تحاول الكثير من الأسماء التي تشتغل في السياسة او الدين أن تتخذ من بعض المؤسسات العريقة قواعد للانطلاق نحو تحقيق أمجاد وحيازة أماكن في وسط المجتمعات، ومن هذه المؤسسات الجامعات ، التي وجدت للتعليم والتعلّم والبحث والتطوير للمجتمعات وليست منابر وعظية دينية او سياسية لتبييض الوجوه وتحسينها ، وهذا ما نلمحه اليوم في العراق ، عندما يريد البعض ان يجيّر الجامعات له ولمؤسساته ومنظماته وأحزابه متخذاً من الجامعة مقراً له ولأفكاره ومنبره ، فلاحظنا منذ التغيير في 2003 والى اليوم كيف ان الجامعة تم اتخاذها مكاناً لبعض المهرجانات الدينية ، بل أقيمت في الجامعات شعائر دينية نحن في غنى عنها في هذه الاماكن وفيها تعدٍ صارخٍ على الحريات والحقوق المجتمعية عندما تفرض بهذا الشكل السافر في داخل أروقة الجامعات ، كذلك اتخذت الجامعات منابر سياسية لبعض سياسيي الصدفة ممن تسلموا زمام الامور بعد التغيير. ففي كل مناسبة وموسم انتخابي نراهم يرتادوا الجامعات كي يبتدؤوا حشوهم اللامسؤول تجاه الجامعة والمجتمع ، بل وصل الامر ببعض الجهات ان استخدمت طلاب الجامعات مطية تمتطيهم في مناسباتها الرسمية والدينية على حدٍ سواء ، متناسين ان الجامعة يجب ان تكون بعيدة عن اية ممارسات من هذا النوع وان يتم الحفاظ على استقلاليتها وحياديتها داخل المجتمعات لأنها مكان علمي وبحثي ينبغي استثماره في تطوير المجتمع لا في زيادة مشاكله. واقترح كي لا تتكرر التجارب المريرة باعتداءات سافرة على الحرم الجامعي او على طلاب الجامعة او ما شابه ان يتم الالتزام بالنقاط الآتية للحفاظ على الجامعات العراقية من تدخل الاحزاب والمؤسسات الدينية الحاكمة والمتحكمة في المجتمعات كي لا تتكرر المشاكل المفتعلة :
1- ان يتم الحفاظ على استقلالية الجامعة وابعادها عن المهاترات السياسية والحزبية الضيقة وابعادها كذلك عن ان تكون موئلاً للسياسيين في مواسم الانتخابات.
2- ان يتم ابعاد القضايا الدينية والشعائرية عن الحرم الجامعي ومن لديه مهرجانات دينية عليه ان يمارسها خارج الحرم الجامعي لا داخله كي لا تُستفز مشاعر الآخرين بالفرض والاكراه ، وكي تكون الشعائر محترمة عندما تؤدى في مكانها وزمانها المعيّنين .
3- ان يلتزم اساتذة الجامعات كما طلبتها بالحفاظ على استقلالية الجامعة وحياديتها وإبعادها عن المهاترات والمناكدات.
4- ان يتم احترام الجامعة من قبل السياسيين وألا تكون ردود فعلهم هوجاء عندما يتعرض لهم طالب داخل الجامعة ، حيث تكون ردات فعلهم عنيفة وغير مسؤولة ، لأن التاريخ موجود ويسجل .
5- ان تحتضن الجامعات المؤتمرات العلمية والبحثية الرائدة التي تسهم في زيادة انتاجية الجامعة وتسهم في ريادتها واسهاماتها البنائية داخل المجتمع ، لا ان تكون الجامعة مكانا لاحتضان مؤتمرات حزبية ودينية ضيقة تسهم في خراب الجامعة في الجوانب الفكرية والعلمية .
6- ان تسهم الدولة مباشرة في الحفاظ على قدسية الجامعة كمكان علمي لا صرح منبري يتم استغلاله للدعايات الانتخابية .
إن الجامعة بتشكيلاتها ومراكزها البحثية وطلبتها وأساتذتها تشكل صرحا علميا يسهم في ارساء قواعد التنوير التي تحتاجها المجتمعات ، كلما حافظنا على ثوابتها وجعلناها ركيزة مجتمعية رائدة تسهم في التطوير والحداثة والتحديث وتحافظ على الاسهامات المعرفية المتاتية منها واليها ، اما اذا بقيت ضمن الاشكاليات التي تحدثنا عنها واصر البعض ان يتخذها مكانا لعرض بطولاته وهيمنته ، فهنا يدق ناقوس الخطر على هذه المؤسسات العلمية البحثية المهمة التي ساهمت وما زالت في تطوير العالم في مجالات الفكر والعلوم والثقافة والفلسفة والفيزياء والكيمياء وهندسة الفضاء والطرق والجسور والعمران والبناء وكل شيء جميل نراه اليوم في العالم هو من نتاج الجامعات العلمية الرصينة في المجتمعات العالمية ، فلنع هذه الأهمية كي نسهم في إرسائها مجتمعياً ونحوّل جامعاتنا اليها تدريجياً ، وإلا ساهمنا في تدميرها عندما تكون مفتوحة امام التجمعات والأحزاب والحشود الهائجة.
نقلا عن المدى