23 ديسمبر، 2024 8:53 ص

الجامعات التقنية والقدرة على تحقيق الأمل للشباب/1

الجامعات التقنية والقدرة على تحقيق الأمل للشباب/1

بموجب التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 الذي صدر في سنة 2014, فقد تم تخويل مجلس الوزراء الموافقة على استحداث الجامعات باقتراح من وزارة التعليم العالي , وخلال النصف الثاني من عام 2014 حصلت الموافقة على استحداث أربعة جامعات تقنية ( الفرات الأوسط , الوسطى , الجنوبية , الشمالية ) , وقد باشرت هذه الجامعات اعمالها في العام الدراسي 2014 / 2015 بعد أن إنظمت إليها الكليات والمعاهد التقنية استنادا الى توزيعها الجغرافي , وأصبح لهذه الجامعات استقلاليتها العلمية والإدارية والمالية وشخصيتها المعنوية , ومن المؤمل ان تكون هذه الجامعات في مواقع الريادة والتألق لأنها تختص بنمط التعليم التقني , الذي يعدونه الاقرب لتغطية احتياجات اسواق العمل في مختلف والاختصاصات , كما انه من المطلوب ان تكون هذه الجامعات امتدادا لمسيرة التعليم التقني في العراق التي بدأت سنة 1969 , وعند الرجوع إلى تاريخ وممارسات, المؤسسات التعليمية التقنية في العالم المتقدم نجد إنها تشكل حالة متطورة في القدرة على تأهيل الطلبة ليكونوا بمستوى القابلية والرغبة على الإبداع , ناهيك عن الخزين الهائل من المعرفة والتجربة في حل مختلف المشكلات .

ورغم إن هذه الجامعات التقنية ولدت في ظروف صعبة مر ويمر بها بلدنا العزيز , من حيث وجود ظروف أمنية في بعض المحافظات ووقوع بعض الكليات والمعاهد التقنية في المناطق الساخنة ( الانبار , الموصل , الدور , الحويجة ) , وعدم إصدار الموازنة الاتحادية لسنة 2014 التي انطلقت فيها الجامعات موضوعة البحث , الا ان مؤشرات الاداء تشير الى ان هذه الجامعات تسير بخطى حثيثة في جميع الجوانب وبشكل انسيابي يدل ان تأسيسها قد خضع الى خطط محكمة من حيث توزيع الملاكات التدريسية والتدريبية والإدارية ووضع آليات صحيحة لعمل الكليات والمعاهد والأقسام العلمية والإدارية , فالدوام منتظم وجميع الفعاليات يتم انجازها بضوء المعايير التي تتبعها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , كما إن هناك ارتياحا مجتمعيا لإنشاء هذه الجامعات ومستوى مقبول من الرضا لدى العاملين فيها والطلبة المنتسبين إليها وبشكل يطمأن على عدم وجود حالات واضحة لمقومة التغيير , ومن علامات عافيتها إن القبول المركزي للعام الدراسي 2014 / 2014 للمعاهد والكليات التقنية إستند إلى هذه الجامعات , كما إن الفعاليات العلمية والتربوية والإدارية تطبق بقياساتها الصحيحة بموجب معايير الجودة المطلوبة في الوقت الحاضر .

ومن الطبيعي والمفترض أن تكون لهذه الجامعات مساع وطموحات لاستكمال متطلبات تأسيسها , كوجود لجان للترقيات العلمية ومجلات محكمة خاصة بها , ناهيك عن تشكيل اللجان العلمية كلجان التأليف والتعضيد وصلاحية التدريس للمتقدمين للتعيينات ومراكز للتعليم المستمر وغيرها من المتطلبات , وهي طموحات مشروعة وقد نصت عليها المواد الخاصة بعمل الجامعات الواردة في قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 المعدل وقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1980 وغيرها من القوانين والتعليمات والتشريعات ذات العلاقة بعمل الجامعات وبضمنها منح الصلاحيات لرؤسائها أو لعمداء المعاهد والكليات , وقد باشرت بعض الجامعات التقنية باستكمال تلك المتطلبات من خلال اصدار الاوامر والخطوات التنفيذية لهذه المواضيع , وكانت المظلة والساند في خطواتها هيئة التعليم التقني كونها كيان اداري وعلمي نصت القوانين على وجودها ومهامها ولم تتم هيكلتها بعد .

