حقيقة الثورات العربية التاريخية والحالية مرتبطة بعلاقة جدلية بين الوعي والرفض .
في حقيقة الامر ان حالة الصراع المجتمعي مع السلطة قائم منذ الازل زمن الرومان والبابليين والفراعنة تحت اشكال ومسميات مختلفة لها اسبابها و موجباتها . والحقيقة العامة والمؤكدة هي ان كل ما تطور واتسع الوعي المجتمعي تزداد مطالبته للسلطة بتغيير منهجها واساليبها بما يتناسب مع حاجة الجماهير المنطقية والمشروعة المتحضرة المتطوّرة . السلطة بالمقابل تتشبث بالاساليب المؤثرة على الجماهير وسلوكها وغالبا ما تكون دينة ” قدسية ” كاذبة مبالغ فيها. والصراع على السلطة بشكل عام ناجم عن الطمع في السيطرة والاستحواذ او تنفيذ وتعميم منهح معيين مغاير ومخالف لما تنتهجه السلطة الحاكمة على اساس قناعة مجتمعية واسعة . وحقيقة ما ذكرناه له اسبابه ونتائجه الايجابية والسلبية في بعض الاحيان التي تعني فئة معيينة من المجتمع او غالبية المجتمع . ويدخل في هذا الموضوع كل الحركات الفكرية الصحيحة او التي تداعب طموحات مجتمع معيّن وينسحب ذلك على الدينية والطائفية والقومية . والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة مثل الصراعات في الامبراطورية الرومانية يشيرالمؤرخون المعاصرون إلى العوامل التي أدت إلى هذا والتي تشمل كفاءة وعدد الجيش، صحة وأعداد السكان الرومان، قوة الاقتصاد، تنافس الأباطرة، الصراعات الداخلية على السلطة، التغيرات الدينية في تلك الفترة، وكفاءة الادارة المدنية. الضغط المتزايد من البرابرة خارج الثقافة الرومانية ساهم أيضاً بشكل كبير في انهيارها. أسباب الانهيار من الموضوعات الهامة ضمن تأريخ العالم القديم والتي قدمت الكثير من المعلومات عن سقوط الدول وكذلك الحال في زمن البابليين والفراعنة صراعات اساسية بين رجال الدين ومصدر السلطة من جهة وبين جماهير المجتمع ورجال الدين المتحكمين بالسلطة مثال ذلك الصراع بين ” بابونيد ” آخر ملوك بابل ورجال الدين البابليين وفرعون وشعبه ورجال دين مصر وعدم طاعته بعد ادعاءه الألوهية و الربوبية التي ادعاها .. وندخل للدولة الاسلامية ونستذكر التطورات في النظريات السياسية وادارة الدولة نتيجة التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي العام والواسع وتغيير مراكز القوى والتي فرضت ارادتها بطرق شتى واحلال مفهوم الامامة بدل الخلافة ثم حل محله مفهوم السلطنة ولكل من هذه شروطها و واجباتها وحقوقها ظمن تأييد جماهيري واسع تتخللها حالات رفض ” توّج ثم تخفت ” . وتنشط في محيط هذا كله حركات فكرية مبنية على اسس منطقية صحيحة تدعوا لخدمة شريحة اجتماعية واسعة وتلبية مطالبها وحاجاتها الضرورية الحياتية . واحيانا حركات خيالية بعيدة المنال عن الواقع المعاش تدغدغ افكار مجموعة من الناس قد تكون غيبية احيانا . ونستذكر الصراع الغربي ” الكنائسي ” في ما بينهم ومع الجماهير في النهاية من بداية القرون الوسطى وحتى نهاية القرن الثامن عشر . بعدها الظهور والدعوة لحركات ونظريات مختلفة ومتعددة مثل الديمقراطية والعلمانية بأنواعها وفصل الدين عن السياسة ثم ظهور افكار ونظريات تناقض الرأسمالية والديمقراطية مثل الماركسية