بدأت الثورة السورية مع موجة الربيع العربي التي حاولت القضاء على الانظمة
الديكتاتورية المتخلفة في الوطن العربي . ولكن الثورة السورية تميزت بعنف لامثيل له وتدخلات اجنبية لايمكن البتة حصرها وبيان حجمها وغاياتها . ولكني اعتقد جازما انها بدأت كما بدأت مظاهرات الربيع العربي
مظاهرات عفوية تطالب بتغيير نظام الحكم وتهدف الى تحسين مستوى الشعب الذي ضاق ذرعا بالمحسوبية والفساد وشضف العيش , يقابلها نظام شمولي لايسمح باي اعتراض او تمرد عليه من اية جهة كانت . وقبلها كان نظام بشار الاسد يدعي بانه ممثل الشعب وان الربيع العربي بعيد كل البعد عن سوريا البعث والثورة والصمود . وقد كان يجهز ويدرب الاسلاميين المجاهدين الذاهبين الى العراق بدعوى مقاتلة الامريكان . بعدها تفاجأ النظام بالمظاهرات الشعبية التي خرجت عليه وقد انتشرت انتشارا واسعا حتى كادت ان تشمل كل المناطق والمدن السورية وازاء هذا الوضع قام حرس النظام بقمع هذه المظاهرات بشدة وتميزت بالافراط في العنف ، ذكرتنا بقمع حافظ اسد للمظاهرات الي خرجت عليه ووأدها بقسوة متناهية وعلى مرأى ومسمع من العالم كله دون ان ينطق احدا بكلمة وقتها لان الامر لم يكن يعنيهم . اما بالنسبة لقمع الابن بشار الاسد للمظاهرات فقد قوبلت بالشجب والامتعاظ من دول عديدة ولم تكن غايتها مصلحة الشعب السوري بقدر ماكانت تحرص على مصالحها المتعارضة مع النظام
ثم وجد الاخوان المسلمين في سوريا الفرصة سانحة لهم للانتقام من النظام الذي قمعهم بشدة في عهد حافظ اسد . فحاولوا الرد على هذا العنف بعنف مضاد . مستغلين بذلك عفوية الثورة السورية لتنفيذ اجندهم في سوريا بالتعاون والتنسيق مع حركات اسلامية راديكالية اخرى . فعملت تركيا على تزويد بعض هذه الفصائل بالاسلحة والامدادات اللوجستية . فحصلت مواجهات عسكرية ازدادت حدة يوما بعد يوم بين النظام وبين هذه الفصائل المسلحة . وسرعان ما انخدع الشعب وخصوصا الشباب بسهولة الانتصار على النظام فالتحق كل حسب اتجاهه الى الفصيل الذي يراه مناسبا وهكذا توسع العصيان فاصبح مسلحا وتشكلت قيادات من ضباط منشقين عن النظام . فعانى النظام من ضربات موجعة كادت ان تطيح به لولا التدخل الايراني ويده الضاربة في لبنان واقصد حزب الله الذي بذل المستحيل للحفاظ على النظام بحجة الحفاظ على المقدسات . ثم تدفق المقاتلين الموالين لايران من العراق لنفس الهدف وهو الحيلولة دون سقوط النظام . بعدها او خلالها تدخلت ايضا السعودية وقطر والامارات . وكل يساعد فصيلا من فصائل المعارضة المسلحة بالمال والسلاح ولكل منهم هدفا فرعيا الا انهم متفقين بالخطوط العريضة
وبالمقابل قام النظام بخطوة شيطانية ليظهر بمظهر مكافحة الارهاب فاقدم على الاستعانة بالفصائل التي كان يدربها ويرسلها الى العراق وادخلها في لعبة الصراع مع المعارضة او الثورة السورية فتدخلت القاعدة بمسميات عديدة . ثم نشات داعش بدفع من قوى خفية تلعب من وراء الستار حتى وجدت اسرائيل فرصتها السانحة للعب الدور المطلوب ان لم يكن الريادي في تشجيع الحركات الاسلامية الراديكالية وضرب احداها بالاخرى تحت ذريعة تصفية الخصوم بالداخل اولا ثم محاربة اسرائيل في وقت لاحق . وهكذا دائما يصفون بعضهم البعض بحجة التفرغ الى اسرائيل في وقت لاحق . ولم يات هذا الوقت اللاحق في يوم من الايام ولن ياتي ابدا
هذا مايتعلق بالدول الاقليمية . اما بالنسبة لروسيا فانها وجدت ضالتها في سوريا حيث ارادت تحقيق هدفين في وقت واحد .
