22 ديسمبر، 2024 11:30 م

الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ودلالته للمرأة العراقية

الثامن من آذار يوم المرأة العالمي ودلالته للمرأة العراقية

يأتي موضوع اليوم الدولي للمرأة (8 آذار / مارس 2020) رافعًا شعار ” أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة ” في إطار حملة هيئة الأمم المتحدة للمرأة الجديدة المتعددة الأجيال, وهو جيل المساواة, الذي يأتي بمناسبة مرور 25 عامًا على اعتماد إعلان ومنهاج عمل بيجين، والذي اعُتمد في عام 1995 في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بيجين، الصين، باعتباره خارطة الطريق الأكثر تقدمًا لتمكين النساء والفتيات في كل مكان.

يعد عام 2020 عامًا محوريًا للنهوض بالمساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم، حيث يقوم المجتمع العالمي بتقييم التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة منذ اعتماد منهاج عمل بيجين. كما سيشهد العديد من اللحظات الحثيثة في حركة المساواة بين الجنسين: مرور خمس سنوات منذ إعلان أهداف التنمية المستدامة؛ الذكرى العشرين لقرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن والذكرى العاشرة لتأسيس هيئة الأمم المتحدة للمرأة.

وهناك إجماع عالمي بأنه على الرغم من إحراز بعض التقدم، إلا أن التغيير الحقيقي كان بطيئًا بشكل مؤلم بالنسبة لغالبية النساء والفتيات في العالم. اليوم، لا يمكن لبلد واحدة أن تدعي أنها حققت المساواة بين الجنسين بالكامل. وتبقى العقبات متعددة دون تغيير في القانون، وأما على الجانب الثقافي، فلا تزال النساء والفتيات لا يلقين حق تقديرهن؛ فهن يعملن أكثر ويكسبن أقل وتتاح لهن أيضًا خيارات أقل؛ ويتعرضن لأشكال متعددة من العنف في المنزل وفي الأماكن العامة.علاوة على ذلك، هناك تهديد كبير بتراجع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس.

يهدف اليوم العالمي للمرأة ويركز على التعجيل بأهداف جدول عام 2030 وبخاصة التركيز على تحقيق المساواة بينها وبين الرجل وبالمثل ضمان تقديم التعليم الجيد لها. والاهداف الرئيسية لجدول اعمال 2030 هي على النحو الآتي: ضمان تعليم ابتدائي وثانوي جيد ومجاني ومنصف للإناث والذكور على حد سواء, للوصول الى نتائج تعليمية فعالة بحلول عام 2030. ضمان فرص حصول كل من البنين والبنات على فرص رعاية جيدة في مرحلة الطفولة المبكرة, وفرص من التعليم الجيد قبل الأبتدائي ليكونوا جاهزين لدخول مرحلة التعليم الأبتدائي بحلول عام 2030. القضاء على كافة اشكال التمييز ضد الأناث في كل مكان. القضاء على كافة اشكال العنف التي تمارس ضد المرأة والبنات بما في ذلك الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي وكافة انواع الاستغلال الأخرى. القضاء على كافة المماراسات الضارة للإناث مثل الختان أو الزواج المبكر أو الزواج القسري( الأجباري أو بالأكراه ). تمكين المرأة أقتصاديا, أن التغيرات التي تحدث في بيئة العمل بسبب التطور الكبير في ظل التكنولوجية والرقمية وفي ظل وجود العولمة من جهة, ومن جهة اخرى عدم استقرار الدخل والسياسات المالية بالأضافة الى التأثيرات البيئة كل هذه العوامل مجنمعة تترك آثارا لا يستهان بها على الأناث وعلى الفرص التي تحصل عليها في بيئة العمل, ولذلك فأن اليوم العالمي للمرأة ينادي بضرورة معالجة هذه القضايا في سياق التمكين الأقتصادي للمرأة.

ويشكل هذا الإعلان قيمة أخلاقية وإنسانية في إعلانه صراحة على الصعيد العالمي بعدمية الفروق بين الجنسين في المساهمة في الحياة والحقوق العامة. ويشكل هذا الإعلان عودة إلى الفطرة الإنسانية والى مرحلة تاريخية ما قبل اللاتساوي بين الجنسين ونبذ الفروق الجسمية والعقلية والنفسية باعتبارها مصدرا بهيميا لعدم المساواة والتي يبنى عليها شتى مظاهر اضطهاد المرأة.

وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية والإقليمية بتنوعها الديني والاثني والقومي, وعلى الرغم مما حققته من انجازات فردية على صعيد انخراطها في التعليم بمختلف مراحله, ودخولها عالم المهن المختلفة من طبية وتدريسية وهندسية وإدارية وجامعية, وصولا إلى تبوئها مناصب عليا وزارية وغيرها, فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أنها حققت تقدمها في المساواة مع الرجل, بل المهم في ذلك كله هو المزاج والموقف العقلي والفكري من مساواتها, فهي لازالت مشروع استلاب منذ نعومة أظافرها, حيث تفرض عليها الوصاية التربوية والوعظية وتتعرض إلى مسلسل لا حصر له من الممنوعات من صغرها حتى شيخوختها, إلى جانب ما تتعرض له من مختلف صنوف التعذيب والعنف الجسدي والنفسي والأخلاقي, وكذلك العنف الرمزي غير المرئي الذي يتجسد عبر الثقافة والتربية والموقف المذل منها يوميا عبر معاملتها كجنس من الدرجة الثانية, وفصلها اجتماعيا عن الرجل سواء في البيت أو المدرسة أو الدائرة ومنعها من الاختلاط والتدخل في تفاصيلها اليومية, انطلاقا من مسلمات لا صحة لها ” كناقصة عقل ودين “.

في العراق وحيث الهجمة الشرسة على المرأة العراقية منذ عقود سلفت والى ما بعد اسقاط النظام الدكتاتوري في 2003 حيث تتعرض المرأة العراقية الى مختلف صنوف الاضطهاد وتدني المكانة الاجتماعية والاقتصادية جراء هيمنة قيم الدكتاتورية السابقة وما تلاها من تسلط الأسلام السياسي على رقاب النساء وحصر المرأة في دائرة الأضطهاد والأذلال المشرعن. وقد افرز هذا جراء عقود مضت الكثير من الظواهر ولعل ابرزها ما يأتي:

ـ تراجع حقيقي للمرأة عن المشاركة في الحياة الوظيفية والخدمة العامة وفي النشاط الاقتصادي, وبالتالي تبعية فعلية للرجل في تأمين لقمة العيش والملبس والمأوى..

ـ تراجع فعلي في دور المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية وفي التأثير الإيجابي على المجتمع وفي حياة الأندية الفكرية والرياضية والمحافل الثقافية. وتشير بعض الإحصائيات إلى تنامي الأمية في صفوف المجتمع في الريف والبادية إلى 75 % بين الرجال و98 % بين النساء في الوقت الحاضر.

ـ تراجع شديد في عدد الطالبات في المدارس والمعاهد والجامعات بما يعكس موقف الرجل من المرأة وحالة الإرهاب التي لا تقتصر على الاختطاف والابتزاز المالي والاغتصاب الجنسي فحسب, بل ومعرضة للموت أيضاً. وكل المعطيات المتوفرة تشير إلى ذلك بصراحة كاملة.

ـ انتشار البطالة بشكل واسع في صفوف الإناث ويشكل أضعاف حجم البطالة في صفوف الذكور, إضافة إلى التمييز الصارخ في الأجور. ويشار إلى أن نسبة البطالة في العراق تتجاوز ال 60 % من إجمالي عدد القادرين على العمل, ولكنها متباينة في نسبتها بين الرجال والنساء في غير صالح النساء.

ـ تنامي عدد الأرامل بسبب الحروب الماضية والحاضرة وبسبب الإرهاب الدموي الذي يقتل العشرات يومياً ويحيل الكثير من النساء إلى أرامل والأطفال إلى يتامى ويخل بالتوازن المطلوب في التناسب بين عدد الإناث وعدد الذكور في المجتمع. تنامي عدد النساء العازبات اللواتي تجاوز عمر كل منهن الثلاثين سنة واللواتي لا يحملن شهادات أو عجزن عن الحصول على فرصة عمل شريفة.

