العراق مثالا…؟
حين طرحت حركة الموسوعيين في اوربا قاموسها العقلي للعلوم والآداب والحرف في القرن الثامن عشر الميلادي ، اعتبر هذا الطرح حدثا هاما في تاريخ الحضارة الغربية ، لكونها رفعت شعار الفكر والحرية والتقدم بدلا من شعارات الكنيسة وتوجهاتها الميثيولوجية الصرفة، وحين هاجم العلماء القديم بعنف دون توقير، محاولين التخلص مما تركته الكنيسة في نفوس الناس من هرطقة فكرية ، وموروث ثقافي ميت تلاعب فيه رجال الدين المسيحي فأوهموا الناس بالجنة والنار وعذابات القبر والرجعة والقضاء والقدر، وما مارسته المؤسسات الدينية الكبرى عندهم بصفات التخريف،ظهرت مقبولية الناس على هذا التوجه مطالبين بالمزيد .
لذا عانى رواد الفكر عندهم اشد المعاناة من السلطة وتعرضوا للسجن والتعذيب والتشريد ، ومع هذه المعاناة فقد جاءت الموسوعة الفرنسية بشيء جديد جدا في كل فرع من فروع العلوم والمعرفة الانسانية ،فانتقلت الى دائرة معارف كبرى كتب فيها روسو وفولتير وتورجو وموريلله وغيرهم من اعلام الفكر الغربي المتعطشين للانفلات من السجن الحديدي الذي فرضته عليهم الكنيسة ورجال الدين من ثقافة الفكر الجديد الذين أثبتوا بأن عصر الهرطقة الدينية يجب ان ينتهي الى غير رجعة ليخرج المجتمع من السجن الفكري الرهيب الى فضاءات الحرية والعلم الجديد..
وهكذا استطاعوا بفكرهم وثباتهم على المبدأ ان يغيروا الكثير من المفاهيم المتوارثة في اكثر من ميدان من ميادين المعرفة بغية صنع رؤية جديدة لمستقبل الانسان عندهم قائمة على العقل والعلم والحرية لا الهرطقة والتنبؤات الحدسية. فأستطاعوا وبهمة العلماء والقادة السياسيين المخلصين من تحويل الفكر الأوربي من الفلسفة التأملية والأيمان المطلق بها الذي يدعون به ان فكرهم خلاصة العلم ونهاية التجارب الى الفلسفة الواقعية التي كانت هي اصل العلوم التطبيقية. فظهرت محاولات جادة لتحويل المبادىء الى تشريعات قانونية تحكم المجتمع بدلا من تخريفات الأراء الدينية،فبدأ الاحتقار المجتمعي لأفكار الماضي الذي لم تنتج لهم اي جديد في نواحي الفكر والنشاط الانساني ،فاصبح المجتمع الانساني المقونن وشيك التحقيق. بعد ان ربطوا بين الماضي والحاضر والمستقبل بخط صاعد نحو التجديد.
بينما هذا لم يحصل عندنا بعد كل حركات التغيير.
ان اول مهمة استطاعوا تحقيقها كما قلنا هي تحديد سلطة الدولة عن حقوق الناس ،فلم تعد الحكومة او الَملَك بقادرين على رمي الناس في السجون دون محاكمة أو بمحاكمات صورية غرضها التخويف ومنع
2
المحررين من التقدم نحو الحكومة الشعبية والقانون ، كما هو عندنا اليوم بعد التغييرفي 2003 حين أهملت بالهرطقة الدينية والامكانيات الدولة من كفائاتها وقتل العلماء والاطباء والأكاديميين، واستغلالها العامة بالخرافات والمسيرات المليونية التقليدية لتبكي الماضي وتناديه دون تجديد ، والنصوص الدينية المتناقضة التي شحنها رجال الدين ،فأحيوا لنا معتقدات عبادة القبور التي رفضها القرآن الكريم ( ما سمعنا بهذا في أبائنا الأولين،المؤمنون 24). والرشوة والتزوير ليبقوا هم سادت الموقف دون تغيير،وليحققوا هدف افساد المجتمع اخلاقيا ووطنيا.،حتى فسدت اجهزة مؤسسات الدولة وفسد الانسان في التغيير فأصبح رجل الدين والسياسي الفاسد والكاتب الدجال المرتشي هم قادة مسيرة التغيير..
