في العام 1977 وفي القرار (32 / 142 ) دعت الجمعية العامة الدول إلى إعلان يوم من أيام السنة يوما للأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام الدولي, وذلك وفقا لتقاليدها وأعرافها التاريخية والوطنية. وقد دعت الجمعية العامة الدول إلى المساهمة في تعبئة الظروف اللازمة للقضاء على التميز ضد المرأة وضمانة مشاركتها الكاملة في التنمية الاجتماعية وعلى قدم المساواة مع الرجل. وقد اتخذ الإجراء غداة السنة الدولية للمرأة ( 1975 ) وعقد الأمم المتحدة للمرأة ( 1976 ـ 1985 ) اللذين أعلنتهما الجمعية العامة. وقد اتفق على أن يكون الثامن من آذار عيدا عالميا للمرأة. ويشكل هذا الإعلان قيمة أخلاقية وإنسانية في إعلانه صراحة على الصعيد العالمي بعدمية الفروق بين الجنسين في المساهمة في الحياة والحقوق العامة. ويشكل هذا الإعلان عودة إلى الفطرة الإنسانية والى مرحلة تاريخية ما قبل اللاتساوي بين الجنسين ونبذ الفروق الجسمية والعقلية والنفسية باعتبارها مصدرا بهيميا لعدم المساواة والتي يبنى عليها شتى مظاهر اضطهاد المرأة !!!.
ورغم مرور عقود على هذا الاعلان الدولي للمساواة فإن الهجمة على المرأة في العالم العربي والإسلامي وبقاع أخرى في العالم المتخلف تزداد شراسة منقطعة النظير جراء هيمنة الفكر المتشدد الرجعي بكل لبوساته المتسترة بالدين والعفن العقلي والفكر المتخلف الذي يحول المرأة إلى مشروع سبي واغتصاب وتهجير ومقايضة وحرمان ولا مساواة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والإنسانية العامة. ففي العراق وسوريا تتحول المرأة إلى مشروع للاغتصاب بواجهات جهاد المناكحة الداعشي والى مشروع تعذيب يومي وحرمان تخجل منه البشرية في ألفيتها الثالثة, إلى جانب اضطهادها التاريخي من قبل نظم اللامساواة واللاانسانية التي جسدتها وأفرزتها حكومات الحزب الواحد الدكتاتوري القمعي, وفي دول الخليج العربي حيث المرأة في اشد قسوة الاضطهاد بمختلف صنوفه, الظاهر منها والرمزي المبطن, ابتداء من الوصايا عليها من زوجها وأولادها وأبيها ودائرتها الذكورية المحيطة وانتهاء بممارسة شتى صنوف الإذلال, من ضرب وأهانه وقسوة في التعامل اليومي, فهي جزء من أدوات المنزل ذو السلطة الذكورية المطلقة, ومطبخه الذي يطمئن البطون قبل العقول, فهي حبيسة الأربعة جدران ولا حوله لها ولا قوة إلا بأذن من راعيها وقوامها الشهم ذو الرجولة المشوهة, وانتهاء بفتوى رجال الطوائف الدينية من زواج مبكر كطفلة أو متعة جنسية مؤقتة, أو مشروع إرضاع للكبير وزواج مؤقت لعطلة نهاية الأسبوع ” ويك أند ” !!!.
وتستفحل ظاهرة الزواج غير المدني, فالدول العربية والإسلامية تعج بمختلف أنواع الزواجات خارج المحاكم والمنتشر في مصر, والسعودية والعراق والكويت ودول الخليج الأخرى, والمغرب وتونس والأردن وكذلك إيران وتركيا وغيرها من دول العالم الإسلامي, ولهذا الزواج مشرعيه وفقهائه والذين يبحثون دوما عن مظلة شرعية لحماية هذا النمط من الزواجات, فهناك الزواج العرفي والمنتشر في مصر حتى في أروقة الجامعات, وهناك زواج المسيار, وزواج المصياف,
وزواج ألويك أند, وزواج الفرند, وزواج المصواب, وزواج المسفار, وزواج المطيار, وزواج المحجاج, وزواج المسياق, وزواج المهراب, وزواج المقراض, وزواج المتعة, وزواج التجربة, وزواج المزار, ونكاح الترزق, ونكاح الخوالي, ونكاح إعارة الفرج, والمتعة غير الجنسية, والمتعة الجماعية, والمتعة من اجل الإنجاب, وزواج المباركة, ونكاح التعدد, وزواج المردان, ونكاح المصاهرة, ونكاح الضيافة, والقائمة تطول, هذا هو نكاح في ظروف ” السلم “, أما نكاح زمن الحرب فقد ضربت داعش مثالا سيئ اهتز له ضمير الإنسانية, من جهاد المناكحة, وسبي النساء, ومقايضتهن جنسيا, وبيعهن في أسواق ” الدولة الإسلامية ” !!!.
