23 أكتوبر، 2024 9:31 م
Search
Close this search box.

الثورة والفوضى 

الثورة والفوضى 

احيانا يحلو للبعض ان يقارن بين ثورة الجماهير المصرية ضد حكم الاخوان الاسلامي المشابه لحكم الدعوة في العراق وبين ثورة الاحرار العراقيين، ويعتقد البعض ان المصريين اشجع وافضل وأكثر همة من العراقيين لانهم تمكنوا خلال عام واحد من ازاحة حكم الاخوان المنحرف واعادة مصر الى طريقها الصحيح، ومثل هذه المقارنات لاتصح على الاطلاق الا في حالات يقصد منها التعبئة وتشجيع المواطنين العراقيين على المشاركة في الثورة للوصول الى ذات النتائج التي وصل اليها المصريون عام 2013.. 

المراقب للوضع في مصر والعراق يعرف حجم الفوارق بين وضعي البلدين ابتداءا من قصة الاحتلال وخداعه للناس بنشر الديمقراطية والعدالة وما الى ذلك، وايضا الفارق في عدد السكان وتاريخ استلام الاخوان للسلطة، ودورالاعلام المعادي والاعلام المساند للثورة، ودور القضاة والمحامين والمثقفين المصريين الذين اثبتوا جدارة في مقارعة التخلف والسلفية الفكرية،  ثم والاهم هو توفر القائد الذي تجتمع عليه قلوب الناس وتنعقد عليه امالهم، فالجماهير في مصر تحركت وبقوة لمدة عام كامل وبشكل يومي ومتواصل، ونظمت المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات ولكنها ظلت غير قادرة على التغيير المنشود حتى برز  الفريق عبد الفتاح السيسي في لحظة حاسمة  منهيا الصراع بين الجماهير الغاضبة والحاكمين المنحرفين، وفي العراق تواصلت التظاهرات ولكنها متفرقة وغير كثيفة العدد ومترددة واسبوعية في اغلب الاحيان، وبشعارات مختلفة ولاهداف مختلفة ايضا وضغطت بقدر ضئيل باتجاه التغيير، وفي كل الاحوال ومع افتراض انها تواصلت يوميا وبكثافة عالية، فانها ايضا لن يكتب لها الوصول الى اهدافها بسبب ان ما ينقصها منذ انطلاقها وللان هو ذاته الذي كان ينقص المصريين قبل اقدام الفريق السيسي على الفعل الوطني المطلوب.. 

الثورة في العراق اذن لم تتبلور ملامحها بعد، وحتى الثائرون الاحرار تجدهم لايعرفون ماذا سوف يفعلون فيما لو حدث وان نجحت اليوم ثورتهم بشكل مفاجيء( وهذا احتمال قائم)، فالذي يقودهم الان هو الغضب العارم ضد الفساد والمهانة والظلم والجوع وما الى ذلك، مع فقدان الثقة ببعضهم البعض وعدم قبول اي منهم اي يكون الاخر هو القائد (مع الاخذ بنظر الاعتبارعدم توفر القائد المقنع اساسا لغاية الان)، وما موجود من كبار الناشطين هم بعض الشخصيات التي قد تتمكن من اقناع من حولها ولكنها لم ولن تتحول الى رمز وطني كبير يمكن الوثوق به، وحتى مقتدى الصدر الذي يقود حملة الاحتجاجات والاعتصامات ويضغط بشكل قوي على قوى الفساد من اجل الاصلاح، لايمكنه باي حال من الاحوال ان يكون رمزا وطنيا لاسباب كثيرة تتعلق بشخصيته وبافتقاده للكارزما الوطنية المقبولة وكونه جزءا من حالة الفساد والتردي عبر مشاركته في الحكم خلال السنوات التي مضت، ومن ثم كون خطابه وان حاول اضفاء الروح الوطنية عليه الا انه يبقى جزءا من طائفة بلباس ديني واضح.. لذلك فان مشكلة تعثر الثورة وتاخرها في العراق وعدم انتقالها من مرحلة التردد الى مرحلة الضغط والحراك المتواصل يعود الى ثلاثة اسباب يقف في اولها عدم توفر القائد الرمز الذي تنعقد على جبينه امال الجماهير، ومن ثم تسلط قوى الشر والظلام المتمثلة في الميليشيات التي زرعت الخوف والرعب في قلوب الناس ما جعل حالة التردد في المشاركة بالتظاهرات والاحتجاجات تسيطر على قلوب الكثيرين من العراقيين الذين يطمحون للتغيير ولكنهم كسالى مرعوبين، واخيرا سيطرة الخطاب الديني على قلوب وعقول العامة من الناس وهم البسطاء الذين يخضعون الى التقاليد الاجتماعية العشائرية والدينية والذين يخشون من تجاوزها او حتى تحديثها، ومن البديهي ان من لايستطيع الثورة على التقاليد البالية والمتخلفة فانه لن يتمكن من ان يكون جزءا من ثورة الشعب نحو الحداثة والتطور والتقدم..  

