الله) . بتعبيرٍ آخر: تارةً يكون التركيز على النعمة ماديا وأخرى على التحدث بها، بصورة أوضح العيش برزق الله).
*** معنى المروءة :
هي آداب نفسانيَّة تجعِل الإِنسان يقف عند مَحاسن الأَخلاق وجميل العادات. وهي ليست شيئا محددا, أشبه شيء (كمال الرُّجوليَّة عند شخص ذكر او أنثى.. نقول رَجُلٌ ذُو مُرُوءةٍ : ذُو أَخْلاَقٍ ، ذُو نَخْوَةٍ.. وهذا للجنسين . ولكن تسمى عند النساء باسم اخر ( تسمى أصيلة). ولكن من قتل المروءة والشهامة والأصالة .؟
** دائما نقارن الماضي بالحاضر ونصف الماضي انه جميل , ونتحسر عليه !! لماذا تغيرت أخلاق الناس ..؟ صار الجار لا يهتم بجاره , والولد لا يهتم لأبيه والأخ يحسد أخاه.. ترى ما السبب , لا بد من وجود شيء قتل المروءة ..
لنعكس السؤال على اوربا وشعوبها , نقرأ ونسمع عنهم انهم حريصون على العمل ولكن لا توجد عندهم مروءة بينهم الا في حدود العمل, اما خارج العمل فلا مروءة ولا علاقات , فلم نسمع ان الاوربي يحمل طعاما الى جاره الفقبير يوما , اويتيم ..
(**) يبدو ان السبب مشترك بيننا وبينهم وهي الحالة الاجتماعية والحالة العملية حين تنعكس على الأخلاق ..نتكلم عن أنفسنا نحن قتلنا الشهامة والنخوة بأيدينا، في أنفسنا وفي نفوس أطفالنا، سابقا الطالب منذ ان يدرج الى ان يدخل المدرسة يرى ويعيش في أجواء التكافل الاجتماعي , صحيح يوجد فقر ولكن لا ينام الفقير جائعا , وهناك أمراض ولكن الدولة وجيرانه يعينونه على مرضه , حتى من كان بيته من قصب او طين يجد مساعدة في ايام الصيف والشتاء من جيرانه .. الآن كلها فقدت .. أغلق بابي وليذهب الآخرون إلى الجحيم , كيف تريد ان تكون ردة الفعل ..؟
** قديما الأم الأصيلة حين تودع طفلها ذاهبًا إلى المدرسة تلقنه قوانين الحياة , بني لا تسرق ولا تعتدي ولا تشتم , ولا تضرب صديقك , تجعله يعيش في جنة من حدائق الأخلاق , الان الطفل مجرد ان ينهره المعلم يقوم بضرب المعلم ,
ثم تأتي عشيرته لمعاقبة المدير والمعلم .. أي مروءة بقيت في الامة ..؟ كيف ستكون أخلاق الطفل , وحين يكبر يكون مشروعا للإجرام مملوء بالحقد..وجاء دورالاحزاب السياسية وضمت هذا المعقد , خلال انتماءه للحزب , وبدأت مرحلة التقارير وهدم البيوت وتصفية أهلها ..سجن الاباء وتم دفنهم في مقابر جماعية .. كيف يكون الشعب , كيف تكون الاخلاق,من هنا قتلوا المروءة فالعيب فينا وليس في الزمان .
كفار قريش عندما أخذوا من كل قبيلة رجلاً .. وذهبوا ليقتلوا النبي (ص)، ظلوا واقفين على باب بيته طول الليل بانتظار أن يخرج صباحا , رغم أنهم كانوا قادرين أن يقتحموا البيت ويهدموه على من فيه .. احدهم اقترح فكرة مجرد اقتراح .رد عليه أبو جهل بعنف : ( وتقول العرب أنا تسورنا الحيطان و هتكنا ستر بنات محمد !!؟).
كفار ولكن عندهم حد أدنى من النخوة ، كانوا يعرفون إن البيت فيه نساء ،ولا يجوز أن نكشف سترهم ، ونروعهم .. وهناك قصة عن ابي جهل حينما غضب ، ضرب أسماء بنت أبي بكر على وجهها ، بعد لحظة ظل يترجاها ويتوسل بها : (خبئيها عني ،لا تخبري أحداً ..لا تفضحيني ، ويقول الناس أني ضربت إمرأة .
