23 ديسمبر، 2024 5:10 م

الثورة السورية والاكراد

الثورة السورية والاكراد

بدأت الثورة السورية منذ اكثر من سنة ونصف ضد نظام بشار الاسد، النظام الدكتاتوري الشمولي وبالرغم من كون هذه الثورة سلمية في بداية الامر الا ان النظام استعمل جميع انواع القمع من القتل والاعتقال واستعمل شتى انواع الاسلحة وحتى الطائرات المروحية والحربية (ميك 21) ولايزال النظام يدمر البنايات على ساكنيها وتقتل شباب سوريا بالجملة وتهجر المواطنين وبعشرات الاف وانتفض الشعب السوري بجميع اطيافه وقومياته واديانه ضد هذا النظام الظالم وبدون استثناء وهناك تفاوت في حجم المشاركة بين فئات الشعب وقد تجاوز عدد شهداء الثورة السورية الــ30 الف وان اضعاف هذا العدد جرحوا وهناك عشرات الالاف في المعتقلات ومئات الاف هجروا البلاد إلى لبنان واردن وتركيا والعراق.
شارك الاكراد في سوريا في هذه الانتفاضة والثورة الشعبية، وفي بداية الثورة ومن اجل احتواءها من قبل نظام بشار الذي تقبع عائلته في الحكم منذ اكثر من اربعة عقود، منح هذا النظام الجنسية السورية لأكثر من 120 الف كردي لانهم كانوا لا يحملون جنسية اية دولة (بدون) هذه كانت فوائد الثورة السورية للأكراد الذين كانوا يحاولون الحصول على الجنسية السورية منذ عقود من السنين، وعلى إثر هذه الثورة تشكلت معارضة سياسية في خارج سوريا طبعاًً وبالتحديد في تركيا فعقدت هذه المعارضة اول مؤتمر لها في مدينة انطاكيا التركية وشاركت القوى السياسية الكردية السورية في هذا المؤتمر إلا ان اعضاءها انسحبوا منه بسبب عدم درج الحقوق القومية الكردية في جدول اعمال المؤتمر وكأنهم ارادوا تكرار التجربة العراقية ابان حكم نظام صدام حيث دخلت القوى السياسية الكردية العراقية للمعارضة بحجم كبير (اكثر من حجمهم) وبدعم من امريكا وبريطانيا تمكنوا من فرض ارادتهم فيها وحصلوا على امتيازات كبيرة كانت السبب في حصولهم على امتيازات اكبر بعد سقوط نظام البعث العراقي في 2003 والتي اوصلتهم إلى اقليم لا شبيه له في العالم حيث الاستقلالية في كل شيء وكان لسان حالهم يقول (كل ما عندي لي وكل ما عندكم فانا شريك فيه) فاصبح الاقليم دولة داخل الدولة العراقية بل وتقدمت عليها في كثير من المجالات.
نعم نحن نرى ان الاكراد في سوريا يشاركون في المظاهرات المنددة للنظام ويرفعون الاعلام الكردية وبالعشرات ولكن دون المساس بهم ولا يقدم النظام بإيقاع الاذى بهم وهم آمنون ومطمئنون ولا يخافون من النظام ولذلك ترى الاكراد اقل فئات الشعب الكردي تضرراً في هذه الثورة بل هو المستفيد الوحيد منها وعندما قتل غلام كردي برصاص طائش قبل مدة اقعدت المعارضة الكردية الدنيا عن طريق وسائل الاعلام المختلفة والتي غالباً ما تؤيد القضية الكردية بالرغم من عائدية هذه الوسائل لجهات مختلفة ولدول عديدة ولا افهم السبب في هذه السياسة لحد يومنا هذا.
قبل شهرين تقريباً عقدت المعارضة السورية مؤتمراً في القاهرة وكانت (المعارضة الكردية) مشاركة فيه ولكنها انسحبت منه بسبب عدم درج الحقوق القومية الكردية في البيات الختامي للمؤتمر علماً ان المعارضة السورية (المجلس الوطني السوري) تؤكد دائماً على تأسيس دولة المواطنة والقانون بعد سقوط نظام بشار والكل يكونون فيها سواسية في الحقوق والواجبات إلا ان المعارضة الكردية تأبى ذلك وتسعى للحصول على حقوق خاصة بالقومية الكردية والهدف لا يخفى عن احد وهو تكرار التجربة الكردية العراقية بالحصول على الحكم الذاتي ومن ثم تشكيل اقليم وفي نهاية المطاف الانضمام إلى دولة كردستان الكبرى.
