أنت مثقف.. قالها الاكاديمي لشيخ العشيرة.. ففتل الشيخ شاربه…وحاول ان يبحث في ذاكرته عن هذه الكلمة ..فلم يجدها. فرك جبينه بيده.. ضاغطا على دماغه..عسى ان يتذكر .لكنه تيقن ان هذه كلمة غريبة .. وقد تكون مشينة… وخاصة انها صدرت من هؤلاء الافندية الذين دخلوا عليه بسبب (طلابة) حصلت قبل يومين… ودون شعور.. احس بالدم …. يصعد الى قمة راسه..فاشتعلت عينيه غضبا… وصاح بالافندي. انامسقف…!
فاجاب الافندي مصرا.. وبحدة: نعم شيخ.. انت مثقف…
نظر الشيخ الى من حوله وصار لزاما عليه ان يضع النقاط على الحروف.. فصاح بوجه الافندي:انا مسقف.. ولك انت مسقف .. وابوك.. وابوابوك. وامك.. وام امك ..وجدك ..وجد جدك .. يا مسقف ياابن المسقف..اختك مسقفة . وخالتك .وعمتك.. واللي رضعك.. انا مسقف ..يا ما تستحي…وحك هذا الزاد .. لونك خارج مضيفي ..اردك لبطن النكلك.. يامسقف ..يبن المسقغة..
.. قفز ابن الشيخ .. وهمس في اذن والده الشيخ .. يابه ..مثقف مو مسقف.. يعني تفتهم.. يعني حسجة.. هو جاي يمدحك…تلعثم الشيخ…وابتسم للافندي..وقال متوددا: ..يا بعد روحي… فدوة اروح لحلكك. تعذرني .تراني افتهمت غلط.. ما متواصل ويه هاي حجايتكم..ابتسم الافندي وقال بتودد: .. شيخنا كلامك حلو.. عجبني..رجع الشيخ الى الخلف.. واتكأ على وسادته وقال: .. إيه .. هاي حسجة .. حسجة يابني…لذلك …يبدو ان حديثنا عن الثقافة … سوف يدخلنا في مستنقع المصطلحات.. وقد لا نخرج منه.. الا بسوء تفاهم مثل ماحصل بين الشيخ والافندي…
الا ان شيئا اخرا خطيرا ..يحصل في مجتمعنا… جماعة تفهم غلط… او ما تفتهم اصلا… لذلك تهاجم من يعمل لاجلها.. ويضحي لاجل مصلحة عامة .. في الوقت نفسه … نراهم يتبعون من يسرقهم ويفجرهم .. ويهجرهم… هنالك نسبة من مجتمعنا ترفض الاصلاح وتساند الفساد ..وهذا مرض خطير .. بل غباء عجيب… جر بلدنا للديكتاتورية والحرب والفوضى سابقا.. وسوف يجرنا الى الضياع والكوارث الاصعب…
وهذا الغباء الجمعي عند جزء من مجتمعنا… كانت له مواقف مشينة منها:اولا: وقفوا ضد المقاومة… وهي فعل الاشراف من ابناء شعبنا الذين ضحوا بارواحهم من اجل استقلال العراق وسيادته .فضلا عن تحريره من الاحتلال….. ولازال ابطال المقاومة في سجون السلطة الفاسدة..ثانيا: وقفوا ضد التظاهرات المطالبة بالاصلاح… وهم لم يفهموا الجهد الذي يبذله هؤلاء الصفوة (المتظاهرون) من اجل اصلاح العراق.. وانقاذ الوطن من سلطة الاحزاب الفاسدة التي استخدمت الاعلام والدين للتستر على سرقات الفاسدين ..ثالثا: انخدع الجهلة باشاعات السلطة ضد المعتصمين.. ورددوها بغباء فائق…دون ان يفهموا ان المعتصمين خاطروا باواحهم من اجل المجتمع… ودون ان يفهموا ان الاعتصام لاجل الاصلاح..ولاجل نقل السلطة من الخارج الى الشعب.. وهذا لا يخدم مخابرات الدول وعملاءها في العراق.. فوقف الغباء الجمعي الى صف اعداء العراق ..وضد من يعمل لاجل الفرد العراقي..رابعا: اعترضوا على الاضراب… وهو حراك سلمي حضاري مشروع… والمشاركون فيه امتنعوا عن الطعام لاجل توفير لقمة العيش للفقراء في العراق ..وكأن البعض من شعبنا يقف الى جانب السجان والسارق والظالم .. لماذا.. ؟والعجيب.. ان هذه الفئة تواجه المتظاهر والمضرب… باعتباره هو المشكلة او من سبببها… وعندما تسألهم عن الوضع العراقي. ينتقدون ويتباكون ..ويعلنون فساد السلطة… لكنهم يعترضون على اي حراك اصلاحي من اية جهة…لماذا..؟اعتقد ان هذا مرض عند بعض العراقيين بسبب:
اولا: تاثير الحكم الديكتاتوري السابق والحالي الذي سخف العقول وقيدها.. ومنع التفكير الحر… لاجل السيطرة عليها..ثانيا: مجتمعنا .. الذي يتدخل في خصوصيات الفرد .. ويفرض النظام العام على الفرد اجبارا.. مما انتج المشاعية .والغباء الى حد ما…
ثالثا: الاسرة العراقية.. التي حجمت حرية الطفل .. سابقا.. مما انتج لنا هذه الحالة المرضية الخطيرة..رابعا: الانخداع بالطائفية… على انها تحقق مصلحة الفرد ..الا ان الواقع اثبت خلاف ذلك..اكيدا .. بل ان صلاح العراق فيه فائدة للجميع.. ليس الا..
واعتقد ان الكثير ممن اعرفه وتعرفونه يعاني من هذا المرض .. وانصحه ان يتجرد من الخوف والجبن .. وينزل مع التظاهرات..وسوف تكون له علاجا شافيا من الخنوع و.. الغباء..بعون الله. تعالى.. وللحديث بقية..