لابد للمتبع ان ينتبه لما يحدث في العراق من احداث ويربط بعضها ببعض ليخلص الى نتائج مذهلة
فالعراق هو البوصلة الحقيقية للسياسة الامريكية في المنطقة ومنها يمكن التعرف على عمق الصراع الاقتصادي والسياسي بين الامريكان والصين . منذ عامين ونحن نسمع عن ميناء الفاو والشركة الكورية لتنفيذ هذا المشروع العملاق وما اثير حوله من ضجة اعلامية
ولكن سرعان ما خفتت هذه الضجة بنهاية مأساوية لرئيس الشركة وعزوف الشركة عن اكمال بقية المشروع وبهذا انتهت المهاترات الاعلامية بين الفرقاء السياسيين حول الربط السككي للكويت مع العراق .
لتظهر لنا قضية اخرى وهي مطار كربلاء الدولي العملاق الذي رفعت اكثر من بطاقة حمراء بوجه بناءه وانتهى هذا الحلم ايضا بقصف امريكي لهذا المطار وبالتالي تقلصت احلام الجهات المستفيدة منه وتوقف العمل دون ان نعرف الاسباب.
يقال ان الشركة وهمية وغير رصينة ونحن نشك بذلك كون المنجز من العمل كان قد تم بوتيرة متصاعدة .
وما ان انتهت قضية المطار حتى اثيرت مشكلة كبرى سقط على اثرها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي وهي الاتفاقية الصينية العراقية والصندوق السيادي الذي حاول انشاءه من ايرادات النفط لنصحو على كذبة اخرى بعدم وجود اية اتفاقية او أي صندوق وبهذا اغلق الباب بوجه الصين مرة اخرى ،وفي نفس السياق كانت هناك تصريحات حول موافقة وزارة النقل على الربط السككي مع ايران واثيرت ضجة اخرى حول هذا الموضوع ولكن سرعان ما اكتشفنا حقيقة هذه الكذبة وقد تم الربط السككي بين باكستان وايران وتركيا وصولا الى برلين ولم تتم دعوة العراق اصلا لهذا المشروع العملاق
والذي كان في الاصل يبدأ من بغداد وينتهي في برلين ثم تم ربطه بباريس . وحقيقة هذا الربط بين ايران والباكستان وتركيا هو قناة جافة لموانئ الباكستان والتي تردها البضائع من الموانئ الصينية مباشرة .وبذلك اغلق ملف ميناء الفاو . لم تكن هذه الوقائع التي اثير حولها الكثير من الجدل بين الفرقاء السياسيين حتى انتهى الامر بعدم وجود أي منها .لتبدأ مرحلة جديدة وسط هذه الفوضى الاعلامية وتتم عملية تنشيط العلاقات العراقية السعودية من جهة وتفعيل اتفاقيات قديمة بين العراق ومصر والاردن وحاليا تتم هذه المفاوضات على صعيد القمة بين جلالة الملك عبد الله والرئيس السيسي ودولة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي ،
وتتخلل هذه المفاوضات دعوة من جلالة الملك سلمان العاهل السعودي للكاظمي لزيارة المملكة لتنشيط وتفعيل التجارة وفتح المعابر الحدودية بين البلدين . رافق كل هذه الانشطة والحراك الامريكي في المنطقة تأزم العلاقات بين الامريكان والروس واستدعاء سفرائهم للتشاور وعودة العلاقات الخليجية فيما بينها والعلاقات الخليجية والمصرية مع تركيا فتكونت جبهة من دول الخليج ومصر وتركيا وادخل العراق والاردن لهذه الجبهة عن طريق تفعيل اتفاقية التعاون العربي المشترك .
كل هذه الارهاصات التي تحدث في العراق واشتدت حدتها عند تولي بايدن للرئاسة الامريكية نستشف من خلالها بداية واضحة للحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية فهي من خلال العراق تريد ان تمنع الصين من الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط . لقد استخدمت امريكا ورقة ضغط كبيرة على السعودية في اثارة ملف جمال خاشقجي وارغمتها على الجلوس مع قطر وتركيا ،واستخدمت العراق كورقة ضغط كبرى على ايران فالعراق وباعتراف القيادة الايرانية هو الرئة التي تتنفس منها ايران اقتصاديا وقد خفف عنها العراق هذا الحصار ،وقد ادركت ايران هذه اللعبة مبكرا لتذهب الى الصين وترتمي بأحضانها من خلال اتفاقية لمدة خمسة وعشرون عام لتستثمر الصين اربعمائة مليار في ايران بالمقابل منحت ايران بئر نفطية للصين لتسديد كافة ديونها . السؤال هل سيستمر هذا التحالف بين هذه الدول وبالأخص الباكستان ام ستمارس امريكا ضغوطا على القيادة الباكستانية لتأخير هذا الاتفاق وحرمان الصناعي الصيني من الوصول الى السوق الاوروبية والامريكية . اما فيما يخص السياسة الامريكية في العراق فقد تغيرت بوصلتها بشكل كبير لتأخذ منحى آخر فالأمريكان بعد سمحوا للمليشيات الشيعية بالتنامي وتم تجهيزهم بالعتاد والسلاح والتمويل الكامل خلال فترة الحرب مع داعش قد اوقفت هذا الدعم كون هذه المليشيات الموالية لإيران حصرا قد بدأت حربا ضد التواجد الامريكي بالعراق بايعاز من المرشد الاعلى، بسبب سياسة الحصار التي انتهجتها امريكا ضد ايران بعد افتراق السبل والغاء الاتفاقيات النووية .
السؤال الذي يبقى ملحا الى أي مدى ستتطور هذه الاتفاقيات بين العراق والمحيط العربي من جهة وبين ايران والصين من جهة اخرى وهل سنشهد تخلي ايران عن اذرعها بالعراق خلال القادم من الايام حيث لم يعد العراق مناخا ملائما للسياسة الاقتصادية الايرانية . ام ستستسلم ايران لامريكا وتجلس معها دون قيد او شرط .فالذراع الامريكية تهيمن على تركيا والباكستان وسيتم سحب هذه الدول عاجلا ام اجلا من هذه الاتفاقيات.