تنقسم المعلومة او المعرفة الى قسمين: حقائق وآراء. الحقائق تكشفها العلوم كالرياضيات والفيزياء والظواهر الطبيعية والوقائع والارقام والتواريخ، إما الآراء فتعتمد على التحليلات والاستنتاجات التي تسنتد الى الحقائق والوقائع والارقام.
التعليم في الدول المتقدمة يعتمد على الحقائق بينما في دول العالم الثالث ،بما فيها العراق، فيعتمد على التحليلات والاراء وحتى هذه لاتعتمد صياغتها على الوقائع والاحصائيات والتواريخ بل على العاطفة والعقيدة.
ضلت أجيالنا في العراق لاننا لم نتلق تعليما يعكس حقائقا علمية، بل كانت ولازالت مؤسساتنا التعليمية لاتفرق بين التعليم والتثقيف الآيديولوجي (Indoctrination) ومابرحت تعيد اجترار تعاليم حزبية أو عقائدية تستلهم تقاليد القبيلة أو مسلمات المذهب، ولم تكلف نفسها البحث عن الحقائق الدامغة بل اعتادت اللوذ بقدرة الله ونظرية المؤامرة كلما اعدمت الحجة والدليل لاثبات صحة مناهجها.لذا صار من الصعب ان تجد متعلما اكاديميا في العراق هذه الأيام يمكن ان يبهرك برجاحة عقله وحصافته وعلمية استنتاجاته وآراءه.
يلوي صواوين آذاننا كل يوم من على شاشات الفضائيات متثيقفين او أنصاف متعلمين من أمثال الثلاثي الوقح ” الدكتور” عبد الامير العبودي و “الدكتور” هاشم الكندي ونجاح محمد علي ومن على شاكلتهم بجدليات فارغة وسفسطات عقيمة ومملة من خلال اجترار افكار بالية استلهمت مبادئ نظرية المؤامرة التي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء الحرب الباردة.
قال الفيلسوف الاغريقي هراقليتس لتأكيد استمراية التغير والتبدل في حياتنا ” لاتستطيع قدما احد ان تطآ نفس ماء النهر مرتين,” مشبها استمرارية التغيير الذي نشهده كل لحظة باستمراية مجرى النهر الذي يتبدل ماؤه على الدوام.
لايعلم الثلاثي الوقح أن البروبكندا او الدعاية السياسية ،حالها حال بقية الافكار، تتطور وتتغير بشكل مستمر كما هو حال ماء النهر عند هراقليتس، وبالتالي تغير مفهوم البروبكندا الحديثة من اختلاق “الكذبة الكبرى” التي صاغها ادولف هتلر في كتابه “كفاحي” والتي هي تعبير عن تكنيك دعائي وخدعة منطقية في اختلاق كذبة كبيرة جدا مخالفة للوقائع والعقل لدرجة أن لا أحد يصدق أن شخصًا ما يمكن أن يمتلك الوقاحة لتشويه الحقيقة بهذه الصورة. ومثال الكذبة الكبرى هو ادعاء قيس الخزعلي ان من يقتل ويغتال المتظاهرين العراقيين المطالبين بحقوقهم ووضع حد للفساد والفشل الحكومي هم الامريكان والاسرائيليون.
يقول جوزيف غوبلز “إذا مااختلقت كذبة كبيرة بما يكفي واستمررت في تكرارها ، فلا بد ان يصدقها الناس في النهاية. أنه من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة أن تستخدم كل سلطاتها لقمع المعارضة من خلال تلفيق التهم الكاذبة، وبما أن الحقيقة هي العدو القاتل للكذب ، لذا فهي عدو الحكومة الاكبر.”
دعني انصحكم، ياابواق الولي الايراني، باعتماد تقنيات البروبكندا المعاصرة لتغطية عورات نظام وليكم وتدثير جرائمه البشعة، فهي اكثر فعالية من التقنيات القديمة التي توظف الكذب والتدليس.فالحروب الاعلامية المعاصرة صارت تعترف بالحقيقة لكن ليست كل الحقيقة بل تركز على جانب واحد من جوانبها وتتجاهل الجوانب الاخرى.
ومثال على ذلك، التركيز فقط على تعدي امريكا على السيادة العراقية عندما قتلت قاسم سليماني وتجاهل تعدي قاسم سليماني نفسه الدائم على السيادة العراقية وشن الميلشيات العراقية المؤتمره بامره والمقتول معه ابو مهدي المهندس – كتائب حزب الله- 11 هجموم على قواعد عسكرية تضم جنودا عراقيين وامريكان في انتهاك صارخ للسيادة العراقية وعدائية واضحة لمنسبي الجيش العراقي.
