23 ديسمبر، 2024 5:34 ص

الثورة الحسينية تحت مطرقة سماسرة الإسلام السياسي

الثورة الحسينية تحت مطرقة سماسرة الإسلام السياسي

يستذكر العالم الأسلامي في هذه الأيام، ذكرى عاشوراء الشجنة والمتمثلة بالثورة الحسينية والتي وقعت احداثها في مدينة كربلاء العراقية منذ اكثر من ثلاثة عشر قرون،حيث أمست خالدة وحية في الضمير والوجدان الأنساني، والتي مثلت هذه الثورة بذاتها أنعطافة تاريخية مهمة في حياة الشعوب، من خلال تبنيها ايدلوجية ثورية المتمثلة بالنضال من اجل ترسيخ مبادئ الحرية ونشر ثقافة التغيير والأصلاح وتحقيق العدالة الأجتماعية والأقتصادية، وبدورها حملت هذه الثورة راية الأيثار والتضحية والفداء من اجل مبادئ الشرف والكرامة ووقوفها بقوة وبحزم لايفان ضد الظلم والأستبداد. للثورة اسبابها الموضوعية والذاتية العديدة واحداها تلتف حول دائرة الصراع على الخلافة الأسلامية ومن ثم الصراع الطبـقي والأقتصادي ثم الفكـري الذي كان يسـود تلك المرحلة. وعند الوقوف والتفكير بالتأني عند هذه المحطة التاريخية ذات التأملات الأليمة على النفوس، وجب علينا تفحص المعاني والقيم الفكرية التي خرجت من رحم هذه الثورة الخالدة, والتي أمست منبراً تبث من خلاله شعاع العلم والثقافة الثورية من خلال الأرتقاء بدروسها المتمثلة بالعطاء والتضحية والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعوب. ونود ان نذكر هنا بأن الثورة الحسينية ليست مرهونة وحكر على طائفة او حزب معين, وانما تجاوزت حدود الطــائفة والديــن وارتسمـت ابعادها عالمياً وأستنبطت بدورها العلا في مفاهيم الصراع من أجل الحرية.
ونود ان نركز هنا على نقطة مهمة حول قيام الكثير من الأحزاب والجمعيات الثيوقراطية بأستغلال هذه الثورة وتجييش افكارها ودلالاتها وبصورة مقلوبة، لكي تصب في دائرة مصالحها المادية والمعنوية،ضاربة عرض الحائط المبادئ والقيم التي تميزت بها الثورة الحسينية. ومن هذا المنطلق نود تسليط الضوء على ماهية الأسلام السياسي الحاكم في العراق بعد زوال النظام الدكتاتوري المقبور عام 2003، استطاعت المنظومة الحاكمة بأن تستقطب الجمهور العراقي وتعبئته وبصورة سلبية في ظل نظام ودستور طائفي مقيت مع غياب المشروع الحضاري الوطني. لقد نجحت الأحزاب الثيوقراطية في صياغة افكار غير حضارية قامت بترسيخها في عقلية المواطن الشيعي العراقي المتمثلة بأنهم هم السبب وراء شهداء موقعة كربلاء وذلك لأنهم تركوا الأمام الحسين (ع) وحده مع رفاقه واهل البيت يقاتلون ابشع نظام استبدادي، وزرعت وكرست ايضاً حالة الشعور بالذنب و اليأس والحزن في حياة غالبية الناس, والتكفير عن ذنوبهم امام شهداء واقعة كربلاء , من خلال اجراء طقوس عنيفة وغير حضارية كالتطبير و استخدام الزنجيل بالضرب على الظهر او اللطم المبرح على الوجه والصدر(الشهيد الحسين لم يقم بهذه الثورة من اجل ان تشوهوا اجسادكم وتبكون عليه !!!), هناك اساليب اخرى استخدمها الأسلام السياسي محاولاً خلالها أستغلال العاطفة الجياشة المزروعة في ضمير وقلب الجمهور الشيعي، منها ادخال المواطن في دائرة الخوف والشك والقلق الدائمي بأن طائفته معرضة في اي وقت الى مذبحة شبيهة بموقعة كربلاءفي هذا الزمن الغابر، لذلك وجب عليه أن يكون مهيئأً بالدفاع عن نفسه ومعتقداته الطائفية، وان يكون له الحق في أمتلاك السلاح والميليشيات الغير ممتثلة لأرادة وسيطرة الدولة. وهذا ماتمثله الشواهد الواقعية اليوم بقيام تلك الأحزاب بتعبئة مشاعر احبة الحسين وزجهم في آتون الصراع الطائفي المقيت, ومن ثم تكريس وزرع افكار ومبادئ تبين بأن البطالة والفقر وأنعدام الخدمات ماهو إلا نتاج القدر الآلهي المحتم, وبنفس الوقت وبالمقابل ينعمون هم بأرقى ملذات الحياة والتــرف ويحتلــون أعلــى الوظائــف والمناصــب الأداريــة في الدولــة,ويعبثــون فساداً في بنية البلد .

لذلك وجب علينا اليوم ونحن نستذكرهذه الذكرئ الشجنة بأن نستلهم العبر والدروس القيمة منها، ثم نكرسها في دعم وخدمة صوت الشباب المنتفض والذي أمسى بدوره ثورة حسينية ثانية، تقارع وبقوة قلاع الفساد والأستبداد التي دمرت البنى التحتية ومن ثم جرت البلاد الى عدد من الأزمات منها الأخلاقية، الأقتصادية والأجتماعية. وجب على الكل العمل من اجل خلق نظام يؤمن بالوطن ويدعم فكرة ( الدين لله والوطن للجميع)، من خلال كتابة دستور وطني بعيد عن المحاصصة والمكونات ومن ثم مكافحة الظلم بجميع انواعه، ومحاربة كل انواع الفساد وبناء مجتمع مدني يسوده مظاهر العدل والقانون، هذه هي المبــادئ الحقيقـة التي سارت بها الثورة الحسينية، وليس بتوظيف الظــــاهرة الحســينية لتصـــــب فـــــي بودقــــة المنافــــع الحـزبيــــــة والسلطــويـــــة والفـرديـــــــــة الضيقـــة.