إن الهدف من إنشاء الجامعات التقنية الاربعة ليس لزيادة عدد الجامعات الحكومية في العراق , وإنما لكي تحقق هذه الجامعات أكثر مما حققته هيئة التعليم التقني باعتبارها ذات نمط تقني يغلب في مناهجها الدراسية الجوانب التطبيقية على الجوانب النظرية , بدليل انها تمتعت باستثناء مهم ويتعلق بإبقاء دراسات الدبلوم التقني فيها , فعادة ما تمنح الجامعات العراقية شهادة البكالوريوس فما فوق , ولو تم الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة لوجدنا بان المعاهد التقنية فيها غالبا ما تنسب اليها اعقد المشكلات لغرض حلها وإيجاد المعالجات المناسبة لتقليل آثارها وعدم تكرارها , وهو ما يتطلب من جامعاتنا التقنية ان تحقق الريادة والتقدم والتفوق من حيث قرب العلاقة مع اسواق العمل لسد احتياجاتها من الاطر التقنية , ناهيك عن تكيفها مع اخر التغيرات السائدة في العالم , والتقدم عليها فيما بعد باعتبارها تملك خبرات ورغبات لتحفيز الجامعات الاخرى في الاستفادة من نجاحاتها وبشكل يجعلها في الموقع الصحيح .

وهناك متطلبات عديدة يجب السعي لبلوغها كي تصل الجامعات التقنية الى مستوى الريادة واستقطاب الطلبة الراغبين في ولوج هذا النمط من التعليم , لا على أساس المعدلات وإنما من خلال الايمان بأهمية التعليم التقني ومكانته ودوره في المجتمع , وفي حالة تحقيق هذا الهدف فمن الممكن أن تتحقق الغايات العليا من تأسيس الجامعات التقنية , فالغاية الوطنية والمهنية والعلمية هي أن تتميز الجامعات التقنية في مجال أدائها لتحقق مجموعة من الغايات أبرزها تعديل هيكل التوجه المهني للطلبة بما يجعل المقبولين في التعليم التقني أكثر من عددهم في الدراسات الأكاديمية باعتبار إن التعليم التقني الضامن لمستقبل الشباب من خلال القدرة على تأهيلهم للوظائف والمهن والأعمال , ولا يتحقق ذلك إلا عندما يكون الطالب مقتنعا بان الدراسة التقنية يمكن أن تصقل وتطور الرغبات والقدرات , ويعتقد البعض إن تحقيق ذلك قد يكون مستحيلا في الوقت الحاضر لان الطلبة وعوائلهم يمزجون بين المكانة الاجتماعية والمردود المادي في التوجه المهني من خلال الدراسة في الجامعات .

وهناك من لا يؤيد الآراء المتشائمة بهذا الخصوص , بمعنى إن التعليم التقني بإمكانه أن يحقق جذبا كبيرا للدراسة في اختصاصاته عند إجراء تغييرات جوهرية , وفي مقدمتها المناهج وطرائق التدريس والتدريب والعلاقة مع أسواق العمل في داخل وخارج البلاد , ولو تم إجراء تغييرات جوهرية في طريقة إعداد الطالب وتوجيهه إلى أسواق العمل من خلال حاضنات الأعمال أو غيرها من

الطرق التي يمكن ولوجها بهذا الخصوص , لاستطعنا استقطاب أعدادا كبيرة من الطلبة بشكل يجعل الإقبال على التعليم التقني أمنية لنسبة مهمة من الدارسين , ونشير بهذا الخصوص إلى إن الكليات التقنية الصحية والطبية في الجامعات التقنية كافة يتنافس عليها الطلبة وهم يحملون معدلات تصل إلى 95% , وينطبق الوصف نفسه على الأقسام الطبية في المعاهد التقنية التخصصية أو البوليتكنيك , بعد أن كانت هذه القنوات تشهد عزوفا في التقديم , والسبب في ارتفاع الطلب للقبول في هذا النوع من الدراسات هو شمولها بالتعيين المركزي , الذي يعني بان هناك فرصة عمل مضمونة للخريج بعد إنهاء متطلبات الدراسة , وهو ما يشير إن الجامعات التقنية بإمكانها زيادة استقبال الطلبة عندما تكون لها القدرة على إيجاد فرص عمل للخريجين في القطاع الحكومي أو الخاص .