والشيوعية اللينينية والشيوعية الماوية . كذلك النظرية السياسية التي سادت في المانيا وايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية والحالة الستالينية . دخلت هذه الحركات عموما في صراع مع الرأسمالية العالمية المتمثلة في بريطانيا وفرنسا و الولايات المتحدة الامريكية والتي حقيقتها المكوّن الاستعماري العالمي السالب لحريات وثروات العالم والمسيطر على اسواقها . فكان العامل الاقتصادي السبب الرئيس في نشوب الحرب العالمية الثانية . اطلق مفكري وفلاسفة الرأسمالية الاستعمارية على انظمة المانيا وايطاليا والاتحاد السوفيتي مصطلح ” التوتاليتارية ” وابرز من روج لذلك الفيلسوفة ” حنّة ارندت ” المانية يهودية ذات جنسية امريكية . ان قادة هذه الانظمة يرفعون القساوة الى مصاف الفضيلة كونها تناقض الخبث الانساني . وكان التنافس والتناقض شديدا وصعبا . تأثرت العديد من دول العالم بهذه النظريات ومنها بعض الدول العربية مما حفز الكثير منها على الانقلابات العسكرية والثورات . وتبنت بعض الدول مستنبطة التيارات الاشتراكية المختلطة بين الرأسمالية والشيوعية في بعض جوانبهما . وهذه الافكار والنظريات موجودة ومتعامل بها في بعض دول العالم الحالية مثل الصين وكوريا الشمالية وفيتنام والهند وفي بعض الدول العربية . مايحدث في الدول العربية بما اطلق عليه تسمية ” الربيع العربي ” في حقيقة اتساع وتطور حالة وعي جماهيرية عفوية مدركة لواقعها السياسي والاقتصادي الذاتي والعام وتتطور هذه الحالة بشكلها الطبيعي نتيجة الفهم للتأثير الذي يحتم حالة التغيير تترتب عليه مستقبلا خلق قيادات ” معرّفة ” ذات منهج فكري استقلالي سياسي اقتصادي واضح . في الماضي وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة برز ونشط الفكر السياسي الحماهيري الرافض للهيمنة الاستعمارية ورفض لحالات التخلف في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية وكان واضحا في الانتفاضات الجماهيرية التي عمّت غالبية الدول العربية . ركبَ العسكر هذه الموجة وتمكنوا من قيادتها بأنقلاباتهم العسكرية مستندين ومستغلين التأييد الشعبي الواسع لهذه الانقلابات على اعتبار انها تمثل طموحاتهم في التحرر والبناء والتقدم لكنها وبمرور الزمن تحولت الى دكتاتوريات لا تستطيع تنفيذ ما وعدت به مما جعلها اكثر سلبية من الانظمة المنقلبة عليها نتيجة سياساتها القلقة الغير مبنية على مناهج منطقية متطورة وسياساتها القلقة المشوشة الخارجية والداخلية . استغلت ذلك الدول الاستعمارية حتى انها كانت ” تغازلهم احيانا ” واشاعة الحروب والمشاكل وحالات الصراع مع المستعمر واسرائيل بالدرجة الاساس , لجني واستثمار نتائج هذه الحروب والصراعات . بالمقابل كان نتيجتها ازدياد الوعي والرفض الجماهيري لحال التردي الذي ساد المنطقة العربية وخاصة بعد حرب حزيران 1967 فكان هناك تطور في الحالة الفكرية الجماهيرية انفرضت على حكوماتها واحدثت انقلابات وتغيرات سياسية مهمة دخلت في حالة صراع استعماري عربي جديدة متطورة وقوية اربكت المستعمر العالمي التقليدي الذي تمثل في قيادته من قبل الولايات المتحدة الامريكية وابرز محطاته حرب عام 1973 