18 ديسمبر، 2024 5:41 م

الجالية و رمضان بديار الغربة بستراسبورغ فرنسا1444هـ/2023م

الجالية و رمضان بديار الغربة بستراسبورغ فرنسا1444هـ/2023م

تعتبر فرنسا من بين أحد أكبر تجمعات المسلمين في أوروبا الذين يقاس عددهم بالملايين وككل عام في شهر رمضان الفضيل يتجدد الحديث عن العادات والتقاليد المتنوعة من حيث الموروث سواء الديني, التاريخي, الثقافي والإجتماعي في الحياة اليومية للمسلمين عامة والمغاربية الجزائرية خاصة.

حيث يتزايد نشاط المسلمين عامة وأبناء الجالية سواء المشرقية أو المغاربية خاصة والجزائرية على الخصوص كأنموذج لموضوعنا، بداية يتم التلاحم والتضامن والتأزر بين الأفراد والتنسيق والحديث عن رمضان وخصوصياته وحاجياته ومستلزماته، منه تضاعف عدد المصلين في المساجد إذ تلتزم الأغلبية بصيام رمضان حسب إمكانياتها وقدرتها سواء المادية والإجتماعية.

صورة معبرة تضامن وتكفل وتأخي .

تعايش وتجانس تعكسه الصورة من خلال تمسك المهاجرين والمغتربين بأصولهم وتشبتهم بالعادات وبالتقاليد العربية لمختلف بلدانها خاصة والإسلامية عامة. ومن أهم العادات والتقاليد للجالية المسلمة عامة والمغاربية خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، هو الحرص كل الحرص على إقامة موائد الإفطار جماعيا في جو عائلي أسري تضامني ,تتبعها صلاة العشاء جماعة والتراويح كل وقدرته ووقته وطاقته, إذ يعد شهر رمضان مناسبة بالغة الأهمية لتتضامن والتكافل والتقارب الإجتماعي والإنساني فيما بينهم.

إذ يلتمس المعاشر لحياة المهاجرين والمغتربين المسلمين خلال شهر رمضان نشاطاً غير عادي وغير معهود للذين لم يشاهدوه من قبل، وهو نشاط المؤسسات المسجدية والخيرية وبعض الأسر والعائلات في إعداد مائدة إفطار الصائم وعابر السبيل بعين المكان بفضاء ساحة المسجد جماعيا وإرسال الوجبات لأسرة المحتاجة والطلبة الجامعيين، والوجبة الجاهزة, كما تقدم مساعدات عينية تتمثل في قفة رمضان من مواد غذائية ومبالغ مالية وقسيمات شراء تمكن العائلات من صيام رمضان في راحة وأريحية.

مبادرة فريدة مبهرة ملفتة للإنتباه.

والمفت للإنتباه ويفرح مثلج للقلب هي مبادرة أستضيف مريض في سريره بالمستشفى وشاركه وجبة الإفطار نشاط خيري تطوعي يقوم به أبناء الجالية المغربية والجزائرية حصريا من كل ربوع الوطن.
البعد الديني والجانب الروحي والإيماني الرمضاني.

يتميز شهر رمضان بطقوسه وعاداته وتقاليده، التي تتقارب وتختلف بعض الشيء من مجتمع مسلم لآخر، مع الإحتفاظ بالعامل المشترك بين كل المسلمين عامة في شتى البقاع، ألا وهو الجانب الروحي والإيماني، وصلاة والتراويح.

مواقيت الصلاة و مواعيد الإمساك والإفطار:
كون أن الآذان ممنوع بفرنسا فإن المصلي لا يعرف مواقيتها في موعدها المحدد إذ يعتمد على نفسه ولتسهيل الأمر ومساعدة المسلين والصائمين, إذ تقوم المساجد في ستراسبورغ خاصة بواجباتها الدينية، منها إعداد منشورات لمواقيت الصلاة والإفطار والإمساك ونشرها وتوزيعها على الصائمين عامة.

ومن الجانب الروحي الديني، صلاة التراويح:

إن أغلب المساجد تسعى جاهدة لإسعاد المصلين والعمل على راحتهم النفسية خصوصا، إذ تحضر مقرئين ومجودين لأحسن الأصوات بحناجر ذهبية صادحة ينسونهم بأنهم مغتربين عن بلدانهم الأصلية وجوهم الرمضاني المعتاد، خاصة لما أصبح المصلي هو من يختار المسجد الذي يصلي فيه حسب المقرئ الذي يؤم الصلاة في أيام رمضان. بتداول إمامة المصلين بصوت شجي وقراءة متأنية وصوت الحنجرة الذهبية الصادحة. وروعة صوت الشيوخ الوافدة من جمهورية مصر العربية –مملكة البحرين –لبنان –تونس- المغرب وغيرهم الذين حلوا بالمسجد الكبير الذي يتسع لـ1500 مصلي والذي دشن وأديت فيه أول صلاة جمعة في شهر رمضان سنة 2012 بعد تدشينه والذي يحتفل بالذكرى العاشرة 10 لتدشينه في حلته الهندسية الجديدة والذكرى 40 الأربعين لتأسيسه ونشأته والذي يعد المسجد الكبير يضم أغلب الجاليات المقيمة بستراسبورغ وضواحيها.

