لا نريد الإيغال في تحليل الطائفية أو التشاكي منها،أو محاولة عدها آفة طارئة على شقا فتنا الحياتية، فان من الثابت على المثقف العراقي بإنه كان ومازال منذ ستينيات القرن الماضي يرغب بالتخندق السياسي والارتماء في أحضان الايدولوجيات والأحزاب والقوى السياسية الغالبة منها أو المغلوبة،والعمل على اتخاذ وسائل مؤسساتية خارج خطاب الثقافة والفكر والأدب ظنا منه بأنها الوسائل الأكثر تسريعا بالحصول على شهرة أو مركز أو مال، ولعل في تجربة الثقافة التعبوية بالأمس أي في ثمانينات القرن الماضي، كانت كفيلة بتأشير مدى التسارع والتهالك على عطاءات الدكتاتور الواحد الموحد بينما تفرقت الدكتاتوريات اليوم وتعددت في ديمقراطيتها المزيفة وسلبها ونهبها للمشهد العراقي حكومة وشعبا، وصار المثقف يبحث عن تحزبات دينية ومشارب دنيوية يختلط بها الفيزيقي بالميتافيزيقي، والذاتي بالغيبي والنفسي بالمعتقدي، بالطبع إن تحسس واضح سيكون باديا للعيان من صراحة كهذه التي نتكلم فيها، فا المثقف العراقي هو من أكثر الشخصيات اتصافا بالإزدزجية والتناقض والكيل بمكيالين، وغالبا ما يسلك سلوك مذهبه ،ألسني أو الشيعي في كل تقاليد حياته الشخصية ملتزما بحجاج الزوجة أو الأخت ضاربا الخناق على أسرته متشددا في احتكامه الأخلاقية وتخلفه المدني وحراسة أوثانه المرجعية وإتباع فتاواهم، بينما هو يتظاهر بالتحررية والليبرالية والتنويرية وحداثة القول والفعل، وغالبا ما كنت ألمس لمس اليد حالات التعصب الطائفي التي تظهر حتى في جلسات الخمر وأحاديث الليل التي يكثر فيها المباراة والتنافس ومحاولة دفع الجمرات باتجاه خبز هذا الرغيف الطائفي أو ذاك، كاشفين عن مخزون في الاطلاع على فقه مذاهبهم ومطالبين للثار من السلف ومن الأئمة أو من الصحابة المقربين إلى محمد أو إلى علي، كما إن من اللافت للنظر إن عدد غير قليل من الشعراء والمبدعين من جيلي أو من الأجيال اللاحقة لنا صارت تزرع ثقافة تعبوية جديدة تتمثل في استلهام الرموز الدينية ووضع القصائد الطوال عنها، بل وإقامة المهرجانات والمحافل الدينية لصالح غالبية هذه المذهب أو تسيده السياسي، مكررين بذلك تعبوية الثقافة الرسمية الصدامية المعروفة من قبل، بل ويصل الأمر ببعض المبدعين المعروفين إلى وضع إعمال نفاقية صورية واضحة الأداء لتبجيل بعض الشخصيات الدينية والعزف على نغمة العظمة والإلهية فيهم، متناسيين بان هذا سيكون كفيلا بدعم الدكتاتورية الدينية التي تسعى كل ثقافات العالم إلى مصارعتها والحد منها ،كل هذه المظاهر الخطيرة تعرض الثقافة العراقية إلى عملية سطو ونهب من الجانب الديني المتفشي كمذهبية عدائية لا تسعى إلى اعتناق الخطاب الإسلامي الموحد أو تسعى إليه وهي ثقافة المثقف العراقي اليوم في غالبيته العظمى إلا ثلة من الأولين وقليل من المتأخرين، الذين مازالوا يجاهدون السلطات والتا بوات الثلاثة المعروفة “بالدين والجنس والسلطة” بينما كان الدين ومازال هو العقبة الكبرى في مسيرة العقل العربي وتراجعه وتفككه وقلت الاختلاف والاجتهاد والتجديد فيه أليس كذلك ؟ .