وكل إشكال الزواج تستهدف المرأة وتكريس اضطهادها التاريخي, رغم كل المبررات ” الشرعية ” التي تساق خلف تلك الأشكال بواجهة وادعاء مزيف للحد من الفساد, أو الاستجابة لظروف الحياة المتغيرة في البحث عن الحلول للمشكلة الجنسية, فالحلول التي يعثر عليها المشرعون والفقهاء والمفسرون تصب في خدمة إشباع الغريزة الجنسية للرجل ” القضيبي ” بعيدا عن البحث في أولوية فكر المساواة بين الجنسين في كافة المجالات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, وما يصاحب ذلك من حلول عادلة وإنسانية للمشكلة الجنسية والعلاقة بين الجنسين, وفي ظل دولة القانون والضمانات الاجتماعية التي توفر الدعم الكافي لضمان المساواة بين الرجل والمرأة, وتوفير فرص أكثر إنسانية في اختيار الحياة الحرة الكريمة لكل من الرجل والمرأة !!!.
ومن الجدير بالذكر, أن العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية بصورة عامة حققت الكثير من الانجازات على طريق إشراك المرأة في ميادين الحياة المختلفة.فقد انخرطت المرأة في مجالات التعليم والعمل.حيث تدفقت المرأة إلى مختلف مراحل التعليم, ومنها العالي في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية , وكذلك الحصول على الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه.كما انخرطت في مختلف المهن الطبية, والهندسية, والإدارية. وهو خطوة لازمة لتحرير المرأة.ألا أن ذلك جاء نتيجة لضغوطات الاقتصاد والتغيرات الكبيرة في الهيكلية الاقتصادية, وحاجات سوق العمل إلى المزيد من المهارات النوعية , مما استدعى ذلك إلى الاستعانة بالمرأة المؤهلة, وأن التغيرات المذكورة أعلاه لا تعبر بالضرورة عن فلسفة حياتية واضحة ومحددة اتجاه إشراك المرأة. والدليل على ذلك هو تعرضها إلى مختلف مظاهر التميز, في الرواتب, والمناصب, ودرجات التعين, وعدم المشاركة في صنع القرار, وحرمانها من الكثير من المناصب لأنها امرأة. عدا حالات التميز الأخرى خارج العمل, كفرض الوصايا عليها وعلى أموالها وممتلكاتها, ومنعها من السفر والتنقل إلى خارج البلد أو من مكان إلى آخر إلا بوجود محرم أو ولي أمر.
أن عملية المساواة هي أولا وقبل كل شيء عملية ذهنية ـ عقلية/اجتماعية, تنشأ بفعل عملية التنشئة الاجتماعية والتربية المستديمة للفرد اتجاه نفسه واتجاه الجنس الآخر, تلعب الأسرة فيها دورا مهما وعلاقات الوالدين بالطفل ذكرا أم أنثى,
ومعاملة الإخوة الذكور للأخوات الإناث, والتربية المدرسية وما تبثه من فلسفة تربوية حيث تعرض الفرد لمختلف وجهات النظر الفكرية والعقلية اتجاه الجنس الآخر, فيتبلور لدى الفرد اتجاها محددا نحو نفسه ونحو الجنس الآخر, وكذلك العادات العامة والتقاليد, ثم المؤسسات الاجتماعية المختلفة الرسمية منها وغير الرسمية, والأحزاب والأيدلوجيات المختلفة ومدى نفوذها في الوسط الاجتماعي .
وعلى هذا الأساس نلاحظ إن الانفتاح النسبي صوب قضية المرأة لم ينتج من إعادة النظر في المنظومة القيمية والتربوية, بل أن الزمن في أحيان كثيرة فعل فعلته….ولهذا نرى المفارقات في الممارسات اليومية في حياة المرأة العاملة بين الجذب والشد.فهي تشعر في السعادة النسبية والاستقلال في نصف من اليوم عندما تكون في العمل, وفي النصف الثاني فهي أسوة بحبيسات البيت تخضع لسلطة الرجل, وتحمل هموم البيت بتفاصيله بل قد تحمل هموم البيت وهو الأكثر وقعا عليها من هموم العمل على كتفيها إلى العمل لتنوء بثقلين معا, ويتضح ذلك جليا في الكثير من حالات العزوف وترك العمل, لعدم إمكانية التوفيق بين الاثنين.أن الصراع المرير في حياة المرأة وجد انعكاساته في الكثير من مظاهر الاضطرابات النفسية والجسمية ذات المنشأ النفسي قد لا يدفع المرأة إلى الذهاب إلى العيادات النفسية المتخصصة, وقد تحيى معه المرأة وتموت به من دون أن يعرف من حولها , بل قد لا تدركه هي نفسها. ويشكل القلق احد المظاهر الرئيسية التي تدك المرأة والذي تعاني منه بفعل دورة حياتها اليومية الصعبة, حيث تعاني من الضعف العام ونقص الطاقة الحيوية والنشاط والمثابرة,وتوتر العضلات,والنشاط الحركي الزائد, واللوازم العصبية الحركية, والتعب والصداع المستمر الذي لا يهدئه العلاج, وشحوب الوجه, وسرعة النبض, والقلق العام على الصحة والعمل والمستقبل, والعصبية والتوتر العام وعدم الاستقرار والخواف بصفة عامه والخوف الذي قد يصل إلى درجة الفزع والشك والارتباك والتردد في اتخاذ القرارات.والهم والاكتئاب العابر والتشاؤم والانشغال بأخطاء الماضي وكوارث المستقبل, وتوهم المرض والإحساس بقرب النهاية والخوف من الموت, وعشرات من الأعراض البسيطة والشديدة المؤقتة والدائمة,ولكنها في معظم الأحيان غير قاتلة, وغير متعارضة مع الاستمرار في الحياة اليومية وروتينها , ولكن تعرقل سير الحياة والإقبال عليها ببهجة وسرور.ويمثل تجاهل المرأة لهذه الأعراض جزء من عملية تجاهلها هي بالذات من مع حولها في دائرة علاقاتها الأقرب.
