منذ الاعلان عن النتائج الأولية للانتخابات النيابية العراقية التي جرت في 12 ايار الماضي، وربما قبل ذلك بفترة، والقوى السياسية المختلفة تتحرك بإتجاهين، أولهما: للبحث عن التقارب في وجهات النظر وبلورة تفاهمات ومشتركات وإتفاقات تسعى إلى خلق حالة وطنية جديدة ورؤية مشتركة تقلص الفجوات، وتعهدات لتصل في نهاية المطاف الى تحالفات مقبولة من قبل القوى الإقليمية والدولية، وتعجل إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة. وثانيهما: لبث الفرقة بين الأحزاب الأخرى وتفكيك الكتل والإئتلافات وتشتيتها، وإجهاض الإتفاقات التي تعلن، والتقليل من شأنها، والحيلولة دون صمودها ووصولها الى تحالفات.
هذان الإتجاهان، وشروط وضغوط ومحاذير وتخوفات القوى الإقليمية والدولية، وإنتظار حسم الجدل الدائر حول النتائج بعد العد والفرز اليدوي، فرضت نفسها على غالبية اللقاءات التي ناقشت المشهد السياسي الذي أفرزته الانتخابات وآفاق التحالفات المتوقعة لتشكيل حكومة عراقية جديدة. وأدت الى تعقيد الوضع السياسي في العراق إلى أبعد الحدود والى صعوبة التكهن بتحولاته السريعة وتحولات القوى السياسية فيه وتقلب مواقفها بين عشية وضحاها، والى توقف الكثير من المباحثات العلنية، والعمل خلف الكواليس لبحث الطموحات والإمكانات وتفادي التوجه نحو أزمات جديدة.
سقت هذه المقدمة لأتحدث عن القيمة الرمزية للتوترات القائمة بين الأحزاب الكوردستانية وعلاقاتها التي ليست على ما يرام، والتي يعتبرها البعض (سهواً) بأنها تضع مستقبل الإقليم على المحك، قلت (سهواً) لأن الأحزاب الكوردستانية والكوردستانيين عموماً، طوال العقود الماضية، لم يرفضوا الحوار مع غيرهم، لذلك لايرفضونه أيضاً فيما بينهم. ولأن التوترات المفتوحة بينها ليست جديدة كما يقول البعض، بل تعود لسنوات خلت وبالذات عندما أراد بعضهم تسوية كل حساباتهم السياسية مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتدبير إنقلاب تحت قبة البرلمان الكوردستاني، وبالإرهاب الفكري عندما أحرقوا الكثير من مقراته في السليمانية وهلبجه، وعندما إفتعل بعض البرلمانيين مشكلات لا تغني ولا تضيف أثناء تطرقهم الى مواضيع تمس الشهداء والبيشمركه والرموز الوطنية والقومية والدينية، وأثناء إصرارهم المؤلم على إعطاء مؤشرات تدل على فيضان نوازعهم التي تم تصميمها من قبل مهندسي المشكلات.
الكوردستانيون لم يستفيدوا من تلك الاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة، والتي صعدت الاحتقان في وطن تستلزم ظروفه وطبيعته إستيعاب مفردات الواقع وتواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات ورسم الصور المريحة، بل خسروا بعضاً من محتوى أمانيهم ومبتغياتهم التي ينشدونها.
بإمكان التوترات القائمة بين الأحزاب السياسية الكوردستانية، أن تجعل المفاوضات صعبة، وتجعل الاتفاق السياسي الجمعي بعيداً، ولكن ليس أمام الأحزاب سوى التحلي بالعقلانية والصبر والتشجيع على تراكم الايجابيات لعلّ وعسى أن تنزاح السلبيات التي إستمرّت أكثر مما يجب. لذلك على الأرجح سيتم اللجوء الى إتفاقات ثنائية أو ثلاثية ملزمة، تنص على تدابير معينة، تطلق إشارات إيجابية مشجعة على إمكانية إحتواء الأزمات ومعالجة القضايا العالقة والمستفحلة، وتضع الأسس العملية للمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد وصنع القرار، وتتخطى الاعتراضات لتفرض واقعاً متناغماً مع الأصوات المخلصة والحريصة على ردم هوة الخلافات والتناقضات بين السياسيين، والتي تدعو الى إدراك أوضاع المنطقة والتغييرات المتوقعة وحجم المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق الذين يناضلون من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الأمهات. ومن أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بالكوردستانيين في جبهات عدة.