23 ديسمبر، 2024 5:21 ص

الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين 2/2

الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين 2/2

نرجع إلى إشكالية الدليل على وجود واجب الوجود وأزليته، فيما يشكل ثغرة بسبب محدودية الإدراك الإنساني، فأقول إن هذه الثغرة الاستدلالية، الناتجة ربما عن عجز أو محدودية الخيال البشري، لا تقلل مع هذا من يقين الكثير من العقليين، أو مقاربة اليقين، لصحة دليل واجب الوجود عندهم، لأن الثغرة أو الثغرات التي تنطوي عليها النظرية المادية اللّاإلهية أشد لامعقولية عندهم بكثير، فهي تنتهي أيضا إلى نقطة لا يعرف مريدوها – في نظرهم – ما كان قبلها، بحيث لا يجيبون السائلين على سؤال من الذي أوجد المادة الأولى، أو الطاقة الأولى، مع فرض القول بأصالة الطاقة بدلا من أصالة المادة، وأن الطاقة استحالت مادة، ثم كان الانفجار الأول، الذي نشأ منه الكون. ولا يبقى من خالق إذن لدى المادية إلا أصالة ثمة منفعل وثمة فاعل؛ المنفعل هو المادة أو الطاقة أو الطبيعة، والفاعل هو الصدفة، ولا بد أن تكون هذه الصدفة قديرة عليمة مريدة عاقلة حكيمة. وقد نفى ميشيو كاكو الصدفة، وقال بوصوله إلى اليقين بوجود المصمم الأول، الذي لم يكتف بتوصيفه بل أسماه الله God. وقديما قلت لنسلم بكون دعوى الوجود الأزلي للعلة الأولى واجبة الوجود تمثل خرافة، فإن القول بخالقية الصدفة خرافة هي الأخرى، فلنسأل أنفسنا عندها ونحن نواجه الخرافتين، أي الخرافتين يا ترى أشد خرافة، وأيهما أقرب إلى قبول العقل بها، وإن كان ثمة سؤال يبقى بلا جواب، هذا مع احترامي لكل من أصحاب الرؤيتين، فبلا شك إن عقلاء كل منهما أبعد ما يكونون عن الخرافة، ولكن لنفترض وقوع رافض الخرافة فيها دون أن يعي ذلك. ومع هذا حاولت أن أفكر بكيفية الإجابة على سؤال الأطفال التقليدي «ومن الذي خلق الله إذن؟»، والذي هو في الواقع سؤالنا نحن الكبار، ولكننا نكابر وننسبه للأطفال، فأقول لنساير العقل الطفولي (أو المنطق الطفولي) فينا مع سؤاله هذا، فنقول، حسنا إن هذا الخالق المبدع القدير الحكيم العليم يحتاج إلى من يخلقه. فيُرَدّ على ذلك بردّين، هو إن افتراض وجود خالق للخالق سيجرنا إلى وجود خالق لخالق الخالق، وهذا يتسلسل إلى ما لا نهاية في سلسلة العلل التي لا بداية لها، وهذا يعني الإقرار بتسلسل العلل اللامتناهي الممتنع عقلا، لأنه إذا صح، لم يكن سيكون هناك أي وجود، بينما علمنا بالوجود لا شك فيه، لأننا نعيشه، وبالتالي هو ليس من العلم الحصولي، بل من العلم الحضوري، وبالتالي البديهي. أما الرد الثاني، هو أن خالق الخالق، إذا كان بإمكانه أن يخلق خالقا يخلق كل هذه الأكوان، فمن قبيل الأولى أن يكون قادرا على المباشرة بنفسه في خلقها. وبالتالي ينحصر عندي تفسير علة الوجود في واجب الوجود سبحانه، مع احترامي لمن لا يرى ذلك. ولا أنفي إمكان وجود إجابات لبعض المفكرين الماديين قد تشعر إجابتي الباحثة عن جواب بالوهن أمامها، دون أن تنهار، حسب تقديري.

أقول هذا فقط لأبين للقارئة الكريمة والقارئ الكريم، لماذا أنطلق من الإيمان بالله في نفي الدين، مع إن ليس همي إثبات وجود الله، والإقناع بأدلة ذلك، بقدر ما يصب اهتمامي وهمي إلى نفي الدين، سواء آمنا بالله، أو لم نؤمن به، أو كنا لاأدريين.