18 ديسمبر، 2024 8:17 م

(الثقة) ترتدي ناظوراً

(الثقة) ترتدي ناظوراً

هناك مفردات عملية تعيش معنا في حياتنا بشكل يومي ، ولاتحتاج الى قدر كبير من التفكير لمعرفة تفاصيلها، لانها لاتدخل اصلا في حالة الابتكار بقدر ماتمثل فعلا معاشا يستحيل التخلي عنه او اهماله ويشكل واحدا من اركان المنظومة المجتمعية او بالاحرى من اهم  عوامل خلق وحدة سياسية متكاملة تستطيع وضع تأثيراتها المباشرة في عملية قيادة الدولة على الطريق السليم.
والموضوع ينصب على قضية (الثقة) هذه المفردة التي يعمر وجودها الامم والسياسات، ويدمر فقدانها المجتمعات ويهدد البنيان ويغذي النعرات ويوظف صراع المكونات ويحرف التوجهات مما يتسبب في خلق شروخ في المجتمع وبالتالي تمزيق سلطة الدولة وتشتيت الارادات وقتل التجديد والتغيير الفعلي.
ولكي تكون الصورة اشمل وادق فأن فقدان الثقة يخلق الاضطرابات غير المحسوبة ويطبع قرارات الدولة بالارتباك، وربما تصل الامور الى تجميد او الغاء حالات الحسم خاصة مايتعلق باخطر القضايا.
ليس هذا حساب ، بل ان انعدام الثقة وخاصة في العمل  السياسي يعني الترويج لصناعة الازمات المتداخلة واللجوء الى صياغة خطاب يكتنفه الكذب والرياء مادام كل طرف سياسي يتحين ادنى الفرص لجر الامور والتدابير باتجاه مايخدم انتماءاته ومصلحته الخاصة، وبالتالي تحويل الممارسات او الاجراءات الحكومية الى حقل ملتبس او متشابك يقوض الاحساس بالثقة في الدولة وفي ممارساتها ، وهذا ماينتج عنه تكاثر ثقافة الانتهازية والفئوية.
اي صورة للانسجام الحكومي تبقى ناقصة ومشوهة اذا لم تكن الثقة تشكل فيها حجم الضياء الاكبر الذي يوضح الملامح العامة للمشهد، من هنا فأن  المواطن لايمكن ان يمنح ثقته للحكومة، اية حكومة جزافا بل يخضع اعطاؤها لرؤية دقيقة تدخل في حسابات الربح والخسارة، وربما لاينسكب  اناء الثقة بكامله بل ينزل قطرة قطرة ، اي انها (الثقة) تتعامل على اساس معادلة الاخذ والعطاء ، بمعنى اعطاء جزء منها بما يوازي حجم المنجز على الارض وقد تطول مدة الوصول الى نهاية الاناء، الا اذا كان العطاء متواصلا ولايعرف التوقف، عندها تتساوى نسبة الثقة الممنوحة مع المتحقق من انجازات.
اعتقد جازما ان زمن مايسمى بالثقة العمياء او المطلقة قد رحل تماما عن سلوك المجتمع العراقي بعد ان صقلته تجارب السنين الماضية واجبرته على القفز على الفخاخ السياسية والوعود الكاذبة حتى صارت( الثقة) ترتدي ناظورا لتفحص الامور.