السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي المحترم… السادة مسؤولو المؤسسات الاكاديمية المحترمون…تم التطرق في الجزئين السابقين للأساسيات المفترضة في التخطيط و الشروع في استحداث جامعات جديدة استنادا للحدود الدنيا المعمول بها عالميا و واقع حال التجربة غير السارّة في العراق، أضافة لاستعراض متطلبات و مواصفات الملاكات التدريسية المناط بها قيادة تلك الجامعات المستحدثة و ما يفترض ان يكون عليه اسلوب التعامل مع تلك الشريحة باعتبارها العنصر الاهم و الابرز في نجاح او فشل العملية برمّتها مع اشارة مختصرة “مشّفرة” لواقع حال أقل ما يمكن وصفه أنه “غير صحّي” و لا يبشّر بمستقبل واعد….
أستعرض في هذا الجزء بعض مفارقات تدعو لإعادة فتح ملفات استحداث الجامعات في العراق الذي تم في سنة 2014، كلّا او جزءا و التوجه لإلغاء تلك الجامعات و الحاقها بالجامعات الاكثر استقرارا….لما سنرى من دواعٍ و ثغرات…
لم تكن سنة 2014 سنة عادية، رغم انه لا يمكن وصف اي سنة من سنوات هذا البلد المسكين بالاعتيادية منذ عشرات السنين،…. غير ان تلك السنة قد تميزت بمنعطفات خطرة جدا أبرزها الظهور المفاجئ لداعش كقوة محتلة لا تقهر، استولت على ثلث مساحة البلد!!!، و ظهور موجة هائلة من التهجير و النزوح الاضطراري للكثير من المواطنين بينهم طلبة و اساتذة و موظفين…. رافق ذلك الامتناع غير المفهوم “علنا على الاقل” عن التصويت على الموازنة الاتحادية العامة للبلد مما ترك المؤسسات الحكومية و غير الحكومية في حال من التخبط و الحيرة فيما يتعلق بالتصرفات المالية و التخطيط لها… هذا اذا لم ننس انها كانت سنة انتخابية عاصفة شهدت ما شهدت من صراعات و مناكفات بين مختلف الفرقاء للاستيلاء على اكثر ما يمكن من موارد السلطة و السيطرة… يمكن عندها تصوّر حال التوتر و اختلال البوصلة المتوقع من تظافر كل تلك الظروف في اي بلد مستقر… فكيف لو كانت ذلك البلد هو العراق!!!!؟؟؟
وسط كل ما ذكر أعلاه يتم، فجأة، الاعلان عن تأسيس 14 جامعة في مختلف مناطق العراق تحت مسمى “الجامعات المستحدثة” و عنوان “جامعات تخصصية”!!! في بلد يكاد قطاع الصناعة “العام و الخاص” فيه ان يكون ميتا، و القطاع الزراعي يئن تحت وطأة الاهمال و العطش و القطاع الصحي في أردأ حال….فمن الذي شخّص الحاجة للتخصصات و الاعداد المطلوبة و اين هي دراسات الجدوى؟؟ و مع انه غير مفهوم هذا الاصرار على ان تكون جامعات و ليست كليّات.. و هذه سنعود اليها لاحقا لأهميتها في كشف واحدة من ابرز اسباب عدم التوفيق في هذه الخطوة،… فان المتعارف عليه عالميا ان استحداث جامعات او كليّات، ان يكون البلد و مؤسساته الانتاجية خاصة على درجة عالية من الاستقرار و النمو بما يستدعي ضخ دماء و طاقات جديدة للانطلاق العمودي في تلك المؤسسات الانتاجية نحو آفاق اكثر تخصصية اضافة للسيطرة على معدلات البطالة و تحسين ناتج الدخل القومي….فهل يقترب هذا من واقع العراق في تلك السنة او الفترة تحديدا؟؟؟ تلك واحدة….
أيضا…يقفز لواجهة الحوار تساؤل احمر قانٍ، عن سر حملة الشروع بإنشاء 14 جامعة “اكرر جامعة و ليس كليّة” مع ما تتطلبه من نفقات تأسيس ضمن فقرة الاصفار التسعة في وقت كان البلد فيه على حافة هاوية تهدد كيانه كدولة و انهيار اقتصادي شامل بسبب شبه توقف الانتاج النفطي و التصدير في المنطقة الشمالية و ملايين المهجرين و النازحين و نفقات هائلة للقطاع العسكري وووو و كل ذلك بالتزامن مع انهيار اسعار النفط “المورد الوحيد لميزانية البلد”…هذا اذا لم نتطرق للتضخم الاضافي في اعداد موظفي الدرجات الخاصة من كبار مسؤولي تلك الجامعات و تشكيلاتها، و معظمهم، واقعا، من ذوي الدرجات الادنى التي “قد” لا تقترب من الدرجة الاولي قبل التنصيب…نعم لو كان اولئك المسؤولين الجدد من ذوي الخبرات و الدرجات العلمية المتقدمة و من الحائزين على مكانة علمية عالمية تمثل اضافة و دفعا للمؤسسات المستحدثة…لو!!!..
أيضا و أيضا، و بلحاظ شبه انعدام اي تخطيط حقيقي لتلك العملية المفاجئة و كون قرار الانشاء لم يكن اكثر من توقيع على ورق و الذي برز من خلال الحيرة الكبيرة للقيادات المكلفة بإنشاء تلك الجامعات في ايجاد مقرات ولو وقتية لتلك المؤسسات “فشلت بعضها في ذلك ايضا مما ادى لاختفائها” ….و التفكير الطويل “الذي تجاوز السنة مع بعضها” بعد ذلك التأريخ في ماهية و عناوين التخصصات التي يمكن على أساس عناوينها القول بوجود حقيقي لتلك ال”جامعات المستحدثة”، نصل لنتيجة منطقية مفادها تفنيد المسوّغات المعلنة عن حاجة سوق العمل لان القبول بتلك المقولة لا يعني سوى القبول بأسلوب “تحضير العلف قبل الحصان”!!! و هي سياسة ادارة مقلوبة و لا ينتج عنها سوى هدر و ضياع للموارد المالية و البشرية و اشاعة العشوائية “هذا توصيف حسن النيّة …واقعا”…يتبع…