كان ولايزال اقليم كردستان/العراق يقدم الدعم اللوجستي لمنظمة PKK الارهابية ولجميع فصائلها ومنذ سنوات يدرب الاقليم عناصر PKK السورية في شمال العراق ويقدم لها الدعم اللازم من السلاح والعتاد والمؤن بحيث اصبح لفصيل PKK السوري دور وشأن كبير في جبال قنديل وبدأت عناصر هذا الفصيل تنتقل من شمال العراق إلى شمال شرقي سوريا حيث المنطقة الكردية المتاخمة للحدود التركية وهي لم تترك جبال قنديل كلياًً وبسبب تلقيهم التدريبات في شمال العراق وبأعداد كبيرة ولوجبات متعددة اصبح فصيل PKK السوري يشكل 70% من عناصر PKK في جبال قنديل وان 30% منهم فقط من اكراد تركيا واصبحت قيادة المنظمة بيدهم وهم الذين يقودون العمليات القتالية ضد الجيش التركي وهم الذين خططوا ونفذوا عملية داغلجا التي راح ضحيتها 18 من الجنود الاتراك ولم تكتفِ حكومة اقليم كردستان في تدريب وتسليح الشباب الكردي السوري بل قامت بتشكيل حركات واحزاب سياسية كردية سورية في شمال العراق وقدمت لها الدعم المادي والمعنوي وعقدت لهذه الأحزاب المؤتمرات والندوات وفتحت لها الدورات القيادية لتهيئتها بالقيام بدورها بعد سقوط النظام البعثي السوري، والحكومة في اقليم كردستان تخالف سياسة حكومة المركز في بغداد في سياستها تجاه القضية السورية فهي تلعب على حبال ان صح القول وقد بادرت باستقبال وايواء المهاجرين السوريين الكرد فقط منذ فترة طويلة وفتحت لهم المخيمات وتقدم لهم كل انواع المساعدات ولا اظن ان احداًً يعارض ذلك ولكن المستغرب هو قبول حكومة البرزاني للاجئين الكرد فقط.
سياسة بشار تجاه الاكراد هي الاخرى تختلف فمنذ فترة ليست بالقصيرة انسحبت القوات التابعة لنظام بشار من المناطق الكردية واستلمت الفصائل المسلحة الكردية السورية زمام الامور فيها ثم ان نظام بشار بدأ يقدم الدعم لهذه الفصائل لاستخدامها ضد تركيا وقبل ايام اطلقت حكومة دمشق سراح جميع السجناء من منظمة PKK السورية والذين يبلغ عدد 1200 شخص بالإضافة إلى اطلاق سراح السجناء الكرد المحكومين بتهم جنائية ويبلغ عددهم 300 شخص واتخذت الاجراءات اللازمة لتسهيل وصولهم إلى المناطق الكردية الحدودية مع تركيا، اذن هناك مؤامرة متعددة الاطراف تحاك في المنطقة. هنا لابد من الاشارة إلى الدور التركي ازاء هذه الحالة المعقدة والمتشابكة ولابد ان انوه ان سياسة تركيا خاطئة جداًً في هذه القضية وقد يلومني بعض المعجبين بسياسة داود اوغلو وانا اؤيدهم في ذلك لأنني أيضاًً معجب بسياسة تركيا ولكنها تتبع سياسة انتحارية في هذه القضية لو صح القول فبدلاًً من تجحيم دور منظمة PKK المعادية لها ثم القضاء عليها وهي اي تركيا المتضرر الوحيد من عمليات هذه المنظمة الا اننا نرى ان الاتراك انخدعوا بساسة الكرد في شمال العراق فبالرغم من العهود والمواثيق بين الطرفين حول PKK من الدفاع او المحاربة المشتركة وتبادل المعلومات إلا ان الاكراد ضحكوا على ذقون الاتراك وخدعوهم ولم يلتزموا بهذه الاتفاقيات بل استمروا في تقديم الدعم اللوجستي لهذه المنظمة ووقعت الواقعة عندما صرح هيمن هورامي مسؤول العلاقات في الحزب الديمقراطي الكردستاني (حزب برزاني) بتدريب وجبة جديدة