ـ تفاقم أزمة السكن التي تسحق يومياً وتحيل الكثير من العائلات الفقيرة والكادحة وخاصة النساء الأرامل والمطلقات مع أطفالهن إلى العيش في ظل ظروف قاسية ومريرة وحرمان مطلق, أو تتكدس أربع إلى خمس عائلات في دار واحدة تزدحم بالأطفال وانعدام الحياة الطبيعية الخالية من المشاكل.

ـ التأثير الصارخ لرجال الدين الرجعيين والمؤسسات الدينية المتخلفة, وليس لبعض علماء الدين الذين يتفاعلون مع العصر الحديث والتغيرات الطارئة على الحياة, وكذلك المشعوذين والسحرة واللاعبين بعقول كثرة من الذكور البسطاء والمسيطرين على عقول نسبة كبيرة من النساء وعلى تصرفاتهن وممارساتهن اليومية.

ـ تضليل المرأة في ضوء العلاقة مع رجال الدين والفتاوى في الغيبيات واعتبار أن ما يصيبها هو قدرها المكتوب عليها وليس في مقدورها رد المكروه عنها.

ـ ارتفاع نسبة الجريمة المرتكبة بحق النسوة من حيث الاختطاف والابتزاز والاغتصاب الجنسي والاعتداء بالضرب والاضطهاد والقمع غير المعهودين. وعلينا أن نؤكد بأن المرأة تعاني من انتشار البغاء النسوي لا لرغبة فيه بل لأسباب اقتصادية واجتماعية قاهرة. وعلينا هنا أن نذكر بأن نسبة السكان الذين يعيشون اليوم تحت خط الفقر المحدد دولياً تصل إلى 40 %, إضافة إلى أن هناك نسبة أخرى عالية تقف على خط الفقر أو ترتفع عنه قليلاً, في بلد يعتبر واحداً من أغنى دول العالم في امتلاكه للنفط الخام.

ورغم أن الدستور العراقي للعام 2005 ضمن لها نسبة من المشاركة” الكوتا ” 25% في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء ومجالس المحافظات, إلا أن الأسلام السياسي افرغ هذه الممارسة من محتواها الأيجابي وحول ” الكوتا ” الى كوتا سياسية طائفية واثنية لا تحمل اي اجندة صوب تحرير المرأة والدفاع عن حقوقها, بل تحولت الكوتا الى مدافع أمين لتكريس اضطهاد المرأة والتصويت على الكثير من القرارات الجائرة والتي تعيد انتاج تخلف المرأة والتضييق عليها.

أن زخم مشاركة المرأة العراقية في احتجاجات اكتوبر والوقوف الى جانب الرجل وتصديها للكثير من القضايا المصيرية التي يمر بها العراق, واهمها البطالة والفساد وسوء استخدام السلطة وتدهور الخدمات هي نقطة تحول حضارية وانطلاقة مميزة تعيد للمرأة العراقية مكانتها التاريخية وليس غريبا ان تخرج نساء العراق للمطالبة بالأصلاح ومحاربة الفساد ومحاربة سراق المال العام. أن وجود المرأة في التظاهرات هو انعكاس لوعي المرأة المتبلور على خلفية الأزمة العامة في البلاد والتي بدون شك تطال كلا الجنسين. لقد اقتحمت النساء العراقيات ساحات الأحتجاج من شابات وطالبات ومثقفات ومعلمات وفنانات وأديبات واعلاميات وربات بيوت وارامل وحتى النازحات والمهجرات وقد ألتقين جميعا على قضية واحدة هي الأصلاح, وقد وصلت نسبة مساهمة العنصر النسوي بمختلف تنوعاته الى ما يقارب 40% من مجموع المتظاهرين قياسا بنسبة مشاركتها في تظاهرات 2015 والتي بلغت 15%.

يجب أن يبدأ مشروع إقامة الدولة المدنية من نقطة إعادة النظر في مجمل الأسس الدستورية والقانونية والسياسية، والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية السياسية, والذي يضمن المساهمة العادلة لكلا الجنسين وبما ينسجم مع التوجهات الأممية في الأعتراف بحق الآخر في العيش الكريم.

