في عام 2003 أصدر الأمريكي بول بريمر الحاكم المدني للعراق أمر سلطة الإئتلاف المؤقتة رقم 35-18/أيلول/2003 (إعادة تشكيل مجلس القضاء)، حيث بهذا الأمر قام بفصل مجلس القضاء (المحاكم بأنواعها) و الإدعاء العام (المسؤول التنفيذي للحكومة لتطبيق القانون و إقامة العدل) و هيئة الإشراف القضائي (المسئولة عن الرقابة و الإشراف على حسن الأداء في المحاكم و الإدعاء العام) من وزارة العدل بعد أن كان كل منها كيان مستقل يمارس دوره وفق قانونه الخاص به، و جعل الإدعاء العام و هيئة الإشراف القضائي تابعان لمجلس القضاء و بذلك فقدا دورهما الوظيفي الفعلي، و كان هدف بريمر من ذلك تشكيل قضاء و إدعاء عام و إشراف قضائي يقاد من قبل شخص واحد هو رئيس مجلس القضاء الأعلى ليسهل السيطرة عليه من قبل المتنفذين لغرض أن يتغاضى عن فسادهم الذي يستبيح خيرات العراق، و هذا ما نراه واضحا ً في إعترافات السياسيين بإحالة آلاف ملفات الفساد على القضاء دون أن تحسم على الرغم من مرور سنوات طويلة على إحالتها إلى القضاء. و في هذا الشأن قال البرلماني السابق مشعان الجبوري بالحرف الواحد في لقاء متلفز (موجود على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=huUZsLSAAB4) بأن رئيس مجلس القضاء إذا قرر أن يفتح ملفات الفساد فإن الطبقة السياسية سيصوتون عليه و يطردوه من منصبه. طبعاً قرار بريمر هذا ليس من عنده بل تنفيذ لأجندة أمريكية و التي من ضمنها إعطاء كل حزب خمسة مليون دولار لإفتتاح محطة تلفزيونية فضائية و التغاضي عن حمل السلاح خارج إطار الدولة، و بهذا أسس كل حزب لنفسه و وجدت الطبقة السياسية نفسها متسيدة على الشعب العراقي لا تخشاه، و وصلت الحالة بالدولة العراقية من السوء بعدم الإستطاعة من توفير الرواتب للموظفين و بالتالي سوء الحالة المعاشية للشعب عموماً، و هذا أوصل الحالة بين الطبقة السياسية و الشعب إلى التناطح كما وصلت في أواخر النظام الملكي و أواخر النظام السابق. و كما إنتهى النظام الملكي و النظام السابق بإنقضاض الشعب على السياسيين و مؤسسات الدولة فسسينتهي هذا النظام بإنقضاض الشعب على السياسيين و مؤسسات الدولة، و لكن هذه المرة سيكون أكثر شراسة، و هذا ليس ببعيد فكما تدخلت القوى الخارجية لإسقاط النظام الملكي و النظام السابق فستتدخل لإسقاط النظام الحالي، فالقوى الخارجية لها أجندة في العراق و لا تتحقق إلاّ بتخريب العراق، و هذا سيتحقق ما دام الفساد سائد في المجتمع و عدم وجود إصلاح حقيقي على الأرض مصداقاً لقوله تعالى “وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” (هود 117).