يقال الرعية على دين ملوكهم ، وفعلا عاش العراق فترات ازدهرت فيها المكتبات بأنواع الكتب وكثرة المثقفين الذين يبحثون عن القراءة ، من اجل الوصول إلى مدينة الثقافة التي من خلالها تنتعش العقول .
حيث تصنع القراءة جيلا مثقفا ، والثقافة تصنع أساس الحضارة ، فمن دونها تهوي المجتمعات والحضارات إلى ما لا يحمد عقباه من خانات الجهل ، والتي هي نوع جديد من الأمراض التي تصيب الإنسان بعد خانة الإمراض العضوية ، لان القراءة تصنع أنسانا ومجتمعا كاملا متنورا ومستعد لهزيمة أحلك الظروف التي تواجهه بصور متعددة جميعها عبارة عن أنفاق الظلام .
فالفاكهة اغلبها تفسد وتصاب بالعفونة أذا لم يحسن خزنها ولا تصلح للأكل ، والمزارع لا يستطيع مواجهة بعض الإمراض التي تصيب المحاصيل بدون مبيدات ، وهكذا الإنسان بدون القراءة لا يستطيع أن يقوم ببناء حضارة أركانها النجاح وهو أيضا لا يستطيع أن يهزم الفيروسات التي تصيب فكر الإنسان من دون حمايتها بالقراءة .
نحن بحاجة إلى ثورة على مضاجع التخلف والفقر والمرض النفسي ، ليعيد له إنسانيته المسلوبة ، ولسنا بحاجة إلى أبطال يدخلون من باب الثقافة والعلم خلسة ، ويسيل لعابهم إلى الألقاب الفضفاضة والعناوين المزورة من هنا وهناك ، والأعمال المترهلة الفاشلة اكبر شاهد فاضح على هواة التزوير للألقاب في المجتمعات عامة والعراق خاصة هذه الأيام ، فالمفكر لا يصنع راقصا يمتهن دور قائد؟ ولا ينتج هزيلا يجسد دور فيلسوف ، فمن اعتلى مكانا ليس أهلا له وإنشاء حانة لتاليه الجلوس على رقاب الشعب ويعمل بجد على ضمان تخلفهم ، سيسقط سريعا ، من الضربات القاضية للقراءة التي تنير أركان فكر الإنسان وتجعله يغادر الجهل، ويلتقي بأصحاب الفكر وبأرخص الإثمان .
فمنذ 13 عام مضى ونحن نعيش لهذا ليوم بوعكة صحية مزمنة ، بسبب تجاهل الحكومة لثقافة المجتمع ، مع وجود عدد جيد من المكتبات والكتب المطبوعة وقلة قرائها ، وعدد معارض الكتب وندرة زوارها ، وزاد الطين بله أخفاق وزارة الثقافة ومعها التربية والتعليم ، ومن ثم جاء الانترنيت وزاد الجهل تطرفا وعصيانا ، الذي صار المتهم الأول في حجب المعارض ونفي روادها وأحبابها ، أليس من المحزن والمؤسف أن تكون بلاد ما بين النهرين صاحبة أول أبجدية في العالم ، ونكون أصحاب أدنى مستوى للقراءة واقل أنتاجا في ضخ الحبر على الورق ؟ أتعجب على كل إنسان متنور والطبقة السياسية بشكل خاصة ، المفروض على كل شخص فيهم يتوق إلى خدمة مجتمعه وهو لا يقرا ليصل ولو إلى مستوى بسيط من الثقافة كونهم أصبحوا واجهة بلد مثل العراق ، ويجهل انه لا توجد حضارة في العالم قامت نتيجة الجهل المؤسف وجود عدد قليل من السياسيين الذين يرعون الثقافة والمثقفين في العراق ، ومنهم ( الدكتور أياد علاوي والنائبة ميسون الدملوجي والسيد جلال الطالباني ) . فأين دور الحكومة من الثقافة والمثقفين أصبحوا حالهم حال باقي القطاعات المعطلة التي تعصف بالبلد إلى وادي القهر والفقر والجهل والظلام .