ومشاركة مصر والعراق وسورية بشكل عسكري مباشر وفاعل . مع عدد كبير من الدول العربية بالمال والسلاح والعتاد والموقف السياسي استنادا للتأئييد الجماهيري العربي الواسع . ادى ذلك الى اثارة ” الكلب المسعور ” المستعمر بقيادة امريكا . فقامت بأنشاء وخلق بؤر وقواعد عسكرية اشبه بالقاعدة السكانية الاسرائيلية من خلال احداث انقلابات عسكرية و” تدجين ” قيادات عربية تقليدية تسيطر على مراكز السلطة و القرار بأسماء وصفات مختلفة تمسك بخيوطها وتحرّكها حسب مصالحها . ابرزها ” الخمينية ” و تصديرها للثورة . يعني الخراب والقلق وعدم الاستقرار . استغلت ايران ذلك ودخلت في حرب مع العراق مدته ثمانية اعوام كانت نتيجته ” لجم ” النظام الايراني وتحديد نشاطه مما احدث ذلك حالة قلق شديدة بين الدول الاستعمارية و” قاعدتهم السكانية ” اسرائيل وعدد من الدول العربية الرجعية المرتبطة مع امريكا بعلاقات استراتيجية قديمة ومن جانب كان حافزا قويا لتثوير جماهير الامة العربة والغاء حالة اليأس والتخاذل التي كانت تروّج لها الدول الاستعمارية واسرائيل . فحتم على امريكا وحلفاءها احتلال العراق بشكل مباشر فتم احتلاله عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وبمعونة ومساندة 33 دولة وبدون موافقة الامم المتحدة ولا مجلس الامن الدولي , رغم ان العراق قد وافق على كل ما فرضته امريكا واقره مجلس الامن بهذا الخصوص . فكانت بداية الكارثة التي عمت الوطن العربي وشملت كل الدول العربية . امريكا ” ارخت الحبل على الغارب للنظام الايراني ” في اللعب على الساحة العربية وبأسم الدين والمذهبية فلعبت بتمكن بالطائفية وخلق تيار شيعي ايراني فاعل احدثت شرخا في النسيج الاجتماعي في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين والسعودية ومحاولاتهم في مصر والمغرب وباقي الاقطار العربية حتى تجاوز ذلك الى الباكستان ودول افريقيا الاسلامية ودول اوربا الحاوية لمسلمين . استندت امريكا واسرائيل على ايران لاستلام زمام المبادرة في التخريب بكل اشكاله وانواعه وابادة جماعية وازاحة سكانية من خلال ” التيار الايراني الشيعي ” الذي خلقته ايران وبالرعاية والدعم الامريكي وكذلك لخلقهم أي امريكا وايران لحركة داعش وبعض المليشيات والكتل المسلحة في سوريا واليمن . والحقيقة ان احتلال العراق كما ذكرنا بداية الكارثة لهذا الموضوع . هذا الاسلوب الايراني المدعوم من قبل امريكا استثمر من قبلهم اي امريكا واسرائيل وايران لأبتزاز كل هذه الدول التي ذكرناها وغيرها وخاصة دول مجلس التعون الخليجي والسيطرة على اسواقها والاستحواذ على خيراتها بل تعدى ذلك لاستغلال كافة دول العالم ماليا وسياسيا من خلال سيطرة امريكا على ابرز واهم منابع نفط العالم في ايران والدول العربية والتحكم بها وبممرات تصديرها . بعد مرور ستة عشر عاما على احتلال العراق ” احتلال مزدوج امريكي ايراني ” والعبث الايراني المغالي في الوسط العربي والاسلامي انكشفت عدة امور” بوضوح سافر” لا يقبل الشك . منها ان التيار الشيعي الايراني اتضح بأنه تيار ديني كاذب مبني على العنصرية الفارسية صنواً للصفوية يعتمد المذهبية والطائفية كمناهج