أمس أيضاً وقع في إحدى الجامعات العراقية حادث آخر، أقل ما يمكن أن يُقال فيه أنه مزعج ومؤسف .. كان يُمكن الحؤول دون أن يكون، وما كان ينبغي أن يكون في الأساس.
وما حدث في جامعة الديوانية أمس، هو أنْ قوّة مسلحة أطلقت النار داخل الحرم الجامعي، فأصيب طالبان بجروح، وساد ذعر في المكان. القوة المسلحة هي حماية لواحد من الزعماء السياسيين كان مدعوّاً لإلقاء محاضرة أو كلمة في احتفالية لمناصرة الحشد الشعبي، كما جاء في الأخبار.
بصرف النظر عمّنْ أخطأ أولاً وبدأ الاستفزاز أمس، ليتطوّر الأمر الى مستوى استخدام السلاح الحيّ، فإن الحادث كان يمكن له ألا يكون أو ألا يبلغ درجة إطلاق النار، لو أن أفراد الحماية راعوا حرمة الحرم الجامعي ولم يدخلوا إليه بسلاحهم. وكان يُمكن ألا يحصل بالمرة أي حادث لو روعي مبدأ أن الجامعات مخصّصة للدراسة والبحث العلمي، وأن النشاط السياسي داخلها أمر غير محبّذ.
النظام السابق، تأسيساً على منطلقاته الشمولية، هو الذي أسّس لتحويل الجامعات الى ساحات للعمل السياسي والنشاط المخابراتي .. من نواتج ذلك، بل الناتج الأعظم له، أن المستوى العلمي لجامعات العراق قد تدهور على نحو خطير، فلم تعد شهادات الجامعات العراقية تلقى القبول المناسب في المحافل العلمية والاكاديمية الدولية، بل إن النظام التعليمي، بشقّيه الأساس والعالي، قد انهار تقريباً.
الدعوة لإبعاد السياسة عن الحرم الجامعي لا تعني عزل الجامعات وطلبتها عن السياسة والحياة السياسية تماماً، فطلبة الجامعات جزء حيوي من المجتمع، وانخراطهم في العمل السياسي والمجتمعي لا غبار عليه، لكن خارج أسوار الجامعة، وإذا كانت ثمة حاجة لنشاط ذي طابع سياسي داخل الحرم الجامعي (مؤتمرات، ندوات علمية ، سياسية..) فيتعيّن الاهتمام بألا يكون النشاط مما يثير الشقاق والنزاع بين الطلبة. ومن المتعارف عليه أن تجري مثل هذه النشاطات عن طريق الاتحادات الطلابية والجمعيات التخصصية الجامعية. واذا ما أراد السياسيون، وبخاصة الزعماء، المشاركة فيها، وهو حق مكفول لهم كما لغيرهم، فيتعيّن الالتزام بالقواعد المرعية داخل الحرم الجامعي، وفي مقدمها عدم إدخال السلاح إلى هذا الحرم، وعدم إثارة أعمال العنف فيه.
ساحات المجتمع، خارج الاسوار الجامعية، واسعة جداً، يُمكنها استيعاب كل نشاط سياسي وغير سياسي، وهي الملعب الأكثر جدوى للسياسيين من أي ملعب آخر.
نقلا عن المدى