18 ديسمبر، 2024 7:17 م

الجامعات المستحدثة…ما لها و ما عليها

الجامعات المستحدثة…ما لها و ما عليها

السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي المحترم…السادة المحترمون مسؤولو الدوائر و المؤسسات الاكاديمية في العراق.. اعرض لأنظاركم قراءة شخصية مختصرة لواقع التعليم العالي في العراق اتمنى فعلا ان أكون مخطئا فيها.. فان رأيتم ان تقبلوها فأنها ستكون دفعا لعملكم و رسالتكم نحو الامام و ان رأيتم انها غير صحيحة او غير دقيقة فاهملوها….
نافلة القول ان المؤسسات الاكاديمية و الجامعات على رأسها، انما هي مركز أساس من مراكز بناء الفكر و انتاج الكفاءات و القيادات المسلّحة بمختلف العلوم و الملكات المهنية و الادارية و الانسانية بما يتلاءم مع الحاجات الآنية و المستقبلية للمجتمعات المختلفة. على ما تقدم تقفز للواجهة ضرورة التجديد و التغيير حسب المتغيرات الزمانية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و غيرها، سواء كان التغيير و التجديد من رحم تلك المؤسسات نفسها او بإضافة و استحداث مؤسسات اخرى عند اقتضاء الحاجة او عدم وجود امكانية لدى المؤسسات الموجودة اصلا، لذلك الاستحداث لأسباب مختلفة…..و من هنا جاء مصطلح …الجامعات المستحدثة!!!
لماذا يتم “او تم” استخدام مصطلح “المستحدثة”؟ هل يرتبط الاسم بفترة زمنية معينة. سنة واحدة…اربع سنوات..؟؟ و هل الفترة الزمنية هي المحدد الوحيد؟؟!!!
الاصل في استحداث جامعات اما ان يكون عائدا للعامل الجغرافي، بمعنى استحداث جامعات في رقع جغرافية لا تتوفر فيها او قريبا منها جامعات يمكن لها ان تستوعب العدد الكبير من الطلبة من سكنة نلك الرقع الجغرافية…..او ان يكون عائدا للعامل النوعي، بمعنى استحداث جامعات تضم تخصصات ذات اهمية كبيرة ولم تجد لها مكانا في الجامعات الاخرى………..ربما “بل بالتأكيد” توجد دواع و اسباب اخرى لاستحداث جامعات لا علاقة لها بكل ما يمكن ان يقال علنا….و هذه سأتركها لمقال لاحق…
سواء كان العامل الجغرافي او العامل النوعي وراء قرار استحداث جامعة معينة فان المنطق يفرض توافر مقومات اساس لا يمكن بغيرها لعاقل توقع نجاح ذلك الاستحداث او على الاقل استمراره فترة معقولة، و ابرز تلك المقومات تقفز البنى التحتية، ابتداءا من الموقع الجغرافي المناسب لاستيعاب مؤسسة اكاديمية حقيقية ضمن بيئة آمنة للشاغلين المتوقعين من طلبة و تدريسيين و ملاكات ادارية و فنية مختلفة، مع سهولة و يسر طرق المواصلات منها و اليها. ايضا تأتي البنايات التي يجب ان تمتلك الحد الادنى من مواصفات الجودة المنصوص عليها في الوثائق المعتمدة من نواحي المساحة و الخدمات الاساسية و التخصصية و الملحقات، بما يحترم انسانية الشاغلين و خصوصية المكان…هذا اذا تم التغاضي عن البنايات الملحقة للأنشطة الاجتماعية و الثقافية و الرياضية و الفنية و الخدماتية…
لكن يبقى المقوم الاساس الذي لا يمكن ان تقوم لأي جامعة قائمة دونه ..الا و هو الملاكات التدريسية المتخصصة اولا و الدرجات العلمية الكافية لنلك الملاكات ثانيا… ناهيكم عن الملاكات الفنية و الادارية المتمكنة و القادرة على النهوض بعبء جامعة جديدة و تنظيم سجلاتها و وثائقها ابتداءا من الصفر…