ووسائل واهداف لا تمت الى الاسلام وجوهره في شيئ متجاوزين على الوطنية عكس ما تنبني عليه الطوائف الشيعية العربية والغير عربية في العالم . الجانب الآخر تنامي ونضوج الوعي الحماهيري العربي بادراك عمق وقوة المؤامرة الاستعمارية الملتوية في هذا الجانب والتي تتمثل بان امريكا واسرائيل وايران ” حالة واحدة ” تنبغي مقاومتها ورفضها . والحقيقة الاخرى انفضاح الولايات المتحدة الامريكية وتحالفها المبطّن مع ايران واشاعة خلاف وتناقض كاذب مع ايران غايته الابتزاز والتخريب والهيمنة المطلقة في عموم المنطقة والحفاض على النظام الايراني من ثورة شعبية تطيح بهم مثل ” الثورة الخضراء ” التي حدثت في ايران عام 2009 وسكوت امريكي تشوبه الريبة . ادركت الجماهير العربية بشكل عام والعراقية واللبنانية بشكل خاص بعد معاناة شديدة انه لابد من الثورة على هذه الانظمة ” المخروطية الشكل ” التي تستخدمها امريكا لصب سمومها وشفط خيرات العرب من خلالها وستستمر هذه الثورات على امتداد الوطن العربي على الانظمة التي لا تتفاعل ولا تتناسب مع طموحات جماهيرها وتعمل على حماية مصالحها . لقد فضحت امريكا مصداقيتها الكاذبة مع العرب والعالم وخسرت ثوابتها السرطانية في المنطقة العربية بعد احتراق غطائها الديني والسياسي الكاذب والمزوّر الفاسد حدثت الثورات في تونس ومصر وسوريا واليوم في العراق ولبنان وستستمر في كل بلد عربي غير مستقل انها ثورة بركان مستعر ارعب ويرعب الولايات المتحدة الامريكية زعيمة الاستعمار العالمي واسرائيل وايران وكل من يواليهم . امريكا سلّمت العراق ولبنان وسوريا الى ايران على اساس انهم كعكة لذيذة سهلة القظم وتحاول ذلك في اليمن وانقلب السحر على الساحر وعصف بكل مكائدهم واوراقهم وبخورهم . انها رجّة الحق على الباطل ” إن الباطل كان زهوقا ” امريكا واذنابها لا يعرفون ولا يفهمون سوى القوة لأنهم جهات غاشمة لصوصية مجرمة فاسدة خالية من الانسانية ولا تحترم القانون . يسعون لبسط يدهم على كل ما يستطيعونه . قاتلهم الشعب العراقي ولم يستكين رافضا لهم ولعملائهم مستنكرا مشاريعهم واهدافهم ودستورهم . مرتزقتهم في العراق تمادوا في ايغالهم بتدمير العراق وقتل شعبه بمختلف قومياته ودياناته واثنياته وثار ضدهم في مناسبات عدة ابرزها زمن نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق وجابهوا الشعب بالقتل والتنكيل والاعتقال وثار ايضا في محافظة البصرة بداية عام 2018 وتجددت الثورة في 6 سبتمر من العام نفسه . واليوم الثورة القائمة في العراق ولبنان والاصرار العجيب على هذا الصمود رغم كثرة الشهداء الذي تجاوز المئات واللآف من الجرحى ادهش وافزع امريكا والمتسللين الى السلطة . في الماضي كان النظال والثورات ضد الاستعمار ورفضه واليوم ثورات الرفض الشعبي تعيد نفسها رغم ان حكومات الماضي كانت اكثر عقلانية و وطنة ومتجاوزة للطائفية والجنوح احيانا للعلمانية . لكن اليوم الشعب اوعى واكثر منطقية واقوى ثورية واصرار . الرعب والفزع يسود كل اعداء الامة العربية وعيد التحرر من العبودية و الانعتاق يسود الوطن العربي والعالم وستكون ثورة العراق ولبنان سيف الحرية الفاصل بين الحق والباطل