لم تعد كرة القدم مجرد لعبة ساحرة بين فريقين، بقدر إنعكاسها سياسياً وسياحياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وتعبير عن رقي الشعوب وتقدما بشتى المجلات، وكم علاقة دولية إنصهرت في بودقة السلام، بمباراة كرة قدم بين فريقين ربما لا يفهم أحدهما لغة الآخر، وأحياناً تصل للتشنج والتصعيد الإعلامي بين دولتين لدرجة قطع العلاقة الدبلوماسية، والتهديد بالحرب بعد نهاية مباراة كرة قدم كما حدث بين مصر والجزائر في سنوات سابقة.
يبدو أن عالم الشرق متأخر بمختلف المجلات، وأن إشترى الحضارة بالبترول، أو إدعى الحرية والتحضر في ظل قيود حكام وتقاليد معقدة.
كأس العالم واحدة من أهم الفعاليات الدولية، لتلاقح الأفكار وتقارب الشعوب، ويعمد رؤوساء الدول لحضور المباريات، تعبيراً عن دعمهم لمنتخاباتهم وشعبيتهم ومشاركتهم في الصغيرة والكبيرة، وما يمكن أن يضيف الحضور في المحفل الدولي مردودات إقتصادية وسياسية وإجتماعية على الدولة.
الشرق الأوسط والعرب تحديداً، من أكثر الشعوب تراجعاً في شتى المجالات ومنها كرة القدم، وهذا لا ينفي وجود طاقات لا تُكتشف إلاّ حينما تعمل في الدول الغربية، ومنهم برز محمد صلاح كأفضل لاعب في الدوري الانكليزي لهذا الموسم، لكنه لم يكن بالمستوى المطلوب مع المنتخب المصري، وهذا الحال عند الأطباء والمهندسين والمفكرين العرب، وهم لا يبذلون كل طاقاتهم في بلدهم حرصاً على مستقبلهم، وعدم ضمانهم مكافئة إنجازهم.
الجوامع من أموال الشعوب إستغلتها الحكومات والجهات المتطرفة، بينما الجامعات من واجب الحكامات، وفشلا معاً بأداء دورهما معاً، وتقدم الغرب على العرب بمستوى التعليم وعدد القراء والتخصص الأكاديمي حتى في أبسط المهن، والقوانين أعراف لا تحتاج الى قوة السلطة، وبدل تأدية الجامع لدوره التربوي والأخلاقي والديني، أصبحت أكاديمة للقتل والذبح ونشر الكراهية، ناهيك عن المناهج التدرسية، التي تبدأ بالاطفال لتعليم التكفير.
نفس المجتمعات التي أنجبت محمد صلاح وزها حديد، وتأثرالغرب بطريقة سجوده عند تسجيل هدف، وعمارة زها حديد التي أبهرت العالم، تلك المجتمعات أنجبت أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو بكر البغدادي، وعشرات آلاف من الشباب القتلة، وشتان بين صنفين متناقضين أحدهما عايش الحضارة والتقدم العلمي وصار مبدعاً متفوقاً بأدواتها، فيما الفريق الآخر إستغل فسحة الحرية ليعكر صفو الشعوب الآمنة، وتشدد في ديار يعيش على موائدها.
أظهرت نتائج كأس العالم هذا العام، تأخر العرب وسيكون أول المغادرين، لولا لقاء السعودية ومصر الذي سيضمن فوز أحدهما أو نقطة لكل منهما.
ظاهر المنتخبات العربية كحكوماتهم، لا يستطيع أحدهم أن يتفوق أو يتعادل إلاّ مع عربي، ونجاح محمد صلاح وغيره في الغرب وفشله مع دولته سببه سوء إدارة هذه الدول، وجامعاتها لم تعد تختلف عن كثير من جوامعها بتصدير الإرهاب، فيما أشارت التغريدات المتصدرة للمواقع العربية، بأن منتخب السعودية أدخل بعض اللاعبين على أساس محسوبيات، فيما ذكرت تعليقات تهكمية عن عدم إستجابة دعاء المصريين، لأن السعودية خسرت بخمسة أهداف وهي قرب الكعبة، فيما لن يخيف أبو الهول طلائع الحضارة القادمة بضراوة لعرب يجترون الماضي، ومعتمدين المحسوبية والسلطة في إدارة شؤونهم، ويرفعون أيديهم بالدعاء من جوامع للتكفير بالنصر على الأعداء الكفرة، وحالهم كطالب لا يقرأ يوم الإمتحان، ويتمنى النجاح بالدعاء، هكذا أفهمتهم جوامعهم وجامعاتهم!