ومع كل ذلك فان الثورة التي انطلقت شراراتها منذ آب الماضي لن تخفت ولن تنطفيء مع انها يمكن ان تبقى لاشهر قادمة مترددة متقطعة ولكنها مهيأة في اية لحظة الى الانفجار والتحول الى فوضى عارمة       (خاصة بعد حركة عبور جسر الجمهورية باتجاه المنطقة الغبراء الذي حصل في الثامن عشر من اذار والاعتصام عند اسوارها)، ونتائجها ستكون دموية واكثر قسوة مما نعيشه الان بسبب غياب القيادة والفكر والتنظيم، ولكنها ايضا مهيأة وباحتمالات قليلة جدا ان لم تكن مستبعدة، للانتظام ضمن مشروع وطني صادق يظهر من خلال اشتداد الصراع بينها وبين الفاسدين الظالمين عبر شخصيات تمتلك من القوة والحضور ما يؤهلها لنيل ثقة الشعب ودعمه لها.. 

ومع ايماننا ان الثورة مستمرة وانها يجب ان تصل الى نهاية تتناسب ومستوى الصراع مع السلطة الحاكمة الا اننا نشعر بالقلق من تلك النهاية التي من المؤكد انها في ظل المعطيات الحالية، ستكون نهاية فوضوية وستقود البلاد الى المجهول، ولهذا فان على القوى السياسية المشاركة حاليا وبقوة في التظاهرات ومنها التيار المدني والحزب الشيوعي او اية اطراف ثورية اخرى، عليها ان تعي هذه الحقيقة وان تسارع لوضع التصورات والاحتمالات المتوقعة وكذلك صياغة الاجراءات العملية والواقعية لما بعد لحظة الانفجار، فقوى الشر بما تمتلكه من ميليشيات وعصابات مسلحة لن تستلم بسهولة واذا ما فقدت مركزا وموقعا ما، فانها وبدعم من قوى خارجية ومن رجال الدين ايضا، ستحاول المقاومة واشعال حرب اهلية قد تأكل الاخضر واليابس، وستتحول تلك الثورة الى نقمة جديدة على الشعب والى متاهة اخرى ندخل فيها ولا نعرف طريق الخروج، اضافة الى حالة الاحباط الكبيرة التي ستخيم على مشاعر المواطنين، والتي قد تؤدي الى ضياع فرص اكثر للتغيير تكون مدروسة ومعدة بمنهج ثوري ناضج ومتكامل.. 

 ان على القوى الثورية التي أخذت على عاتقها قيادة الصراع مع السلطة ان تتفهم جيدا الظروف والتحديات التي ستواجهها فيما لو تحقق الحلم، وعليها ان تضع منذ الان الخطط والبرامج التي من شانها ليس انجاح الثورة فقط بل وادامتها والحفاظ عليها كمكسب جماهيري تحقق عبر تضحيات غالية ودماء نفيسة وارواح مناضلة طاهرة.. 

اننا جميعا نتوق الى الثورة والى التغيير الثوري الجذري اليوم وليس غدا، ولكن علينا ان نعرف كيف نحافظ عليها فالحفاظ على النصر اهم كثيرا من النصر ذاته..  

أحدث المقالات