قصة أبو سفيان رجل كافراً ، خرج مع قافلة في أرض الروم ، فاستدعاهم هرقل ليسألهم عن محمد.ص.سألهم : هل تتهمونه بالكذب ؟ هل يغدر ؟ هل يقتل ؟.. أجاب بالنفي .. بعدها قال : لولا الحياء أن يأثروا علي الكذب لكذبته) .رفض ان يكذب خوفا إذا رجعوا الى مكة ، يقال إن أبا سفيان كذب .. خاف على سمعته وهو كافر . والان الفضائيات لا تجد عندهم كلمة صادقة , تسعين بالمائة كلامهم كذب ولا يستحون.
العظمة هنا ليست موقف أبو جهل أو موقف أبو سفيان .. العظمة في المجتمع ..المجتمع الجاهلي الكافر كان عنده أخلاق .. وعزة وإنسانية .أما الآن المجتمع الإسلامي سفك للدماء وهتك لحرمات وشتم أمام الملأ ، وتفاخر بقلة الشرف و الدناءة في السلم و الحرب وكله باسم الإسلام والإسلام براء من ذلك..!!
*** ومن أشهر النعم التي جحد بها المسلمون هي ولاية اهل البيت(ع) نعمة الإيمان بالله ورسوله وولاية أهل البيت عليهم السلام:لابد أن نلتفت إلى أن الأهم من النعم المادية المذكورة النعم المعنويـة، عــن أمير المؤمنين (ع) قال: ((إن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب)) وعن الإمام الباقر (ع) قال (لا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق).اذا وفقك الله لعمل الخير فانه افضل من عافية بلا خير يقربك لله ..
ومن النعم المعنوية اجتماع الكلمة على الإيمان بالله تعالى وبرسوله وولاية أهل البيت (ع) كما ورد في تفسير قوله تعالى (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).. قالت الصدّيقة الزهراء (ع) في خطبتها (فأنقذكم الله بأبي محمد (ص) .
**كان أبو عبد الله (ع) إذا ذكر النبي (ص) قال: (بأبي وأمّي ونفسي وعترتي عجبٌ للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها والله يقول:(وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) برسول الله أنقذوا)
** ورد عن النبي (ص) في تفسير قوله تعالى (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (أما ما ظهر فهو الإسلام وما سوّى الله من خلقك، وما أفاض عليك من الرزق، وأما ما بطن فستر مساوئ عملك ولم يفضحك به)،
** الجحود بين الابناء والابوين : عادة ما ينشيْ الخلاف بين الابناء والابوين بسبب عدم تنسيق المنهاج التربوي بين الاب والام . وطفولة الابناء تكون بريئة , فاذا لم يحسنا التربية سيكون ولدهما مشروعا للجحد والعقوق . ومن الامثلة لعدم التنسيق, حين يخطأ الطفل ويريد الاب معاقبته او تربيته تالتي الام وتعارض ( فيتو) ضد الاب.
** رات في المنام والدة الشيخ مرتضى الأنصاري وهو من مراجع القرن الثاني عشر الهجري الإمام الصادق(ع) أهدى لها قرآنا مذهبا! كان تفسير الرؤيا أن الله سيرزقها ولداً عالماً يروج لأحكام الله وفقه أهل البيت(ع) وفعلا أصبح ولدها الشيخ الأنصاري المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم.
ورد أنه بعد عودته من كل درس كان يمر على والدته يسلم عليها ,يجلس عندها ويتحدث معها ,ويلاطفها . حتى يدخل السرور على قلبها .ذات يوم خاطبها مازحا هل تذكرين يوم كنت أدرس المقدمات كنت ترسليني لشراء حاجيات وأنا أؤجل ذلك إلى انتهاء دروسي وأنتِ تغضبين ,وتقولين: أنا بلا ولد يعينني. فهل لا تزالين بلا خلف يا أماه؟ فترد عليه أمه العجوز وهي مازحة أيضا: أجل اليوم كذلك,اليوم صرت شيئا في هذه الدنيا, تحتاط في إعطائنا من بيت مال المسلمين, فلا زلت تجعلنا في ضيق!
فقال كيف .؟ قالت كم هي الأموال التي تبعثها إليك الشيعة من البلاد الإسلامية؟ فلماذا لا تساعد بها أخاك منصور.. إنه محتاج ولا يكفيه ما بيده, أعطه قدر حاجته!
