في نهاية كل عام ، نكتب ويكتب غيرنا عن العام الذي مضى ، وعن أمنيات العام الآتي ثم ننتبه إن الأعوام في العراق متشابهة إلى حد عجيب، متشابهة في الانحدار الثقافي، كما هي متشابهة في الانحدار على أكثر من مستوى ولكن نتصرف مع بداية كل عام جديد على أساس تفاءلوا بالخير تجدوه، إذ لا بد للإنسان كي ينجو من إحزانه وهمومه أن يضحك على ذقنه وذقون الآخرين، فليس في الجو ما يوحي على التفاؤل لان سماء الوطن ملبدة بالغيوم والهموم والعواصف أيضا. وإذ نترك الحديث عن هموم السياسة والسياسيين إلى المحررين الثقافيين في الصحف والفضائيات، نود هنا في هذه العجالة أن نتحدث عن الثقافة بين ما هي في اشتعال أو انطفاء.. الانطفاء يمتد إلى أكثر من ناحية وفي أكثر من بلد، ففي بغداد مثلاً يقتل الإرهاب الثقافة، وتنحدر من عال إلى أسفل خصوصاً في مجال النشر والإبداع، فبينما تجربة (العنف) غنية على الرغم من فجائعها حيث تلونت في أكثر من اتجاه وحركة، فأنها لم تعط نتاجاً أدبيا بمستوى ما حدث، ومرة سألت الناقد المعروف (يوسف نمر ذياب) رحمه الله ، حــول هذا الموضوع فقـــــــــــال (أن الأحداث الكبيرة لا تختمر في ذهن المثقف إلا بعد فترة طويلة) وإنني أتساءل الآن، أليس الأعوام الماضية زمناً كافياً لتتحرك خميرة هذه الأحداث في عقل الكاتب العراقي الذي عاش هذه الأحداث المدمرة؟ ولعل تبرير هذا الانحدار نقرأه في أكثر من قلم بالقول إن أعمال العنــف في العـــراق ليس لها هــدف في الواقع، فكلما حاولت الأطراف ان تحدد لها هدفاً ما، جاءت أطراف أخرى وناقضتها حتى بات الأمر إن العنف قائم من اجل العنف، ان لم نقل إنها حرب الآخرين على الأرض العراقية… وان الأشخاص المنهمكين بها أصبحوا أداة لهذه الحرب لا يعرفون فيها فكاكاً.. أتذكر في منتصف الثمانينات من القرن الماضي انشغل العرب بجائـزة نوبــــل، وظلت هذه الجائزة شغلهم الشاغل منذ زمن طويل، إلى أن جاء عام 1988 ليتوج نجيب محفوظ الروائي الكبير بالجائزة الحلم، والآن نرى إن الأصوات بدأت تخبو، فلم نرََ صوتاً واحداً يتساءل عنها، أو قلماً واحداً يُطالب بها.. ولعل الأدباء والمثقفين العرب أصبحوا أكثر انشغالاً بما هـو أهم من هذه الجائزة ! مهرجانات ثقافية عديدة منها في القاهرة وعمان ودمشق وبيروت وحتى بغداد- على النطاق المحلي تبعاً للظرف الأمني الحالي- ولولا هذه المهرجانات ،لاعتبرنا حياتنا الثقافية قد قفرت كثيراً عما كانت عليه في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. وبرغم كل ذلك فأننا نترحم على تلك الأيام حيث كانت الثقافة العربية أكثر ازدهاراً ربما بسبب ظهور أكثر من رائد شعري أو روائي أو قصصي أو مسرحي، بل قيل وقتذاك أنه لو ظلت مسيرة الثقافة العربية على تلك الوتيرة فأن مستقبلها سيكون عظيماً ولا شك لكنها تشرذمت مع حالات التشرذم التي حصلت على المستوى السياســي، وغابـت أصوات أصيلة عن الساحة لتحل محلها أصوات مزيفة.
بــــين التمني والأمنــية ، بين الواقـــع والطموح، نحاول هنا أن نستـشرف المستقبــل ثم نعـود ونكــرر(تفاءلوا بالخير تجدوه) فإذا كانت العقود الماضية متشابهة إلى حد عجيب، فعسى أن ينجو العام القادم من التكرار وتضيء حياتنا الثقافية بأكثر من إضاءة وأكثر من لفت نظر… .
إن الأمل كبير أن تصعد بنا الحضارة إلى المستوى الذي نستطيع أن نفاخر بها الأمم الأخرى ومن بين اضاءات هذا الأمل الكبير إزاحة الكابوس الأمني المتمثل بالعنف في عراقنا الجريح… لقد نشط الكثير من كتابنا طوال العام الحالي في المجالات الشعرية والإبداعية الروائية والقصصية والمسرحية ، من اجل البحث عن كوات النور في حياتنا الثقافية والمحاولة ستستمر هذا العام… وكل عام.