هذا النموذج من التوجه الاوربي الصحيح ، لاقى معارضة شديدة من المؤسسات الحكومية في الدولة العربية الاسلامية على مراحل تاريخها الطويل ،فماتت ارادة الامة في التغيير،ولم يضعوا للخليفة او الحاكم حدودا في سلطته وحكمه للجماهير. فأصبحت السلطة والمال بيده دون تدخل من الجماهير، لان السلطة السائبة والمال السائب يفسد اخلاق الحاكمين. لذا ظلت مسالة الحكم بأيديهم دون اشراك الأخرين.كما هو اليوم في عراق التغيير الذي حصروها بقوانين تخدمهم لا تخدم عامة الناس فأثروا على حساب الوطن والجماهير،بعد ان كتبوا الدستور المزيف وقانون الأزدواج الذي لا يخدم الجميع. وتقف المؤسسة الدينية اليوم في الدول العربية وفي العراق بشكل خاص كما كانت عند الأمويين والعباسيين،رغم تظاهرها بالوقوف مع الجماهير . رافعين شعار محاربة الفلسفات الانسانية الاخرى باعتبارها كفر وحرام، لعدم قناعتهم بما أنتجه الفكر الانساني غير المسلم، علماً ان نظرية الحلال والحرام جاءت وفق منظور الأوامر والنواهي بالآيات القرآنية الحدية التي لا تخرق ولم تأتِ كنصٍ تتلاعب فيه مرجعيات الدين .؟ فوضعوها في هامش الخطأ والباطل ، لذا ظل الاسلام والى اليوم مبهماً لم نجد له تعريفا عند المسلمين.
وبهذا ماتت نظرية المعرفة الانسانية ،المصاغة صياغة حديثة معاصرة حصرا من القرآن الكريم، لتعطينا ما يعرف باسلامية المعرفة لاكتشاف المنهج الفكري العلمي لما ينتجه الانسان المسلم،وتمنحه ثقة بالنفس وجرأة على التعامل والتفاعل مع النظريات العلمية الحديثة كما تفعل مرجعيات الدين عندنا اليوم حين غلفت نفسها بالتقديس حتى لا تخترق من الجماهير، فأظهرت لنا الهرطقة الجهادية ( كالجهاد الكفائي) الباطل االذي لا اصل له في النص ونحن نتحداهم ان تقدوا معنا بمناظرة امام الجماهير.. واستطيع ان اقول ان هدفهم بالدرجة الاولى قتل التطلع الانساني واستغلالهم السلطة وحماية رجالها من كل تغيير في مجتمع أغرقوه بخرافات وهرطقة الدين ورجاله المتعصبين وهم مصرون دون تغيير.
هذا الاصرار على الخطأ ادى بنا ويؤدي كل يوم الى التفكك الفكري،والتعصب المذهبي،واللجوء الى مواقف فكرية ،تقوم على كيل الاتهامات للمعنيين بهذه التوجهات بالزندقة والالحاد وعدم السماح للافكار الحديثة من ان ترى النور،حتى جاؤنا بنظرية (الحلال والحرام) والاسلام يطرح نظرية الأوامر والنواهي المخالفة لنظريتهم، التي بها اقنعوا السذج من الناس بها وهم الغالبية : ” ان كل فكر أنتجه الأنسان هو عدو للاسلام
بالضرورة بأستثناء أفكارهم الميتة،
3
لقد كتبنا لوزارة التعليم العالي مقالة مهمة حول الموسوعة العلمية المقترحة بعد دراسة مضنية ، لكن الوزارة لن ترد ولا حتى الاشارة اليها رغم تأكيد بعض الكتاب المتنورين عنها؟ . لان توجهات الوزارة تتناقض والتحريرالعلمي لواقع التغيير التاريخي ولأن القائمين عليها اصلا هم اعداء نظريات العلم الحدبث وان تظاهروا بها كذبا وزوراً..
