لطالما دفعنا الشكل الغريب للثور المجنح للتساؤل عندما كنا صغاراً, ترى ما هو سر هذا التمثال؟ ولماذا نُحت بهذا الشكل الغريب؟ ومن الذي تمكن من صنعه بتلك الدقة المتناهية؟ مع مرور الوقت وجدنا أجابات لتلك الأسئلة تجعل من يسمعها يشعر بالفخر, لأن عطاء أجداده كان بتلك الروعة.
الثور الآشوري المجنح هو فرد من زوج يحرس إحدى بوابات سور مدينة “دور شروكين”، التي شيدها الملك الآشوري سرجون الثاني (721- 705 ق.م), يرمز “الثور المجنح” إلى القوة والحكمة والشجاعة والسمو, أشتهرت الحضارة الآشورية بالثيران المجنحة، ولاسيما مملكة آشور وقصور ملوكها في مدينة نينوى وآشور، في شمال بلاد ما بين النهرين، والذي غدا رمزاً من رموز هذه الحضارة التي كانت تعتمد القوة كمبدأ في سياستها وأنتشارها.
أقدمت عصابات داعش على تدمير وبيع القطع الأثرية الموجودة في الموصل, والتي تعود ألى الحضارة الآشورية, تلك الآثار التي تؤرخ لحقبة عجزت عقول أجدادهم من أن تترك بصمتها فيها, فهم وأسلافهم لم ولن يلتحقوا بركب الحضارة, ومن بين القطع التي تعرضت للتخريب تمثال الثور المجنح.
من غير المستغرب أن تقدم تلك القطعان الحيوانية الناطقة على محاربة أي وجه وجوه من وجوه المعرفة والحضارة, ربما يفسر بعض المتابعين لسلوك هؤلاء, أنهم مجرد عبيد ينفذون رغبة أسيادهم الصهاينة, الذين طالما حلموا بتحطيم آثار بلاد ما بين النهرين, بسبب الحقد الدفين على العراق وحضارته, وهذا رأي لا يخلو من الصحة, ونجاح أسرائيل في تحقيق ما تصبوا يكمن في أختيارها لتلك العناصر التي تتميز بالبعد عن السلوك البشري.
مقدار ما يتقنه هؤلاء وأجداهم قطع الطرقات والقتل والأغارة وأتباع الغرائز والشهوات, تلك أبرز سمات المجتمعات القبلية في عصر ما قبل الرسالة, عقول أبعد ما تكون عن التحضر, قابعون في قلب الصحراء, يقتاتون على ما تجنيه أيديهم من الغزو وتجارة الرقيق, ألى أن صنع منهم خير الخلق (عليه وعلى اله أفضل الصلاة والسلام) دولة مترامية الأطراف, وها هم اليوم يرجعون ألى أصولهم.
لقد تعاقبت الأديان والحكومات على تلك الآثار, وتقادم عليها الزمن, ورغم ذلك بقيت في مكانها ألى يومنا هذا, حتى جاء تتار العصر فانهالوا عليها بفؤوسهم والحقيقة أن رؤوسهم الفارغة كانت أولى بتلك الضربات, عسى أن يخرج ما فيها من غباء وعفن.
لم تفلح جميع محاولات منظمة اليونسكو و المنظمات الدولية التي تعنى بالحفاظ على الآثار بحمايتها, أو ايضاح مدى أهميتها التاريخية لهؤلاء الحمقى, فكل الذي يعرفونه
عن العالم شيء واحدهو ( سباق البعران), فهم يكرسون جهدهم ويسخرون أموالهم من أجل نجاح تلك السباقات التي تنعش ذاكرتهم القبلية.
أدركنا مؤخرا قيمة أجنحة الثور الذي طالما حرس قصور المملكة الآشورية, فقد أطلق العنان لجناحيه ليحلق بعيداَ عن أرض الرافدين, فهو دون أدنى شك يأنف أن يقف بجانبه معظم القائمين على سباقات البعران, فقرر أن يترك سور “دور شروكين” ويبتعد بحثاً عن نور الشمس, التي لم تعد تشرق على مملكته, بعد أن حجبت نورها أسراب الخفافيش, هذا هو العذر الوحيد الذي سيرضي عيون الباحثين عن الحارس المجنح, والتي لن تراه بعد الآن.