وان ما تم ذكره في أعلاه يعني بان على الجامعات التقنية أن تكون بمستوى أداء يختلف عن الجامعات الأخرى , من خلال الأمور التي أشير إليها من حيث السعي لإيجاد أنماط مختلفة في تأهيل الطلبة والتعامل معهم مهنيا ليكونوا عاملين وليس عاطلين بعد تخرجهم , وهذا الموضوع يتطلب أيضا ضرورة الربط بين سلسلة التعليم المهني والتقني وحقول العمل والمؤسسات العالمية التي يمكن أن تقدم دعما وخبرات , بموجب إستراتيجية التعليم المهني والتقني للسنوات 2014- 2023 التي تم توقيعها مع الاتحاد الأوروبي وصادق عليها مجلس الوزراء , وان تنظيم هذه العلاقة من حيث التنسيق والترابط والتكامل والشمول لا يمكن أن يكون في ضوء المبادرات الفردية لوحدها وإنما من خلال العمل الجماعي , وهو ما يتطلب وجود كيان تنظيمي لأغراض التنسيق والتوحيد وعدم التعارض ومنع ازدواجية الأعمال , وهذا الكيان يجب أن لا يكون بيروقراطيا وان يكون فاعلا ويضم خبرات عالية ولا يؤدي إلى الترهل الإداري أو التدخل في صلاحيات الجامعات التقنية , وعند صياغة مقترح إنشاء الجامعات التقنية الأربعة قد تضمن مقترح تأسيس مجلس للتعليم التقني كبديل عن هيئة التعليم التقني , ولكنه لم يرى النور لحد الآن ونتمنى أن تتم وضع أهدافه وإطلاقه لضمان عدم ضياع الوقت وبما يحقق أهداف الإستراتيجية بمواعيدها ومحاورها , التي تم إعدادها من قبل الملاكات والخبرات الوطنية وبمعونة الخبراء العالميين .

إن هناك من يتحدث بان انطلاق الجامعات التقنية قد جاء في التوقيت غير الدقيق , لأنه تزامن مع تراجع إيرادات الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط عالميا , ونعتقد إن تلك نظرة قاصرة بحق لان الجامعات التقنية ولدت في الظرف المناسب إن كانت تريد إثبات الذات , فالقيادات الناجحة عليها أن تستثمر هذا الظرف المالي لتظهر انجازاتها في مجال تطبيق أهداف الجامعة المنتجة والجامعة للمجتمع , دون أن ننسى أن هذه الجامعات ليست فتية وإنما هي امتداد لتجربة تقنية ناجحة امتدت منذ 1969 لحد الآن , وتحوي هذه الجامعات على خبرات وكفاءات وملاكات وموارد استطاعت أن تحقق انجازات كبيرة في الزمن الصعب , من حيث التعشيق وجلب الايرادات وتقديم الخدمات للمجتمع , وهي الجامعات التقنية نفسها التي عرفت بإنتاج براءات الاختراع وابتداع الأساليب في تعويض المستورد وتقليل التكاليف والنفقات , ولا نعتقد انه من الصحيح أن يسود الاعتقاد إننا يجب أن نبدأ من جديد وإنما يجب أن نستمر ونتطور إلى حيث توصلنا دون توقف , فلا وقت للعراقيين في النظر للوراء وإنما يجب التوجه إلى الأمام وتعويض ما فات من الفرص , والعراق يمر بأصعب الظروف التي تتطلب استحضار الإبداع لدعم الاقتصاد المحلي والدفاع الوطني لمواجهة الصعاب , ومن هذا الوصف تزداد مهمات الجامعات التقنية كونها مصممة لغرض التوجه للأهداف بشكل واضح وزمن معقول وبأقل التكاليف .