لا شك ان اصول الضعف بدأت تعمل فينا بعد تكوين الكتلة الساكتة في دولة العراق الجديد وبعد ان مال معها الشعب الى التعامل مع الواقع والخضوع لها ،وبعد ان اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي. فظهرت مرجعيات الدين تعمل وفق العلاقات الجديدة بين السلطة والدين ،فاصبح الحاكم بحاجة للقوة التي تسندها العصبية كي تحيط به ،بدلا من حاجته الى القوانين التي قررها الاسلام ، وهي القدرة والعلم والصلاح. فكان ظهور المليشيات وقادة دول الجوار مفضلون على الاحرار ، وداعش اليوم لقمع كل فكر معارض جديد، والتي ادت الى الغرور والقيام بسلطات فردية تتحكم بالامور دون اعتماد القانون.وبمرور الزمن اصبح الحاكم الظالم وفق التنظير الجديد افضل من انعدامه حتى لو كان لا يصلح للأمور في نظر الجمهور .( انظر ما قاله رجل الدين القبانجي خطيب جمعة المصلين في النجف الأشرف من اعتداء على الحقوق والقانون ). ؟
واليوم ظهرت لدينا مرجعيات الدين مؤيدة من السلطة ومدعومة باموال المواطنين فحق عليها السكوت رغم تعارضها مع موجبات التشريع. ظاهرة كنا نتمنى ان لا نراها بعد التغيير في 2003 بعد ان رفعوا شعار الوحدة والحرية والتقدم وحقوق الناس.،واخيرا الجهاد الكفائي ونحن نتحداهم ان جاؤنا بنص واحد يؤيد ما يطرحون؟.فالجهاد الكفائي أفتي به من اجل تخليص السلطة وابنائها من تبعات التكليف،لان في حالة احتلال الوطن يفتى بجهاد فرض العين ليشمل الجميع.
نحن ندعو الى رفع صور كل مرجعيات الدين والمسئولين الجدد الذي جاؤا لنا بكل كوارث السياسة وسكتوا عن المحاصصة والطائفية البغيضة ووظفوها لأنفسهم واولادهم النزق .لذا ندعو لرفع صورهم وتمزيقها من شوارع العراق وسحقها بأيدي المواطنين ، خاصة بغداد ،حتى لا نكرر ماساة صور صدام حسين. هذه الصور التي يقرأ في شخوصها المواطن كل انتكاسة وتدمير لتاريخ وطن العراقيين. ويكررها فينا عدو القانون نوري المالكي وتحالفه البغيض قاتل وطن العراقيين.
ومالم نستطيع ان ننحي المؤسسة الدينية ورجال الدين عن طريق الشعب والحقوق والحكومات المعاضدة لها بثورة شعبية،سوف نبقى دون حراك الى ابد الابدين بعد ان اصبحت المرجعيات اداة بيد رجال السلطة المستأثرين بالمال والسلطة تحت راية التزييف والتزوير. ونستبدلها بالقانون ؟ هذه المرجعيات التي اجازت المليشيات لتدمير الوطن والمواطنين .
ونطالب بتحييد القضاء الفاسد بشخوصة الحالية وخاصة المحكمة الاتحادية ورئيسها الفاسد مدحت المحمود معاصر كل العصور والمتعاقد مع المالكي في التدمير والمتلون معها كما تريد التي اساءت للعراقيين
4
وغالبية هذا المصائب جاءت منها دون مسئولية وشعور بالواجب الوطني والانسان العراقي وتاريخهم ومستقبلهم في الانحيازية وحقوق المواطنين،والتي اتخذتها السلطة عصا تتوكأ عليها ضد الحق والعدل وحقوق الناس اجمعين. وهنا تنطبق مقولة :” اذا فسد القضاء فسد ت دولة الجماهير.