كما تتطلب مهمات مشروع الدولة المدنية ترسيخ جهود الاندماج المجتمعي، وتعزيز الهوية الوطنية، من خلال تأكيد مبدأ التنوع داخل الوحدة، وإدارة التعددية السياسية والثقافية، من خلال التقريب بين قدرات النظام السياسي وقدرات الجماعات الأثنية والطائفية وتنظيمها. والتي تتطلب إيقاف موجات التعصب الطائفي والعنف المرافق له – والذي شل الدولة، وعطل حركتها – والتصدي لاحتمالات انهيارها، وتقسيم البلاد على أسس عرقية ومذهبية. فالدولة المدنية التي تبيح الحريات الأساسية، وتقيم نظام العدالة والمساواة والحريات هي أيضا الدولة القوية التي تقيم سلطتها وهيبتها في فرض النظام العام والأمن والقانون، وإنهاء حالة الانفلات الأمني والإرهاب، وتوفير الأرضية الملائمة لتحرر المجتمع من هيمنة وتدخلات الجماعات السياسية, وان هذا بالتأكيد يضمن أمنا نفسيا واقتصاديا واجتماعيا للمرأة كي تؤسس لأنطلاقة حضارية تستجيب لظروف العصر الذي ينادي بالمساواة بين الجنسين..
تعد التنمية الاقتصادية، والتوزيع العادل للثروة، وإيجاد فرص العمل، ومأسسة تقديم الخدمات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال نظام للرفاه الاجتماعي، من المهمات الرائدة للدولة المدنية، التي تهدف إلى تحقيق نهضة حقيقية. الركيزة الأساسية لهذه الدولة هي تدعيم نوعية الحياة، وتعزيز حقوق المواطن في التنعم بحياة كريمة وتحقيق العدالة بين الجنسين..

على الدولة المدنية أن تتولى مهمة القضاء على الفساد بكل أنواعه، الذي أصبح إحدى العقبات الأساسية في عملية بناء الدولة العراقية، وإعادة ثقة المجتمع بها وبأجهزتها التي اهتزت خلال سنوات الأخيرة، عن طريق تفعيل بناء المؤسسات الرقابية، وأجهزة المحاسبة، وتعزيز الشفافية، وسلطة الصحافة، وتطبيق القانون بحزم. كما يتناقض جوهر فكرة الدولة المدنية القائم على الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص تماماً مع أساليب الابتزاز والرشاوي والصفقات المشبوهة، والتطفل على النشاط الاقتصادي، وأي مظهر من مظاهر الفساد المالي والإداري, وان الفساد بحد ذاته يفسد العدل ويعيق توزيع الثروات بانصاف بين الجنسين.

أن بناء دولة مدنية في العراق لا تقتصر على إنهاء الصراعات السياسية فحسب، بل إنها تعمل على إطلاق الطاقات الخلاقة لدى المواطنين, وان مدخل ذلك هو اعادة اصلاح منظومة الحكم وأسس بناء النظام من خلال التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية, والذي لا تنسجم توجهاته مع لوائح حقوق الانسان في العيش الكريم الى جانب عدم انسجامه مع حق المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات والعيش الكريم. كل التحايا والتقدير لعيد المرأة العالمي والنصر حليف قوى الديمقراطية والسلم والتقدم الاجتماعي.

روابط المقال:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=665634&r=0
https://www.feedo.net/Society/SocialInfluences/ManAndSociety/InternationalWomanDay.htm?fbclid=IwAR0hToKNIFjcSm9r60WxFuBDBzxJH_wP5UINb73HApESd3GSPQYUPptuCPo
http://www.alnukhab.com/index.php?rsid=1053&fbclid=IwAR0FSWVNbJAA4GOMBnzMF1BHu9NBaCmWdWTUt_XxuvutXKre0PylMOYNCQE
https://www.un.org/ar/observances/womens-day?fbclid=IwAR3iuzEoMHazjTBwDzH6TveqpV77gJB8Tw9UjPUP4iwpfmLn8nO-recouIw
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=550455&r=0
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=91148&r=0

.