التيه الفيلي المتكرر

التيه الفيلي المتكرر

قبل حوالي عقد من الزمن، نشر الأستاذ شاكر النعماني مقالاً يأسف فيه لعدم وجود نخبة فيلية. فأجبت عليه في حينه بما معناه أو خلاصته (أين هو الجمهور الفيلي الذي تبحث له عن نخبة .!؟). وتطرقت وقتها الى نموذج محترم من النخبة الفيلية (دون أن اذكر اسمه في حينه) ولكني اذكره الآن بفخر كبير وهو الدبلوماسي والسجين السياسي وشقيق الشهداء المعدومين الستة الأستاذ الدكتور خليل ابراهيم شمه الذي سبق وأن تبوأ حوالي عشرة مناصب مهمة في دول اوربية، بالإضافة الى مواقعه في دول عربية، فضلاً لرئاسته فترة من الزمن لمركز دراسات الجامعة المستنصرية. ولكنه حين قرر أن يحاول خدمة اهله الفيليين لم يحصد سوى أصوات أقل من زقاق فيلي واحد .!!

تذكرت ذلك الموضوع وانا أرى الحراك المستعر حول مقعد الكوتا الفيلية النيابية اليتيم، هذا الحراك المتجدد المتكرر مع كل موسم انتخابات. وعادة ما تقفز امام ناظري منشورات من هذا النوع دون اختيار مني. بل أرى نفسي مجبراً عليها لا راغباً في رؤيتها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. رغم ابتعادي عن الوسط السياسي الفيلي منذ سنوات طويلة.

وبالأمس استفزني احدها لكونه يتعلق بمفردة أو عبارة (النخبة الفيلية) التي تطرقت اليها في مقدمة هذه السطور. حيث رأيت تجمعاً لا اعرف خفاياه وكيف حصل ومن القائمون عليه ومقابل ماذا، وهو بالتأكيد ليس مقابل توسط المستفيد لدى الرب بالدعاء و قبول الاعمال الصالحات لمنظمي التجمعات الانتخابية.! ورغم عدم اهتمامي بمعرفة خفايا التجمعات لكن يهمني جداً معرفة نتائجها لكونها تتعلق بحقوقي الدستورية الوطنية وخصوصيتي القومية وعنواني الفيلي وهو الأمر الذي لا اتهاون فيه.

عادة ما تنتج العملية السياسية في الدول المتأخرة وخاصة الشرقية أو الشرق أوسطية على وجه التحديد نوعين من الافرازات، فهي إما ان تسفر عن رجال دولة حقيقيون يسعون لخدمة شعبهم وبناء اوطانهم ويسلكون كل السبل لرقيها وازدهارها. واما ان تفرز نتاجات لا تعدو كونها صنفاً من اثنين، فإما خواء الشخصيات وإما خراء الانجازات .!

وامام تنوع المتصدين للعمل السياسي بمختلف اصنافه ودرجاته وخاصة في مواسم الانتخابات، وامام نماذج وتجارب سابقة ليست بعيدة عنا لا في الزمن ولا في البعد الجغرافي، اليس من العجيب بل المعيب بحق انفسنا واهلنا وتاريخنا وماضينا وحاضرنا ومستقبل ابنائنا أن نتحمل نفس القيء السياسي ونكرر دورة الفشل الفيلي ذاتها كل اربع سنوات.!؟ الا يوجد في أي مرحلة زمنية أو انتخابية أشخاص غير مجربين يمكن ان نثق فيهم من المعروفين المشهود لهم بتضحياتهم وشهاداتهم وتاريخهم وحملهم للهم الفيلي في كل الظروف .!؟

وفي خضم هذا الهم الفيلي المتكرر، وتلك الهزائم النفسية التي لحقت بنا جراء ما مضى،  دعونا (على مضض) أن نضغط على انفسنا قليلاً فننظر الى النصف الممتلىء من الكأس، وكما عانينا من السلبيات، لمَ لا نشخص الايجابيات على قلتها وندرتها؟، ودون أن أذكر إسم شخص معين، بل ولا حتى حرف من اسمه، اتساءل مكتفياً بالتلميح دون التصريح، ماذا لو كان لدينا نموذج نظيف يقف وحيداً منفرداً متأملاً مستقبل اهله الفيليين؛ متذكراً ومستلهماً العٍبَر من طفولته التي فقد فيها الهوية والإسم بسبب التهجير الفيلي؛ مستقلاً بالانتماء السياسي؛ نقياً من دنس المال العام؛ مسلحاً فقط بسمعته وحب الناس؛ وبشهادته العليا التي أصر قبل سنوات على عدم تأجيل مناقشة اطروحتها رغم خروج مركز واسط عن السيطرة، وغلق الشوارع، والهواء الخانق بفعل الدخان الناجم الاطارات المحترقة.

 ورغم الخطر الذي كان مخيماً على كل شبر من بلدي في فترة حملت فيها بعض الجماهير المنتفضة شعار (ماكو وطن .. ماكو دوام)، وكانت الدوائر والمؤسسات الحكومية بما فيها التعليمية تُغلق بالقوة؛ والمخالف يتعرض الى خطر شديد.  ولن انسى “باعتباري شاهد عيان” ذلك اليوم المرعب الذي خضنا فيه الشوارع شبه المقطوعة ونحن نجيب عن اسئلة قاطعيها بالإطارات المشتعلة بأننا متوجهين الى مجلس عزاء، ونحن بالحقيقة اخذنا عنوان مجلس عزاء واسم متوفي لا نعرفه من اللافتات الموضوعة في مدخل قضاء العزيزية، لنتوجه الى كلية التربية الاساسية فيها بدلاً من جامعة واسط لحضور مناقشة اطروحته للدكتوراه التي نالها بتقدير (امتياز) وسط دموعنا ونحن نتذكر مآسي طفولته أبان فترة التهجير.

وعوداً على بدء؛ اليس تحمل المسؤولية الانتخابية الذاتية من قبلنا نحن الجمهور الفيلي، والبحث عن الأفضل والأجدر بالثقة في اكوام المفرزات السياسية أفضل الف مرة من عقد التجمعات أو حتى مجرد حضورها دعماً للمجربين.؟  ألسنا جميعاً نعرف اولئك القوم ونعرف نتاجاتهم .!؟ هل نحتاج الى تجمعات يقصون علينا من خلالها عظمة انجازاتهم السابقة ومعاركهم المصيرية في سبيل القضية الفيلية.!؟

أحدث المقالات

أحدث المقالات