فهل يتوافق ما تم ذكره اعلاه مع الواقع الحالي للجامعات المستحدثة في العراق؟؟
لقد تم “حسب علمي و منابعتي الشخصية” استخدام مصطلح “الجامعات المستحدثة”، و هو مصطلح لن نجد له مثيلا في الدول المتقدمة او المتوسطة من ناحية رصانة التعليم، بغرض منح تلك الجامعات فرصة للعمل دون الخضوع للضوابط و الاحكام التي تخضع لها الجامعات ذات التأريخ الطويل و التي تتمتع باستقرار نسبي في اداراتها العليا و المتوسطة… و قد يكون هذا مقبولا من الناحية المنطقية خاصة مع ضرورة تحديد المدة الزمنية للتمتع بهذا الامتياز الخطر مع ضرورة الخضوع لرقابة و متابعة رصينة ايضا للناكد من تنفيذ خطوات الخروج من تلك الحماية….لكن بالمقابل و مع استخدام مظلة “مستحدثة” للخروج من متطلبات أساس لأي مؤسسة اكاديمية، فان المنطق لا يمكن له ان يستوعب السماح للمستحدثة بالتوسع في التمتع بامتيازات و مسؤوليات كفتح دراسات مسائية او موازية او دراسات عليا او مكاتب استشارية و غيرها، ما دامت غير مؤهلة لمتطلبات الدراسات الاولية بدليل تمتعها بنلك المظلة….فلماذا اذن؟؟ و لصالح من؟
عودا على عوامل استحداث تلك الجامعات، فمتابعة بسيطة لمواقع عدد لا بأس به من الجامعات المستحدثة ستخرج بنتيجة انها، و بدلا عن ان تكون اضافة عمرانية لما هو موجود اصلا، قد تم الشروع بها في مواقع وقتية، أكلت من جرف بعض الجامعات الاقدم او بعض المؤسسات و الممتلكات الحكومية او غير الحكومية “بعضها سكني اصلا” لا يمكن ان تقارن بأي مدرسة ابتدائية في دول اوربا الفقيرة او حتى الدول ضمن المحيط الاقليمي و بنايات ضيقة لا يتلائم بناؤها في الاساس مع متطلبات العملية التدريسية و البحثية…و الادهى ان نلك المواقع و البنايات “حتى” لا يمكنها استيعاب طلبة و تدريسيي و ملاكات تلك الجامعات لأكثر من مرحلتين دراسيتين!!!! لذا نراها تتقافز خلال فترة زمنية قصيرة بين مواقع مختلفة و متباعدة، جارة معها الطلبة و المنتسبين مجبرين..!!! …اكرر…لماذا اذن؟؟ و لصالح من؟
أما من الناحية النوعية، فان المنطق العلمي يفترض اصلا وجود دراسات و تحليلات لبيانات سوقية و اقتصادية لتحديد نوعية تلك الاختصاصات و التوصيفات الوظيفية لخريجيها، و على اساس تلك الدراسات يتم الشروع بتوفير الامكانات لاستحداث جامعة، لا ان تكون العملية بالمقلوب، حيث تم استحداث بعض تلك الجامعات ثم يتم سماع تصريحات اعلامية حول السعي لإيجاد فرص عمل و احتياجات سوقية حكومية او غير حكومية للخريجين!!! ذلك اضافة للخلل الابرز في مفصلية بعض “المستحدثة” و المتمثل بعدم توافر الملاكات التدريسية نوعا “درجات علمية” و عددا، مما أدى الى السحب غير المدروس لملاكات جامعية غير متخصصة في الجامعات الاخرى “اجباري في غالب الاحوال” دون ان يكون الاستحداث بوابة لاستيعاب الملاكات المتخصصة العاطلة عن العمل من اصحاب الشهادات العليا و الاولية باسلوب استحداث الدرجات الوظيفية ..
بلحاظ ما مذكور اعلاه بشكل ملخص، فأين الجدوى من الاستحداث اذن؟
ان حصول خطأ او اخطاء في التقدير في السابق لا يمنع امكانية اتخاذ قرارات جريئة للإصلاح سواء بالإلغاء او الدمج بما يسمح بتعديل المسيرة العلمية و الاستثمار الكفوء للموارد البشرية و المالية ..
يتبع…..