الهدف الاول الابقاء على اخر ماتبقى لها من نفوذ في المنطقة بعد ابعادها من مصر ثم العراق . فحاولت التمسك بنظام الاسد لضمان هذا الوجود
والهدف الروسي الثاني كان لتخفيف الضغط عليها نتيجة ضم جزيرة القرم اليها ومحاصرة الامريكان واوروبا لها . وهم يعرفون جيدا ان القرم كانت دائما جزءا من الاراضي الروسية . لايهم . المهم ان روسيا ارادت فتح جبهة جديدة خارج منطقة النزاع الاوكرانية ، وليس هناك جبهة افضل من سوريا وفيها كل التدخلات الاقليمية والدولية خلف الستار اوحتى امام الستار وعلى رؤوس الاشهاد ، فمن يخشى من هذه اللعبة الضيقة بمساحتها ، والواسعة بامتيازاتها
هل نسينا امريكا . كلا ، فهي قد ظهرت اولا بهيئة الملائكة وهي تدافع عن سوريا والشعب السوري . بعدها اصبح الامر السوري لايعنيها وهي عالمة ان لها ادوات في المنطقة ينوبون عنها في تحقيق مصالحها ولسان حالها يقول رحم الله امرئ اكتفى بغيره . هكذا كان الموقف الامريكي ، حتى ظهر ترامب ليستعرض عضلاته في سوريا فاسس قواعد داخل الاراضي السورية وعلى الحدود الاردنية السورية ثم على الحدود العراقية السورية
عندئذ اختلط الحابل بالنابل وذهب الشعب السوري ضحية الاطماع والاجندات الاقليمية والدولية
وفيما يتعلق بتركيا فان الماء قد اخذ يجري من تحتها وهي تلعب في الخفاء فاستعانت بالامريكان اولا فوجدتهم يناصرون الكورد اعدائها في لعبة الحرب على الارهاب . فذهبت الى روسيا حتى لاتبقى وحيدة الموقف في سوريا فوجدت الروس متمسكين بنظام بشار الاسد وكذلك بحلفائهم الايرانيون الذين يقومون مقامهم في مسك الارض . وروسيا لاتريد ان تدخل قواتها البرية بكثافة في سوريا وتعيد تجربة افغانستان . وهكذا ظلت تركيا متذبذبة بين شعار الاطاحة ببشار الاسد وبين رغبتها في محاربة حزب العمال الكوردستاني التركي العدو اللدود لها . ويبدو ان الوضع قد صعب عليها خصوصا بعد تحييد قطر مناصرها الاول في سوريا
وكذلك اصبح حال روسيا التي لم تفلح جهودها في تخفيف الحصار الذي تعاني منه نتيجة تدخلاتها في اوكرانيا وقد حاولت مقايضة تدخلها في سوريا بمشكلة اوكرانيا عن طريق لعبة المفاوضات الهزيلة . الا انها وجدت ان امريكا والغرب لايأبهون كثيرا لا بالشعب السوري ولا بنظام بشار الاسد وكل يبحث عن مصلحته من هذه اللعبة غير النظيفة
اما ايران فقد ظنت انها ستبقى في سوريا الى الابد وان حلم احياء الامبراطورية الاخمينية التي كانت تمتد الى شمال البحر المتوسط قد تحقق وهي لاتعلم او اعتقدت ان لديها القوة الكافية في المنطقة مع مناصريها ومؤيديها في العراق ولبنان بحيث تستطيع فرض ارادتها في بسط نفوذها عبر الحدود العراقية السورية هذه الحدود التي تمثل البعد الستراتيجي لسوريا وهي محرمة منذ زمن بعيد على اي طرف يتجاوزها
فكم من وحدة فشلت بين العراق وسوريا وكم من تنسيق احبط لضمان قطع الطريق امام هذا البعد الستراتيجي السوري العراقي الذي يهدد المصالح الامريكية الاسرائيلية المشتركة في المنطقة
صحيح ان امريكا لاتريد الاصطدام مع الايرانيين في الوقت الحاضر على الاقل الا انها تحاول دائما تمهيد الطريق لدفع ايران باتجاه الانكفاء داخل حدودها الغربية مع العراق وعدم تجاوزها وسيتحقق هذا الهدف ان آجلا ام عاجلا وحسب معطيات الظروف . خصوصا وان ايران قد اصبحت ضيفا ثقيلا في سوريا سواء من جانب الدول الاقليمية او الدولية وحتى من جانب قطاعات واسعة من الشعب السوري واحيانا من روسيا ايضا رغم المصالح المرحلية المشتركة بينهما
وفيما يتعلق بدول الخليج فقد تم كبح جماح قطر في لعبتها الدامية في سوريا عن طريق تهديدها وفرض الحصار عليها من قبل السعودية ومصر وبعض الدول الخليجية الاخرى
اما السعودية والامارات فبعد مساعداتهما لبعض الفصائل الاسلامية في سوريا والعراق وجدتا ان السحر قد انقلب على الساحر . وضرب التطرف الاسلامي انظمة الحكم فيهما اسوة بدول العالم . فالتطرف لاحدود له ، ولايتصف بالعقلانية . فعملت على ايقاف هذه المساعدات او تضييقها بشكل عطل فيها طموح هذه الفصائل وادى الى تخفيض سقف مطاليبها . وهكذا فشلت اهداف التدخل الخليجي في سوريا ايضا . واصبح الجميع ينتظر الحل السلمي الذي طال امده لتعنت اللاعبين الكبار وتعارض مصالحهم
اما النظام السوري الذي رفض الاستجابة الاولى لشعب اراد الحرية والتطلع الى مستقبل افضل فقد ظن ان القمع واستخدام القوة المفرطة سيبقيه على وفق شعار الاسد الى الابد ، الا انه قد خاب وفقد استقلالية قراراته ، واصبح امره بيد الدول والميليشيات المسلحة داخل اراضيه . ولم يعد الشعب ولا الزمن يسامحه وانه آيل الى زوال في كل الاحوال ودوام الحال من المحال
وهكذا تم تنفيذ اجندات وتعطلت اجندات اخرى . وكان الشعب السوري الخاسر الاكبر في هذه اللعبة ، حيث هجر من هجر وقتل من قتل . وتم تدمير البنية التحتية لاغلب المدن السورية ومازال مصير سوريا مجهولا في انتظار الآتي من الزمان