من عناصر PKK السورية وارسالهم إلى سوريا (انظر إلى السياسة المشتركة لبرزاني وبشار فكلاهما يدعمان PKK السوري) وادى هذا التصريح الاستفزازي إلى إثارة حفظية الاتراك وبسببه ارسل اردوغان وزير خارجيته إلى شمال العراق للاجتماع مع القادة الكرد حول خرقهم للعهود وخروجهم عن المواثيق وانا على يقين ان الساسة الكرد في شمال العراق تمكنوا مرة اخرى من اقناع بل وخداع داود اوغلو بادعائهم ان هذه الوجبة هي الاخيرة وان عددهم قليل جداًً (الف مقاتل) وان العجب العجاب هو اجتماع داود اوغلو خلال زيارته لإقليم كردستان بقادة الحركات السياسية الكردية السورية من اجل توحيد صفوفهم (نعم من اجل توحيد صفوفهم) واقناعهم بالعدول عن قرارهم بالانسحاب من المجلس الوطني السوري وحثهم على ضرورة تراجعهم عن هذا القرار واترك للقارئ الكريم فهم وتحليل هذا الموقف من داود اوغلو وهل يخدم هذا التصرف المصالح التركية ام انه سوف يكون خنجراًً يضرب في خاصرة تركيا في المستقبل.
ان نظام بشار اسد سوف يسقط لا محال وبسقوطه سوف تفتح جبهة اخرى ضد تركيا، جبهة PKK السوري ولكنها سوف تنطلق بعملياتها هذه المرة من الاراضي السورية ولا شك في حصول فراغ امني كبير في سوريا بعد سقوط بشار الاسد مما يسهل تنقل عناصر PKK بين كردستان العراق و (كردستان سوريا)، باعتقادي على الساسة الاتراك دراسة التاريخ والجغرافيا جيداًً فلو نظرنا إلى خارطة المنطقة نرى ان حدود اقليم كردستان العراق تفصلها عن المناطق الكردية في سوريا عدة مناطق (زمار، ربيعة، سنجار…الخ) وان هذه المناطق فيها تواجد كردي ولكنها ليست كردية او كردستانية ولكن القوات الكردية وبدعم من الامريكان يسيطرون على هذه المناطق منذ 2003 ويدعون ان هذه المناطق متنازع عليها (اي كردستانية) والهدف من ذلك هو ربط كردستان العراق بكردستان سوريا عندما يأتي الوقت المناسب ولهذا جن جنون قادة الكرد في شمال العراق عندما ارسل المالكي الجيش العراقي إلى هذه المناطق وكادت تحصل حرب وقتال بين القوات العراقية والقوات الكردية وصدرت الاوامر لقوات البيشمركة المتمركزة في هذه المناطق بإطلاق النار على القوات الحكومية إذا اقتربت من هذه المناطق، ولا ادري كيف تقرأ حكومة العدالة في انقرة هذه المعادلة وكيف تفهمها؟ فبدلاًً من التفاهم مع المالكي في هذه المرحلة لضبط الحدود العراقية السورية من قبل القوات الحكومية نرى ان حكومة اردوغان تقوم باستفزاز حكومة بغداد بزيارة (الزيارة الاخيرة لداود اوغلو إلى اربيل) تخدم الاهداف الكردية وتؤدي إلى توتر العلاقات بين البلدين، الم تعلم حكومة اردوغان ان تهريب النفط العراقي محرم دولياًً وشرعياًً ومع كل هذا تعترف هذه الحكومة بانها تشتري النفط المهرب من العراق من قبل الاكراد؟ ليعلم حكومة اردوغان لو تشكلت دولة كردستان الكبرى مستقبلاًً فتكون هي التي ساهمت وبشكل كبير في تشكيلها.
هناك علامات استفهام وتعجب كثيرة امام سياسة تركيا ازاء هذه القضية فاذا استمرت هذه السياسة على هذا المنوال فسوف تؤدي إلى انقسام تركيا بانفصال شمال كردستان منها (جنوب شرق تركيا) والعوامل المساعدة على ذلك كثيرة ومعظمها هيئتها حكومة اردوغان