مثال آخر على ذلك هو التركيز على قتل التحالف الدولي لمئات المدنيين بالخطأ اثناء العمليات العسكرية ضد داعش وهذه حقيقة ولكنها حقيقة مجتزأة بينما كل الحقيقة هي شن اكثر من 35 الف غارة ضد التظيم وقتل الآلاف من عناصره وهزيمته وتحرير 110,000 كيلومتر مربع من الارض و 7.7 مليون انسان من سيطرته.
كل الحقيقة هي ان الاحزاب الاسلاموية العراقية التابعة لايران واجنحتها الميليشياوية قتلت واغتالت واختطفت ولازالت تفعل ذلك بالمئات من المتظاهرين العراقين، وجرحت ولازالت تجرح واعاقت ولازالت تعيق الآلاف من المتظاهرين الشباب السلميين لا لشيء الا لانهم قالوا كفى للفساد الحكومي والواسطات والمحسوبية، كفى للقتل والخطف الميليشياوي، كفى لفشل النظام السياسي والمحاصصة الداخلية والاستقواء بفيلق القدس الايراني على الشعب. بعض الحقيقة او ما اجتزئ منها هو قيام بعض المتظاهرين بحرق مقرات الميليشيا التي اطلقت عليهم النار أو رمي الحصى على افراد محافحة الشغب الذين يهاجمونهم بقنابل ” مسيلة دموع” قاتلة والعتاد الحي.
اغلب المروجين لولاية الفقيه الايرانية من المتثيقفين العراقيين من أمثال الثلاثة سالفي الذكر هم أشبه بالسفسطائيين الذين قال عنهم سقراط أن غايتهم هي كسب الجدل ،وليس الوصول إلى الحقيقة، وذلك من خلال توظيف كل الخدع والمغالطات المنطقية (Logical Fallacies) للتشويش على الحقيقة والترويج للكذب. وكي يكسبوا جدالا يخالف الحقيقة مع مجادلين مثل سقراط او افلاطون، اخترع السفسطائيون ثلاثة تكنيكات: ارباك الجدلية من خلال طرح عدة مواضيع لاتتعلق بموضوع الجدلية، الشخصنة ومهاجمة الطرف المناوئ في الجدال والاستهزاء به، وأخذ وقت اطول في الحديث من الوقت الذي ياخذه الطرف الآخر. وهذا فعلا مايقوم به الفيلق الاعلامي “الولائي” ليس لوعي منهم بهذه الاساليب ،فهم اجهل من ذلك، ولكنها اساليب دفاع بدائية غزيزية طابقت بالصدفة مدارس اعلامية مضللة.
وكما قال الرئيس الامريكي ابراهام لنكن ” يمكنك خداع جميع الناس لبعض الوقت ، وخداع بعض الناس كل الوقت، ولكن لا يمكنك خداع كل الناس كل الوقت،” فقد تستطيع ماكنة الولي الفقيه الاعلامية ،من خلال اذرعها من أمثال الثلاثي الوقح ومن لف لفهم،خداع بعض الناس لبعض الوقت ولكن لاتستطيع خداع كل الناس كل الوقت. أكاذيب هذه الماكنة لم تنطل حتى على اقرب الناس اليها – الشعب الايراني- وما تظاهرات الايرانيين واحتجاجاتهم المستمرة الا تاكيدا على فشل وسطحية بروباكندا النظام الايراني وافتضاح دجلها وتدليسها.
التطور العلمي والفكري المتسارع الذي تقوده الدول الديمقراطية التي تتبنى الاقتصاد الحر كفيل بتسييد الحقائق ونهاية المغالطات المنطقية والدجل والتدليس والتثقيف الايديولوجي المتطرف الذي تمارسه الانظمة الديكتاتورية والثيوقراطية المتخلفة ،مثلما تنبأ الفيلسوف الامريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ والانسان الاخير,” الصادر عام 1989 أن يتسيد العالم في النهاية نظام السوق الحر الاقتصادي والنظام السياسي الديمقراطي، وبالتالي فمهما حاولت النظم الثيوقراطية الاسلاموية المستبدة كالنظام الايراني وذيوله في العراق التشبث بالحكم من خلال الاستبداد والاضطهاد فلابد أن ياتي اليوم الذي يتبوأون به مكانا يليق بهم في مزبلة التاريخ وقد بدا هذا اليوم يلوح في الافق.