الدول الغربية تنشط فيها حركات ضد المهاجرين إليها , وهي تتمنطق بشعارات وإدعاءات مضللة , وبعيدة عن جوهر الحقيقة , وتسعى لإعتبارهم أعداءً للمجتمعات التي هاجروا إليها.
ويغيب عن الأذهان العامة ووسائل الإعلام عن قصد أو غير قصد , أن هذه الجموع المهاجرة لم يكن قرار الهجرة من خيارها , وإنما من الخيارات التي لا تريدها وإضطرت إليها.
والسؤال لماذا وُضِعَت هذه الجموع الغفيرة من البشر في موقف الإضطرار وإتخاذ القرار المرير؟
والجواب , أن ما حل في مواطنها الأصلية كان للدول التي هم فيها الآن دور كبير في تدميرها وتخريبها , ومساندة أنظمة حكمها التي تمتهن المواطنين وتصادر حقوقهم الإنسانية , وتحكمهم بالقهر والحرمان من أبسط الحاجات , وبرعاية دول المَهجر بأنواعها.
فللدول الغربية دور أساسي وفعّال فيما يحصل في المجتمعات التي يهجرها أهلها.
فتأملوا ما جرى للعراق وليبيا وسوريا واليمن وغيرها من دول المنطقة والعالم , وستجدون أن الدول التي هاجر إليها سكان هذه الدول لها الباع الطويلة في تدمير بلدانهم وتهجيرهم , وحتى الأمم المتحدة لا تعارض الدول القوية صاحبة الفيتو إذا قررت أن تدمر أي بلدٍ عضو فيها حتى ولو كان من مؤسسيها, مما يعني أن الأمم المتحدة بمجلس أمنها صارت دائرة لتمرير إرادة الدول القوية , ولا يعنيها من أمر الدول الضعيفة والمدمرة إلا أن تبني المخيمات وتقدم المساعدات وهذا أضعف الإيمان.
إن التهجير مبرمج ومخطط له بإتقان , وغايته إستقدام الأيدي العاملة إلى المجتمعات الصناعية التي تعاني من تدني النمو السكاني , وقلة الأيدي العاملة في المصانع والدوائر والمؤسسات , مما يتوجب عليها حث البشر من المجتمعات الأخرى للهجرة إليها , وبما أنها صارت بحاجة إلى أعداد هائلة فأن من الضروري توفير أسباب موضوعية ودافعة للهجرة , ويأتي في مقدمتها , تدمير الأوطان وإشاعة الفوضى والفساد وعدم الإستقرار فيها , مما يدفع المواطنين وبقوة كبيرة للخروج من أوطانهم والقدوم إلى الدول التي توفر لهم أسباب العيش , وتستثمر بطاقاتهم وتعد أبناءهم وبناتهم لمستقبلها الأقوى والأقدر.
وبهذا فأن المجتمعات المُستهدفة يتحقق إستنزافها وتدميرها وإضعافها , وتحويلها إلى حالات لا تتوافق ومعطيات العصر , مما يحتم على المنتمين إليها مغادرتها والتغني بالحياة المهجرية الجديدة.
فالهجرة مكسب إقتصادي لبلاد المَهجر وخسارة مروعة لبلاد الأصل , لكن اللعبة إتخذت أساليب أخرى مفادها أن المهاجرين صاروا أعداء المواطنيني الأصليين , وهذا تضليل وتمويه لمغزى ودوافع التهجير , الذي هو في حقيقته قسري , وإن بدى على أنه برغبة من المهاجرين.
ألا تساءلتم لماذا إشتدت موجات التهجير في بداية القرن الحادي والعشرين , ولم تكن كذلك قبل عقود؟
إن التهجير أحد أهم أركان نجاح الأنظمة الرأسمالية , وبدون مهاجرين لا يمكنها أن تتواصل , وتلك حقيقة مغيبة , ويُراد طرحها بآليات مغايرة , لكي تُظهر أن الحزب الفلاني لديه غيرة على الوطن أكثر من غيره , وفي واقع أمره يدرك بأنه لولا المهاجرين لأصيب النظام الإقتصادي بنكسات مروعة , وهذا يفسر النمو الإقتصادي الهائل في هذه الدول , لأنها قد إكتسبت خبرات ومهارات مجانية لم تكلفها شيئا , فهي تستثمر في عقول وخبرات معدة مسبقا في بلدانها , وما تفعله أنها توفر لها البيئات اللازمة للعطاء والإنتاج.
تلك حقيقة تغيب عن أذهان الأنظمة المغفلة الأمية , وتحاول الدول المستفيدة التعتيم عليها والقول بما يناقضها.
فهل ستتستحضر أنظمة حكم المجتمعات المنكوبة بعض الوطنية والغيرة الإنسانية؟!!