18 ديسمبر، 2024 4:21 م

التهميش الاجتماعي ونهضة الوطن

التهميش الاجتماعي ونهضة الوطن

اعتقد يقيناً ان هناك تضخيماً واضحاً لمفردة (المهمشون) على الأقل في دراسات التاريخ الإسلامي المعاصرة، تلك التي يريد بعضها افتعال الأزمات، وحفر الأخاديد بين الأمة ومنجزها الحضاري العظيم، ناهيك عن التعمد في توسيع شكل المعاناة وتبرير المواقف.

ولكن ذلك الاعتقاد لا ينفي بالمطلق أن مجرى التاريخ الطويل الأمد ولكل الأمم شهد حالات متكررة من استبعاد بعض الأطراف وتهميشها سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً، ولعل الغوص في تحليل الثورات وحركات التمرد التي كانت تحدث هنا وهناك ومن داخل المنظومات ذاتها يوقفنا على أبعاد مجتمعية بالغة الأثر والضرر ولا يمكن تجاهلها بأي حال من الأحوال.

ان اعتماد منهج الإقصاء المجتمعي لفئات بعينها وتحت أي مسمى وعنوان من مجالات الحياة وحقوقها التي كفلها الله لها، من الخطورة بمكان، ذلك ان انعكاساته لا تنحصر بمدة زمنية محددة، بل ان صداه يتردد على مر الأزمان، ويمتد في منظور بعيد المدى، ويصيب الأجيال بندوب استراتيجية وجروح عميقة وغائرة تستلزم جهداً طويلاً من المعالجة المكلفة مادياً ومعنوياً.

الأمم السليمة المتعافية، تلك التي يلتقي أبناءها على وطن سواء، وهوية يُعتز بها، ودولة يلتف الجميع حولها، وذلك لا يتحقق دون شك إلا بواقع سليم هو الاخر، تكفل فيه الحقوق والحريات، وتقل فيه نسب الأخطاء، فلسنا في مجتمع ملائكي منزّه على ارتكاب المخالفات قطعاً، ولكننا نتحدث عن تهذيب السلوك البشري وبالشكل الذي يحقق أهدافه الإنسانية النبيلة.

ولذلك أقول وبثقة مطلقة، ان بقاء استشعار الظلم والتهميش والاقصاء في نفوس الناس وابناءهم إنما يعني بعبارة أخرى بقاء نقطة سوداء تتضخم يوماً بعد يوم وتكبر لتشكل فجوة هائلة تتحول لاحقاً إلى حاجز شاهق بوجه تحقيق مفاهيم المواطنة والحكم الرشيد.. وقبل كل شيء نهضة الأوطان.

وعلاج ذلك يتطلب الالتزام بتنفيذ برامج تأهيل نفسي ومجتمعي ومبادرات وفعاليات عملية، وجهود مشتركة ثقافياً وإعلامياً، وتجويد الخطاب، واعتماد هذا المشروع ضمن الخطط الوطنية، وقبل كل ذلك ترسيخ دولة العدل والقانون فعلاً، وإلا سنبقى نواجه معنى التمرد والمعارضة في النفوس والأفعال كل حين دون انتهاء.