حرمان وتقصان:

كل شيء متوفر وجاهز حمدا لله ولا ينقص الجالية المسلمة عامة والمغاربية خاصة سوى شيئ واحد هو وجود مأذن وسماع الأذان صادحا مدويا في سماء فرنسا كباقي العواصم والبلدان. لكن بفضل الله ومنه فإن الأذان يقام في داخل المساجد بطقوسه المعهودة قرب المنبر بأصوات شجية تشرح الصدور وتطمئن وتراح لها القلوب، منهم سبيل المثال صوت الشيخ أسدي أصيل جزر القمر جزاهم الله خيرا وجعل عملهم في ميزان حسانتهم.

نهاية الأسبوع وتجمع للمصلين:

بما إن ساعات الصيام هنا بفرنسا تفوق 15 خمسة عشرة ساعة فإن الصيام يكون صعب نفسيا وجسديا خاصة قلة النوم، إذ أن بعض العمال لا يستطيعون السهر وإتمام صلاة التراويح كاملة كونها تبدأ في وقت متأخر وتنتهي في ساعة متأخرة بعده، مما يحرم الكثير من أدائها كلمة جماعة فالبعض يصلي ركتين أو أربعة بعد صلاة العشاء ويغادر مسرعا لأخذ قسط من الراحة والإستعداد للنهوض على الساعة الرابعة صباحا للتوجه للعمل خاصة إن البعض يقتطع مسافة ساعة من الزمن للوصول لمكان عمله.

لكن تبقى نهاية الأسبوع متنفس الجمع وفرصة العديد من الناس للتمكن من أداء صلاة التراويح والتمتع بدعائها الختامي والتمتع بحلاوة صوت المقرئ وحنجرته الذهبية الصادحة أدامها الله في خدمة القرآن وتلاوته وتجويده.

سهرات رمضان واللمة المعتادة.

يجتمع عائلات وأهالي المغتربين والمهاجرين في سهرات رمضان العائلية واللمة الأسرة كقديم الزمان في جو رمضاني روحاني على مائدة الحلويات التقليدية من زلابية شبكية وقلب اللوز شامية وقطايف وباقي الحلويات وصينية القهوة والشاي الأكثر مشروبا مطلوبا ومفضل.

ومن بين هاته الجلسات والقعدات الرمضانية التي حضرناها جلسات الأخوة أبناء الجالية المغاربية جزائرية مغاربية وتونسية والأفريقية متها التشادية، البنينية وغيرهم بحديقة النهرين بستراسبوغ في جو يشعرك بالدفيء العائلي الأخوي.

حنين الشوق للبلاد والأهل ووسائل الإتصال:

يبقى حنين الشوق يشد بناء الجالية للوطن وللأسرة والأهل وللمة العائلية وهو الذي يفتقده الكثير لكن حمدا لله بفضل التكنولوجيا ووسائل الاتصال سهلت علينا الكثير يقول محدثونا.

ومن بين العناصر التي تطرقنا إليها عنصر الأسرة وجمع لم شملها والوحدة بدون أهل ولا رفيق. فالفرد المتواجد مع أسرته والفرد الوحيد محتار بين مخير ومجبر، مخير في الذهاب للصيام مع الأهل في البلاد أو لدى أحد أفراد العائلات المقيمة بأسرتها أو مجبر على البقاء وحيد أما بسبب العمل أو الدراسة بالنسبة للمقيمين وللعلاج بالنسبة لغير المقيمين.

ومن بين الحالات التي أخترناها لمقال موضوعنا فئة الشباب الفرد الوحيد خاصة العازب وهم فئتين، فئة العمال وفئة الطلبة.

بالإستفسار لدى بعض أفراد الجالية علمنا أن فئة الشباب الجزائري المتواجد بالمئات إن لم نقل بالآلاف في فرنسا. والذين أخذنا من حوارنا معهم هاته العينات التالية:

يقول (ح طالب عامل جزائري) رمضان في فرنسا بعيدا عن الأهل والأصدقاء، غير مقبول ولا يرتاح صاحبه نفسيا إذ أجد صعوبة في الأسابيع التي يكون فيها عملي ليلا، إذ لا يمكن الإفطار كون مهمة العمل لا تسمح بذلك فيتحتم عليه (كسر الصيام كما يقال بالعامية فرق الصيام) بحبات تمر سرا وبعيدا عن الأعين والتي يحملها معه في جيبه لوقت المغرب وجرعة ماء.