فنهض الشيخ مرتضى الأنصاري وقدم إليها مفتاح الغرفة التي يحفظ فيها أموال المسلمين.وقال لها: أي مقدار تريدين خذيه لأبنك, وأنت مسؤولة أمام الله .اليوم كم شخص يعطي الاموال المحرمة ويصرفها على عائلته .؟
*** الأم والزوجة في معركة كربلاء..ان إلقاء الضوء على دور المرأة في قضية الإمام الحسين (ع) يمكن أن يوضح دورها في المجتمع لاسيما في الحركة السياسية والاجتماعية ، فالمرأة كان لها دورا كبيرا ومهما في النهضة الحسينية لا يقل عن دور الرجل فيها، ولاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار الخصوصيات التي يتميز بها الإمام الحسين (ع) كإمام مفروض الطاعة وله مواصفات خاصة لا يشبهه أحد من الناس. ولكن المرأة بفضل إيمانها بالعقيدة ومحبة الحسين (ع) أدت دورا كبيرا .
*** المرأة الموالية تدخلت في صياغة ثورة كربلاء
كثير من النماذج اشتركتن في واقعة الطف وبلغن القمة في ذلك الدور، وتألقت في عالم الإنسانية لتخلد بخلود الموقف،الان لا يمكن ان تذكر حركة النبي(ص) الا وتذكر اسم خديجة الكبرى, ولا تذكر موقف علي(ع) من الفتنة الكبرى , الا وتذكر مولاتنا الزهراء , وكذا في كربلاء زينب ونساء الأنصار ..
هناك امراة من بني اسلم , استشهد زوجا في يوم عاشوراء , وحملت مع السبايا , لما دخلن الكوفة اجتمع الناس للتفرج عليهن ,وحدثت بعض الحوادث منها ان الأطفال كانوا جياع وعطاشى . والطفل حين يجوع يرق له قلب العدو والصديق من في قلبه إنسانية . فجاء أطفال بيدهم خبز قدموه للاطفال . فنظر الاطفال لعمتهم زينب . فقالت نحن ال بيت النبوة لا تحل الصدقة علينا ..
فنادت امراة من بني اسلم ( وا اسلماه ) فجاءها بنو عمومتها وسالوها عهن الشعار الذي نادت به , فقالت انا اسلمية فذهبوا الى ابن زياد وقالوا قتلت زوها والان اتركها هذه بنت عمنا. وهكذا جاءت كل عشيرة يسالون النساء من منكن من العشيرة الفلانية .. ارتفع النهار لم يبق الا بنات رسول الله(ص)
صارت زينب تلتفت يمينا وشمالا .. ليس لها معيل ,التفت الى راس ابي عبد الله :
خويه كلمن عشيرتها لفوها **** وبين المحامل طلعوها ** بس انا العشيرتها جفوها *** وينك يبو فاضل يخوها … تسمع باذنها شتم ابوها ..
اشمال النّاس تتفرج علينه ** عمت عينه اليصد بالعين لينه *** يخسه الگال لن غايب ولينه *** وراسه اعلى الرمح لينه ايتفكر.
جَرَتِ المَدَامِعُ يَوْمَ شِمْرٌ شَمَّرَا عَنْ سَاعِدَيْهِ وَمَتْنَ زَيْنَبَ أَثَّرَا
صَرَخَتْ وَنَادَتْ وَالفُؤَادُ تَفَطَّرَا أَنْعِمْ جَوَابَاً يَا حُسَيْنُ أَمَا تَرَى
شِمْرَ الخَنَا بِالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعِي*** فَأَجَابَهَا مِنْ فَوْقِ شَاهِقَةِ القَنَا قُضِيَ القَضَاءُ بِمَا جَرَى فَاسْتَرْجِعِ .. وتكفلي حال اليتامى واصبري **ما كنت اصنع فيهم فاصنعي ..
اصيج يا زينب بالعيال **عينج دحطيهم يم الاطفال
تدريهم اربات دلال .. ومن الشمس ينرادلهم ظلال
تكله بعيني لاباريلك عيالك .. وبروحي لسجتلك اطفالك ..
ولون الموت يرضى بدالك .. رحنا تره كلنا فدالك