وها ترى اخي القارىء اليوم كيف ان الحركات الاسلامية المتعصبة ومن يساندها كالاخوان المسلميين والسلفيين والدواعش القتلة والطائفيين المتعصبين كيف يتحركوا لمنع اي تقدم علمي او قانوني في دول المسلمين بعد التغيير في العراق كما نراها في كتل مجلس النواب المنحرفين ،والا اين نتائج التحقيقات في الموصل وصلاح الدين وسرقات اموال المواطنين ؟؟،و بعد ان تمسكوا بالسلطة وسخروا المليشيات الغير المنضبطة والمنتفعين من قمع اي فكر ينادي بالحداثة والتقدم وعلوم المتقدمين. واذا ما استمرت السلطة في هذه التوجهات الاحادية وبقي الشعب خانعاً سيبقى الشعب جاهلا يقبل كل فصول التجهيل ، ومن يدريك من ان الشعب سيقبلهم في الحاضر والمستقبل على انهم هم البديل ،وهذا هو هدفهم وموتنا الأكيد .
انظركيف يستميتون الاخوان المسلمين اليوم في جمهورية مصر العربية وتونس واليمن وسوريا وأخيراً الدواعش في العراق-هنا رأس البلوى- الذين ابتلوا بمؤسسات المتخلفين من رجال الدين الذين استطاعوا بمساعدة السلطة الغاشمة اليوم من تحويل فكر المواطن وعقله الى لطم ومسيرات بالية وتخريف . واذا ما ابديت وجهة نظر في الاصلاح اعتبروك من الملحدين .ولكن فليطمئن المواطن العراقي،من ان داعش والمتخلفين الى زوال حتمي أكيد لأنهم ضد نظريات الطبيعة للآدميين ،لان الفكر العراقي اصلا يتناقض وافكار التقليديين والدواعش المجرمين ،فكر حضاري نشأ مع الكتابة والقانون ومن قصبه اخترع القلم والتدوين.
واذا استمرت قناة البغدادية تتوكأ على المرجعية فستخسر العراق والجماهير…؟
نحن نطالب بأشهار مشكلة المعرفة الانسانية ونظرية جدل الانسان في القرآن الكريم في مناهج الدراسة الثانوية والجامعةكما وردت في الآية 54 من سورة الكهف ،لان مشكلة الفلسفة الكبرى في القرآن،هي تحديد العلاقة بين الوجود في الاعيان ،وصور الموجودات في الأذهان،لنتخلص من ادران الماضي ومن افكار رجال الدين ومرجعياتهم القاتلة للفرد والمجتمع ومستقبل المصير. ولا يتم ذلك الا بفصل مؤسسة الدين عن مؤسسات الدولة والسياسة فصلا تاما دون تدجيل.
أننا نمر بأزمة فقهية حادة اليوم ،فلا بد من فقه جديد معاصر،ويتبعه فهم جديد معاصر للسنة النبوية الشريفة لنتخلص من كل كُتاب الحديث الذين ملئوا الدنيا ضجيجا ،والرسول (ص) ينادي في مكة بأعلى صوته الشريف : ” ان لا تنقلوا عني غير القرآن الكريم (انظر الواقدي في المغازي) ، فمن نصدق الرسول (ص) أم رجال الحديث؟ الذين فيهم موتنا الأكيد..
لقد اصبح من الواجب علينا حتى ولو بثورة فكرية عارمة ان نجد البديل عن الفقه القديم وما جاء به فقهاء القديم من اراء فقهية اصبحت اليوم من التاريخ .
د.عبد الجبار العبيدي