أن حقيقة كون اللامساواة بين الجنسين هي مكون ثقافي أول, يكفي أن نرى عمق التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تجري في البلدان المتقدمة, والتي قامت على خلفية ظهور الفكر التنويري وانتعاش حركات الإصلاح والمساواة الاجتماعية, ولاحقا تعزيز التقاليد والاحترام والالتزام بقرارات وتوصيات المنظمات والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق المرأة, وعدم تجاهل مطالب الحركات التحررية النسائية اليومية منها والمستقبلية. ولا نقول أن ما يجري في البلدان المتقدمة بخصوص النساء هو نموذجي ولا يمكن الطعن فيه,لأن في ذلك هو مجافاة للحقيقة في الكثير من وجوهها, ولكن المقارنة مع ما يحصل في مجتمعاتنا هو الذي يضعنا في صورة التفاوت المريع.
أن الحماية القانونية في البلدان المتقدمة في مجال المساواة واضحة ومسلم بها, وفي بلداننا لا تزال في أحسن الأحوال هشة. وان واقع الحياة اليومية والعملية قادر على إفراغ الايجابي من محتواه. وفي الوقت الذي يتمتع فيه كلا الجنسين في
البلدان المتقدمة بنفس الحقوق والاستقلالية التي يحميها القانون, لازال لدينا الطابع ألذكوري المهيمن وهو المقرر لمصير الجنس الآخر. أن حق التعليم في كل مراحله مكفول لكلا الجنسين في البلدان المتقدمة, ومنفتح على مصراعيه بما ينسجم مع الإمكانيات والقدرات الذاتية للدارسين, لا يزال في بلداننا انتقائيا, ولا تشكل الإناث فيه في أحسن الأحوال 50% من مجموع أعمارهن في الدراسة. أن الأمية التي أصبحت في مزبلة التأريخ في البلدان المتقدمة, لا يزال العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية يعاني منها ذكورا وإناث وللأخيرة فيها حصة “الأسد”. وبقدر ما يكون التعليم منفتحا على الجميع في البلدان المتقدمة, فأن فرص العمل هي الأخرى منفتحة لكلا الجنسين, وان المنافسة والاختيار تجري على أساس عوامل الخبرة والممارسة(مع بعض الاستثناءات). أما في بلداننا لازالت المرأة منافسا ضعيفا, والكثير من المهن موصدة بوجهها, وعلى الرغم من بعض الانجازات التي حققتها في بعض القطاعات المهنية, كالطبية, والهندسية, والتعليم, والإدارة وغيرها, إلا إن الغلبة فيها للرجال. أما في مجالات الترويح والرياضة بأنواعها المختلفة المعروفة:رياضة الكره بأنواعها, رياضة الماء, الدراجات البخارية والهوائية, الرقص, الغناء, الألعاب الحركية, السياحة والسفر, العزف على الآلات الموسيقية المختلفة, فأنها متاحة للجميع ويجري التخطيط لها ودعمها من الدولة والسلطات المحلية. أما في مجتمعاتنا فهي أن وجدت فهي للذكور فقط أو في اغلب الأحيان.
اليوم يمر العالم العربي والاسلامي بانتكاسة شديدة وتراجع لا مثيل له في انتهاك حقوق المرأة ومساواتها بالرجل جراء هيمنة الفكر الديني المتطرف واشتداد الحركات الاسلاموية الدموية المتطرفة وسيطرة النظم الرجعية والدكتاتورية على مقدرات المرأة والتحكم بمصيرها والحد من حركتها الشخصية والعامة, بل والتحكم بجسدها والتشريع والفتوى لإذلالها وربطها مصيريا بالسلطة الابوية البطريركية. فالى مزيدا من النظال من اجل حقوق المرأة كاملة, وليكن الثامن من آذار مناسبة لفضح انتهاكات حقوق المرأة وتعرية مسببيها, إن كانوا اشخاصا أم نظما سياسية أو حركات رجعية متطرفة وأسلاموية. وكل عام والمرأة بخير في عيدها العالمي !!!.