وباقي الأسابيع منهك وبمجرد الوصول للبيت أنام وغالبا ما أستفيق متأخر بعد الإفطار أتناول أي شيء وغالبا ما أدعى من طرف أحد الأصدقاء أو العائلات لمشاركتهم الإفطار، لكن عامل الوقت خاصة أن بعد المسافة من جهة وضيق الوقت لا يسمحان لي بذلك مما أضطر للبقاء على حالتي.

وتقول (ز. طالبة جزائرية) من جهتها بأن بنة ونكهة رمضان لا تقدر بثمن مهما كان الحال, كوني طالبة أمضي يومي كاملا بين الدراسة والبحوث بالمكتبات مع الكتب والمراجع بين التنقيل وتسجيل المعلومات وبالإنتهاء من ذلك والعودة للمنزل أتوجه للمطبخ ولكم أن تتصوروا حجم الغربة والوحدة وحالة تزوفريت كما علقت, أذ أقوم بتحضير الخفيف ما أسد به رمقي وأحافظ على صحتي.وبعد الإفطار الإتصال بالأهل والدردشة وتبادل الأخبار وأنشغل بتلاوة ما تسير من القرآن الكريم والصلاة وبعدها التفرغ للبحوث والدراسة.

ويقول (ع عامل تونسي) أصوم للعالم الخامس على التوالي رمضان هنا بفرنسا بعيدا عن الأهل ونكهة البلاد أقضي يومي في العمل، حتى وقت الراحة أغتنم الفرصة لأخذ قيلولة أستعيد فيها تعب وسهر الليل بعض الشيء. حين يذهب زملائي لتناول وجبة الغذاء. وأستأنف العمل وبعد إنتهاء الدوام والمغادرة أركض للمساحات التجارية لإقتناء ما يتطلبه الإفطار تماشيا والبرنامج المسطر وبالرجوع للبيت أستريح بعض الوقت وأتوجه للمطبخ لإعداد وجبة الإفطار وبالإنتهاء منها وإحضار المائدة أترقب وقت المغرب وبعد الإفطار والتخلص من بقايا الطعام وغسل الأواني وتنظيف المكان أتوجه للمسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح جماعة والحضور للدعاء وجلسة دردشة مع بعض الأخوة وتبادل أخبار البلاد وجديد المعلومات للمهاجرين عامة.

ويقول (م.ع.ك.ر.ن. المغرب –تشاد-موريتانيا-سوريا-أثيوبيا) طلبة عاملين موسميين, لتوفير مصاريف الدراسة ومصروف الجيب (أتفيتفة كما يقول ر.) رمضان في وقتنا هذا أصبح عادي لا يخافه الصائم.أما عن الإفطار فلا خوف ولا قلق من ذلك, فالحمد لله أصبحت الكثير من المؤسسات المسجدية والعائلات تضمن إفطار الصائم خلال الشهر كاملا. والتي باتت هاته الجمعيات في تنافس وتحسين إذ تقدم أحسن وأفضل الوجبات نوعية وكمية خاصة أنها أطباق عربية مغاربية عامة تونسية جزائرية مغاربية محضة تماشيا وأذواق الجميع والتي تشعرك بالدفيء العائلي واللمة الأسرية خاصة في تنافس القائمين عليها وحرصهم على خدمة الصائمين .

وتقول( ن ج جزائرية) ربة أسرة عاملة حمدا لله على نعم الإسلام وفضائل رمضان وخيراته التي منحنا الله إياها,أقسم وقتي بين عملي بيتي وأسرتي و عبادتي فكل جزء له وقته وخصوصيته مما جعلني أوفق وأنجح بدون تعب نهارا وأتفرغ ليلا لصلاة التراويح بسماع تلك التلاوات العطرة وأتفرغ لقراءة القرآن وتلاوة ما تيسير ومراجعة ما حفظته.

وما لاحظناه وعلمناه من الأخوة الذين صادفناهم وأستجوبناهم إن المسلمين المتواجدين في فرنسا باتوا لا يخافون من الصيام فيها بعيدا عن الأهالي و العائلات. كان هذا مخلص عن أجواء رمضان بالغربة، ما رصدناه وعيشناه عن قرب مع أخوتنا من أبناء الجالية العربية والإسلامية.

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون

ستراسبورغ فرنسا – رمضان 2023/ 1444